في لقاء يعكس عمق العلاقات الروحية والثقافية بين لبنان ومؤسسة الأزهر الشريف، استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فخامة الرئيس جوزاف عون، رئيس الجمهورية اللبنانية، اليوم بمقر مشيخة الأزهر في القاهرة. وقد جرى خلال اللقاء التباحث في سبل تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين، وفتح آفاق جديدة للتعاون الديني والثقافي، في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات واضطرابات متزايدة.
اللقاء الذي حضره أيضًا فضيلة الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، تخللته مناقشات معمّقة حول ضرورة توحيد الصفوف في مواجهة الأزمات الإقليمية، وتعزيز الخطاب المعتدل الذي تمثّله مؤسسة الأزهر تاريخيًّا.
شيخ الأزهر: لبنان في قلب كل مسلم
وفي بداية اللقاء، رحّب الإمام الأكبر بالرئيس اللبناني، مشيرًا إلى المكانة الخاصة التي يحظى بها لبنان في وجدان الشعوب العربية والإسلامية، وقال: “لبنان يسكن في قلب كل عربي وكل مسلم، ونحن نتابع أوضاعه باهتمام كبير”، معبرًا عن تضامنه الكامل مع الشعب اللبناني في ظل الأزمات التي مرّ بها، وداعيًا الله أن يعيد لهذا البلد الأمن والاستقرار.
كما أثنى شيخ الأزهر على التنوّع الفريد الذي يتميز به لبنان، معتبرًا أن هذا التنوّع الطائفي والثقافي يعدّ ثروة وطنية، ويعكس نموذجًا حضاريًّا يجب الحفاظ عليه بكل السبل وأكد أن الأزهر سيظل داعمًا لوحدة اللبنانيين، وحريصًا على الإسهام في ترسيخ ثقافة الحوار والتسامح بينهم.
الرئيس جوزاف عون: الأزهر منارة عالمية ونشكر مواقفه النبيلة
من جانبه، أعرب الرئيس جوزاف عون عن عميق شكره وتقديره لفضيلة الإمام الأكبر، مشيدًا بالدور الكبير الذي تقوم به المؤسسة الأزهرية في نشر قيم السلام، ومواجهة خطابات التطرف، وتعزيز مبادئ الأخوة الإنسانية.
وقال الرئيس اللبناني: “نعتبر زيارتنا هذه شرفًا كبيرًا، ونثمّن مواقفكم النبيلة في تسهيل أمور طلابنا اللبنانيين خلال الفترات العصيبة التي مرّوا بها”، مشيرًا إلى أن الأزهر الشريف كان ولا يزال قبلةً علميةً ومرجعيةً لكل اللبنانيين، ويحتفظ بتاريخ طويل من احتضان الطلبة العرب على اختلاف جنسياتهم.
وأضاف: “العالم اليوم في أمسّ الحاجة إلى حكماء من طرازكم، ونحن نتابع مواقفكم القيّمة التي تخدم الإنسانية جمعاء، وتؤسس لحوار عالمي قائم على القيم والمبادئ المشتركة”.
دعوة رسمية لزيارة لبنان وإعادة افتتاح المعهد الأزهري
وفي خطوة تعكس الحرص اللبناني على استعادة دور الأزهر داخل البلاد، وجّه الرئيس جوزاف عون دعوة رسمية إلى فضيلة الإمام الأكبر لزيارة لبنان، وإعادة افتتاح المعهد الأزهري في بيروت، الذي كان قد توقّف عن العمل نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية التي عصفت بلبنان خلال السنوات الأخيرة.
وقد رحّب الإمام الأكبر بهذه الدعوة الكريمة، مؤكدًا استعداده لتلبية الدعوة في أقرب وقت ممكن، ومشدّدًا على التزام الأزهر بإعادة تشغيل المعهد، وتوفير جميع المقوّمات التي تضمن استمراريته، من بينها إرسال مبعوثين علميين متميزين، وتزويده بالمناهج والكتب الأزهرية التي تنهل من وسطية الإسلام وروحه السمحة.
وثيقة الأخوة الإنسانية: محور التقاء بين الأديان
كما شهد اللقاء حديثًا موسّعًا حول “وثيقة الأخوّة الإنسانية”، التي وقعها الإمام الطيب إلى جانب البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، باعتبارها حدثًا تاريخيًّا يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين الأديان، ويشكّل مرجعًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا عالميًّا لمواجهة التطرف والإقصاء.
وأشاد الجانبان بالخطوات الجادّة التي اتخذها الأزهر الشريف في تفعيل الوثيقة، ولا سيّما من خلال انفتاحه على المؤسسات الدينية العالمية، وسلسلة الوثائق التي أصدرها دفاعًا عن “المواطنة الكاملة”، ورفضًا لمصطلح “الأقليات”، بما يعكس رؤية الأزهر المتجددة نحو الشراكة المجتمعية والمساواة بين أبناء الوطن الواحد.
نحو شراكة استراتيجية بين الأزهر ولبنان
يحمل هذا اللقاء في طياته إشارات واضحة إلى رغبة متبادلة في استعادة التعاون العريق بين لبنان ومؤسسة الأزهر، بما يشكّل نواة لشراكة استراتيجية قائمة على تبادل الخبرات، ودعم التعليم الديني الوسطي، ومواجهة التحديات المشتركة التي تهدّد المنطقة، وعلى رأسها خطاب الكراهية والعنف الطائفي.
وفي ظل ما يعانيه لبنان من أزمات متلاحقة، تأتي هذه الزيارة لتؤكد على الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدينية الكبرى، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، في دعم الاستقرار الاجتماعي، والتأكيد على وحدة الصف، والوقوف إلى جانب الشعوب في محنها.
أفق جديد للعلاقات المصرية اللبنانية برعاية الأزهر
لقاء شيخ الأزهر الشريف بالرئيس اللبناني يحمل أبعادًا رمزية وسياسية بالغة الأهمية، فهو لا يعبّر فقط عن تضامن ديني وأخلاقي، بل يعيد التأكيد على أهمية التكامل العربي – الإسلامي في مواجهة الأزمات. وتبقى إعادة افتتاح المعهد الأزهري في بيروت بمثابة خطوة استراتيجية نحو ترسيخ الحضور الأزهري في لبنان، وتأكيد أن الأزهر سيظل سندًا لكل الشعوب الباحثة عن العلم والنور والسلام.
