تقارير-و-تحقيقات

هل تختفي الإسكندرية؟.. دلتا النيل في مواجهة زحف البحر والدولة تتحرك لمجابهة الخطر

تقرير – آيــة زكــي

في ظل تسارع التحذيرات المناخية بشأن المخاطر التي تهدد دلتا النيل ومدن الساحل الشمالي، وعلى رأسها مدينة الإسكندرية، تتزايد مخاوف الشارع المصري من سيناريوهات قد تبدو كأنها مستوحاة من أفلام الكوارث، لكنها تستند إلى حقائق علمية ونماذج محاكاة تتوقع ارتفاع منسوب سطح البحر بنهاية القرن الحالي، ما قد يؤدي إلى غمر أجزاء من الأراضي المنخفضة في شمال مصر.

وبينما يتداول البعض سيناريوهات “الغرق الكامل”، خرجت الحكومة لتؤكد أن الواقع أكثر تعقيدًا مما يتم تداوله، مشددة على أن الدولة ليست في موقع المتفرج، وإنما تتحرك بخطى واثقة نحو التكيف مع هذه التغيرات، عبر خطط واستراتيجيات تعتمد على التخفيف من حدة المخاطر، وليس الهروب منها.

سيناريوهات محتملة.. والدولة تستعد

أوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، في تصريحات رسمية، أن الدراسات العلمية المطروحة تتضمن سيناريوهين رئيسيين: الأول متشائم يفترض تعرض أجزاء كبيرة من الدلتا، بما في ذلك الإسكندرية، للغرق إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة، والثاني أكثر تفاؤلًا يشير إلى إمكانية السيطرة على الوضع أو تقليل آثاره، شريطة البدء الفوري في تنفيذ مشروعات التكيف والحماية.

وأكدت الوزيرة أن هذه التوقعات لا تشير إلى خطر داهم في الحاضر، بل هي محاكاة لواقع محتمل بحلول عام 2100، ما يمنح الدولة هامشًا من الزمن للتحرك، لكنها شددت في الوقت نفسه على أن هذا الوقت لا يجب أن يُهدر في التأجيل أو التهوين من حجم التحدي، بل يتطلب فعلًا عاجلًا مبنيًا على العلم والتخطيط الاستراتيجي.

دور محوري للتنمية المحلية في المواجهة

وفي هذا السياق، تلعب وزارة التنمية المحلية دورًا محوريًا في تنسيق الجهود الوطنية لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية على المناطق الساحلية.

وقال مصدر مسؤول بالتنمية المحلية، إن هناك تنسيقًا وثيقًا ومستمرًا بين الوزارة ووزارات المعنية مثل البيئة، و الري و الموارد المائية، والإسكان، لتنفيذ مجموعة من المشروعات الكبرى الرامية لحماية الشواطئ والمنشآت الحيوية،مؤكدًا أن المشروعات تشمل إنشاء حواجز بحرية ودعامات خرسانية بالمناطق المنخفضة، فضلًا عن تطوير وتوسيع شبكات تصريف مياه الأمطار والسيول، وتحسين كفاءة البنية التحتية ذات الصلة، بما يسهم في تعزيز قدرة هذه المناطق على الصمود في وجه الظواهر الجوية المتطرفة.

وشدد المصدر في تصريحات لـ “اليوم”، على أن الحكومة لا تتبنى أي خطط لإخلاء سكان الإسكندرية أو البحيرة أو غيرها من المدن الساحلية، مؤكدًا أن ما يثار بهذا الشأن لا يعدو كونه سيناريوهات نظرية تدرس ضمن خطط الطوارئ كإجراءات احترازية، وليس كمشروعات تنفيذية.

وأوضح أن الوزارة تعمل على تطوير المناطق العشوائية الواقعة على الشواطئ، بما يضمن استقرار المواطنين وتمكينهم من التكيف مع البيئة المحيطة دون تهجير قسري، وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة،أمضيفًا، أن بدأ بالفعل تنفيذ عمليات لإعادة تخطيط عدد من المناطق الأكثر عرضة للمخاطر المناخية، خاصة في محافظات الإسكندرية ودمياط وبلطيم، من خلال دمج البعد البيئي والمناخي ضمن السياسات العمرانية والتنموية، وذلك لضمان تحقيق تنمية مستدامة تراعي المستقبل.

وأضاف أن تقود الوزارة برامج تدريبية مكثفة تستهدف رفع جاهزية وحدات الإدارة المحلية للتعامل مع الأزمات البيئية المحتملة، من خلال تأهيل رؤساء الأحياء ومسؤولين المحليات في مجالات إدارة الكوارث وتغير المناخ.

الإسكندرية تواجه فيضانات متكررة تحت ضغط الأمطار الغزيرة والنمو السكاني

أوضح محافظ الإسكندرية أن الطاقة الاستيعابية لشبكة تصريف مياه الأمطار في المدينة لا تتجاوز مليون متر مكعب، في حين تصل كمية الأمطار أحيانًا إلى 18 مليون متر مكعب في يوم واحد، ما يؤدي إلى غرق الشوارع ووقوع فيضانات واسعة النطاق.

وتواجه المدينة تحديات متزايدة نتيجة للزيادة السكانية الكبيرة، إذ استقرت فيها نحو مليوني نسمة خلال السنوات العشر الماضية، مما ضاعف العبء على البنية التحتية المتهالكة، كما تساهم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، من تضخم واهتزاز في قيمة الجنيه، في تقليص القدرة على تنفيذ مشاريع تحسين البنية الأساسية ومواجهة آثار التغير المناخي.

التدخلات الحكومية لحماية الإسكندرية من التغيرات المناخية

في مواجهة هذه الأزمات، أطلقت الحكومة المصرية سلسلة من التدخلات الهادفة إلى تعزيز قدرة الإسكندرية على الصمود في وجه التغيرات المناخية. ومن بين أبرز هذه المبادرات، مشروع بيئي لزراعة حزام من نبات القصب يمتد على طول 69 كيلومترًا من الساحل، بهدف إنشاء حاجز طبيعي يمتص طاقة الأمواج ويحد من آثارها. كما من المنتظر تركيب أنظمة إنذار مبكر متطورة لمراقبة حركة الأمواج ومستوى المياه في المناطق الساحلية، ما سيسهم في تحسين آليات التنبؤ والاستجابة السريعة، وفي ما يخص حماية المعالم الأثرية، جرى تنفيذ أعمال تحصين لقلعة قايتباي، تضمنت تركيب 5000 كتلة خرسانية لصد الأمواج ومنع تسرب المياه إلى أساساتها التاريخية.

وترافق هذه الجهود مشروعات أخرى تهدف إلى وقف تآكل الشواطئ والحفاظ على المظهر المعماري والتراثي للمدينة في مواجهة التحديات المناخية المتزايدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights