مقالات

محمود أبو الحسن يكتب: التنقيب غير القانوني عن الآثار.. طريق مظلم ويتطلب برامج توعوية

في صعيد مصر، حيث تتجلى جذور الحضارة القديمة ومعها تتنامى ظاهرة التنقيب غير القانوني عن الآثار في محافظات الصعيد بصورة مقلقة، فيلجأ البعض إلى هذا النشاط غير المشروع بحثاً عن ثروة سريعة وسهلة من خلال البحث عن الكنوز الأثرية المدفونة تحت الأرض، ورغم المخاطر الجسيمة التي يتعرضون لها، فإنهم يفتقرون في كثير من الأحيان إلى الوعي بأهمية هذه الآثار وبالعواقب القانونية والاجتماعية والصحية، التي قد تنجم عن هذا السلوك.

طريق الشيطان: من الثراء السريع إلى السجن

بالنسبة للعديد من شباب الصعيد، يعتبر التنقيب عن الآثار نشاطا محفوفًا بالمخاطر ولكنه، في الوقت نفسه، مليء بالإغراءات، إذ يتوجه هؤلاء الشباب إلى المناطق الأثرية في الصحراء، أو حتى إلى حقولهم الزراعية للبحث عن الكنوز المدفونة، معتقدين أن العثور على قطعة أثرية واحدة يمكن أن يغير حياتهم للأبد، لكن الحقيقة أن هذا الطريق مليء بالمخاطر.

وعلى الصعيد القانوني، يعتبر التنقيب غير القانوني عن الآثار جريمة يعاقب عليها القانون المصري بعقوبات صارمة تصل إلى السجن لعدة سنوات، وغرامات مالية كبيرة، وعلى الصعيد الصحي، يتعرض المنقبون لخطر الإصابة خلال عمليات الحفر غير المنظمة، وقد يواجهون مخاطر الانهيارات الأرضية أو التعرض للغازات السامة.

دماء البشر ومواد لاستحضار الشيطان يستخدمها الباحثون عن الثراء في طريق « التنقيب عن الآثار»

في القرى والمناطق النائية بالصعيد، وخاصة في محافظات مثل سوهاج، والأقصر، وقنا، تنتشر ظاهرة التنقيب غير القانوني عن الآثار بشكل كبير، حيث يقوم العديد من الشباب وحتى الكبار في السن بالحفر في أراضيهم الزراعية أو في المناطق الصحراوية المجاورة بحثًا عن قطع أثرية مدفونة يمكن أن تباع بأثمان باهظة.

وبسبب الاعتقاد الشائع بوجود “كنوز” في أماكن معينة، يعتمد المنقبون على الحكايات الشعبية والإشاعات، ويقومون بفعل أشياء غريبة لا يصدقها العقل، وقد يصل الحال بهم إلى حفر الأنفاق تحت الأرض، كما يتم استخدام مواد وطرق من خلالها يتم استحضار الشيطان، وفي بعض الأحيان ايضاً يتم استخدام دماء البشر لتقديمها قرباناً للمقبرة الآثرية.. نعم إنه طريق الشيطان من يدخله يفقد عقله وينتهي به المطاف داخل السجن، ويحدث هذا النشاط غالبا ليلاً لتجنب ملاحقة الجهات المعنية.

نقص الوعي: سبب أساسي لتنامي الظاهرة

يرتبط انتشار ظاهرة التنقيب غير القانوني عن الآثار في الصعيد بشكل مباشر بنقص الوعي المجتمعي بأهمية هذه الآثار كموروث ثقافي وحضاري، إذ لا يدرك العديد من الشباب أن هذه الآثار هي جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، وأن تدميرها أو سرقتها يؤدي إلى فقدان جزء من التاريخ الجماعي للأمة، وكذلك هناك نقص كبير في الوعي بالمخاطر القانونية التي قد يتعرض لها الأشخاص المشاركون في التنقيب غير القانوني، حيث يعتقد البعض أن هذه الأنشطة تعد مجرد “مغامرة” أو “تجارة” مثل أي تجارة أخرى، دون إدراك العواقب الوخيمة التي قد تنتظرهم.

الحاجة إلى برامج توعوية فعالة

للتصدي لهذه الظاهرة، هناك حاجة ملحة لتطوير برامج توعوية فعالة تستهدف الشباب في الصعيد وتسلط الضوء على المخاطر الكبيرة، التي ينطوي عليها التنقيب غير القانوني عن الآثار، فهناك من يواجه أحكام قضائية، وهناك من فقد عقله في هذا الطريق وهناك أيضاً من خسروا أموالهم، ومن هنا يجب أن تتضمن هذه البرامج العناصر التالية:

التثقيف بأهمية التراث الأثري: يجب أن تركز البرامج على توعية الشباب والمجتمعات المحلية بأهمية الآثار كموروث ثقافي يخص الأمة بأكملها، وكيف يمكن أن يكون للتراث الأثري دور كبير في تعزيز السياحة وتحقيق التنمية المستدامة.

التوعية بالمخاطر القانونية: ينبغي أن تشرح البرامج التوعوية العواقب القانونية المترتبة على عمليات التنقيب غير القانوني، والعقوبات الصارمة التي يفرضها القانون المصري على المخالفين، وذلك من خلال تنظيم ندوات وورش عمل ومحاضرات في المدارس والجامعات.

تعزيز الوعي بالمخاطر الصحية والجسدية: يمكن أن تتضمن الحملات التوعوية شهادات حية من أشخاص تعرضوا لإصابات أو مشاكل صحية نتيجة عمليات التنقيب غير القانوني، لتوضيح المخاطر الجسدية، التي يمكن أن يتعرض لها من يقومون بهذه الأنشطة.

تشجيع برامج الشباب والتوظيف: يجب أن تتزامن حملات التوعية مع برامج لتوفير فرص عمل بديلة للشباب، والترويج لمهن تتعلق بحماية الآثار وصيانتها، مثل الإرشاد السياحي والترميم، مما يوفر لهم خيارات اقتصادية قانونية وآمنة.

استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي: من المهم استخدام وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، مثل التلفزيون والراديو ومنصات التواصل الاجتماعي، للوصول إلى جمهور واسع من الشباب والتأثير فيهم بشكل إيجابي.

دور المجتمع في دعم برامج التوعية: لا يمكن تحقيق نجاح كامل في مكافحة التنقيب غير القانوني عن الآثار دون دعم المجتمع المحلي، لذا، يجب على زعماء المجتمع المحلي والرموز الدينية والتعليمية أن يلعبوا دورا رئيسيا في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الأثري، وتشجيع الشباب على الابتعاد عن الأنشطة غير القانونية، كما يمكن للمدارس والجامعات أن تنظم رحلات ميدانية للمواقع الأثرية، لتعزيز الانتماء الوطني وتعريف الشباب بقيمة تراثهم الثقافي وأهمية الحفاظ عليه.

التنقيب غير القانوني عن الآثار في الصعيد يمثل خطرا كبيرا على التراث الثقافي لمصر، ويحتاج إلى جهود مكثفة للتوعية بمخاطره وتداعياته، إذا ما تكاتفت الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والأفراد، وتم تبني برامج توعوية فعالة، يمكن حينها حماية هذه الكنوز الثمينة وضمان بقاءها للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights