الرئيسيةتقارير-و-تحقيقاتعرب-وعالم

الصين تستعرض ثالوثها النووي.. مشية الإوزة ورسائل قوة بحضور بوتين وكيم وبزشكيان

تقرير: سمر صفي الدين

شهدت العاصمة الصينية بكين عرضًا عسكريًا ضخمًا قاده الرئيس شي جينبينغ، بحضور قادة روسيا وإيران وكوريا الشمالية وبيلاروسيا، في مشهد مثير يعكس تحولات استراتيجية دولية عميقة.

شارك في العرض أكثر من عشرة آلاف جندي ومئات الطائرات والعربات العسكرية، بينما استعرضت الصين مقاتلات شبحية وقاذفات استراتيجية وصواريخ فرط صوتية وغواصات مأهولة وغير مأهولة، بجانب كامل ثالوثها النووي.

أطلق شي خلال العرض رسائل دعائية ممزوجة بالرمزية، إذ قال لجنوده: “لقد عملتم بجد!”، ورد الجنود بصوت واحد: “نحن نخدم الشعب!”.

على ضوء ما سبق، يرصد موقع “اليوم” الرسائل السياسية والعسكرية التي حاولت الصين إيصالها من خلال الاستعراض، وإلى أي مدى يمثل حضور بوتين وكيم جونغ أون إلى جانب شي جينبينغ مؤشرًا على تشكل محور عسكري – سياسي في مواجهة الغرب.

جلوس بوتين وكيم وبزشكيان في منصة بكين العسكرية يكشف عن محور يتشكل في مواجهة الضغوط الغربية

جلوس بوتين وكيم وبزشكيان في منصة بكين العسكرية يكشف عن محور يتشكل في مواجهة الضغوط الغربية

رسائل ردع واضحة

وفي هذا السياق، يرى اللواء محمد عبد الواحد، الخبير العسكري ومستشار الأمن القومي، أن:”هذا العرض ليس مجرد احتفال بذكرى الانتصار على اليابان، بل حدث سياسي وعسكري وجيوسياسي يهدف لإظهار قوة الصين العالمية”.

وظهر العرض كرسالة مزدوجة، فهو يخلد ذكرى تاريخية، لكنه يكشف في الوقت ذاته عن قدرات الردع المتقدمة التي وصلت إليها بكين، خاصة في ظل التوتر مع الغرب.

وأشار اللواء عبد الواحد لـ”اليوم”، إلى أن “الكشف عن ثالوث نووي متكامل يمثل رسالة ردع استراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها، بأن الصين اليوم قوة نووية عظمى مكتملة الأركان”.

كما أوضح أن العرض يخدم الداخل أيضًا: “هو مصدر فخر للشعب الصيني ويعزز وحدة الجبهة الداخلية، مؤكدًا أن الحزب الشيوعي قادر على حماية السيادة والمصالح الوطنية”.

مشية الإوزة.. ورمزية خاصة

لفت الأنظار مشهد “مشية الإوزة”، التي عرفت تاريخيًا كرمز للانضباط الصارم. ورغم ارتباطها بأنظمة استبدادية، ما تزال الصين تراها دليلًا على الولاء والهيبة.

وفي هذا السياق، قال الخبير الأمني اللواء عبد الواحد: “العرض لم يكن استعراضاً للجنود فقط، بل دلالة على تماسك الجيش الصيني وقدرته على تجسيد الانضباط الحزبي والوطني”.، كما أن: “الانضباط الشديد يعكس ارتباط الجيش بالحزب الشيوعي”.

وأضاف أن هذه الرمزية تخدم أكثر من بعد: “هي رسالة نفسية للغرب بأن الجيش الصيني موحد ومنضبط، ورسالة داخلية بالفخر والقدرة على فرض الهيبة”.

وبين أن الصين تحاكي عبر هذه المشية “العروض المسرحية للكتلة الشرقية”، بما يرسخ صورة القوة الصارمة أمام الخصوم ويغرس الانتماء في وجدان الشعب.

حضور دولي لافت

تجاوز العرض الطابع العسكري، ليصبح حدثاً سياسياً دولياً بامتياز. فقد جلس بوتين وكيم إلى جوار شي جينبينغ في مشهد يبرز تحالفات تتحدى النظام الغربي.

ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العرض بأنه “تحالف عسكري خطير يستهدف كسر الهيمنة الغربية”. مؤكداً أن المشهد يظهر تنسيقًا بين بكين وموسكو وبيونغ يانغ.

وفي سياق متصل، أكد اللواء محمد عبد الواحد: “مشاركة قادة مثل بوتين وكيم وبزشكيان رسالة واضحة بأن هناك محورًا استراتيجيًا جديدًا يتشكل بقيادة الصين في مواجهة واشنطن”.

كما رأى أن هذا الحضور يكرس صورة الصين كقوة تقود معسكر بديل: “الرسالة أن هناك تعددية قطبية جديدة. وأن زمن الهيمنة الأمريكية المطلقة بات مهددًا بالفعل”.

صناعة محلية متطورة

أبرز ما لفت الانتباه أن جميع الأسلحة المعروضة مصنعة محلياً. ما يعكس استقلالية المجمع الصناعي العسكري الصيني، وقدرته على المنافسة في سباق التسلح العالمي.

عرضت بكين منظومات دفاع جوي متقدمة وصواريخ عابرة للقارات مثل “دونغفنغ-31″ و”دونغفنغ-61”. إضافة إلى “جولانغ-3” التي تطلق من الغواصات، بجانب مقاتلات الجيل الخامس.

أبرز اللواء عبد الواحد هذه النقطة قائلاً: “الحقيقة المثيرة للإعجاب أن الصين باتت مكتفية ذاتيًا. فهي تنتج تكنولوجيا متقدمة تجعلها قادرة على المنافسة العسكرية والتكنولوجية أمام الولايات المتحدة وروسيا”.

كما أوضح أن الصناعة المحلية تمنح بكين ورقة استراتيجية: “امتلاك القدرة الصناعية يعني أن بكين لا تخضع لضغوط خارجية. وهو ما يزيد من استقلالية قرارها العسكري والسياسي”.

بين السلام والردع

أكدت بكين عبر العرض أنها لا تسعى للحرب بل للسلام، إذ أطلقت آلاف حمائم السلام في رسالة مزدوجة: الدعوة للاستقرار، وإظهار القدرة على الردع.

ولم يغب ملف تايوان عن العرض. فقد شدد شي على أنها جزء لا يتجزأ من الصين، مؤكداً الاستعداد لاستخدام كل الوسائل لحماية وحدة الأراضي.

أوضح اللواء عبد الواحد أن: “العرض كان رسالة مباشرة لتايوان وحلفائها، بأن بكين قادرة على الدفاع عن سيادتها، وأن الخيار العسكري مطروح لحماية الوحدة الوطنية”.

كما يرى أن: “الخطاب الرئاسي جمع بين استدعاء التاريخ وتأكيد الحاضر، مع ربط قضية تايوان بالهوية الوطنية والسيادة غير القابلة للتجزئة”.

وأضاف: “الرسالة موجهة أيضًا لواشنطن التي تدعم تايوان، مفادها أن الصين لن تتردد في استخدام الردع النووي إذا تعرضت مصالحها القومية للخطر”.

الثالوث النووي الصيني

للمرة الأولى عرضت الصين كامل ثالوثها النووي:

  • صواريخ برية عابرة للقارات.
  • غواصات نووية مسلحة.
  • وقاذفات استراتيجية قادرة على حمل رؤوس نووية.

هذا الإعلان وضع الصين في مصاف القوى النووية الكبرى بجانب الولايات المتحدة وروسيا، مؤسسًا لمرحلة جديدة من التوازنات الاستراتيجية العالمية.

قال اللواء عبد الواحد: “الكشف عن الثالوث النووي يعزز الردع، ويبعث رسالة للغرب أن الصين قادرة على مواجهة أي تهديد، وأنها قوة نووية مكتملة الأركان”.

الصواريخ الفرط صوتية

شكلت الصواريخ الفرط صوتية أحد أبرز مفاجآت العرض، لما لها من قدرات هجومية متقدمة، وسرعات تتجاوز خمسة أضعاف سرعة الصوت مع مناورات معقدة.

تتمتع هذه الصواريخ بقدرة على تجاوز الدفاعات التقليدية، ما يجعل اعتراضها شبه مستحيل، ويمنح الصين تفوقًا تكنولوجيًا يقلص الفجوة مع الولايات المتحدة.

وفي غضون ذلك، أوضح اللواء عبد الواحد أن:”هذه الصواريخ تمنح الصين قدرة هجومية متقدمة تصل لأي نقطة في العالم، وتهدد حاملات الطائرات الأمريكية والبنى التحتية الحيوية بدقة وفاعلية”.

وأضاف: “هي ليست مجرد أسلحة عادية، بل رسالة استراتيجية للغرب، تؤكد أن الفجوة التكنولوجية بين بكين وواشنطن لم تعد واسعة كما يظنون”.

سباق تسلح عالمي

يرى محللون أن العرض سيدفع الولايات المتحدة وروسيا إلى تسريع تطوير أسلحة فرط صوتية جديدة. ما يفتح الباب أمام سباق تسلح عالمي متسارع.

انطلاقًا من ذلك، أشار اللواء عبد الواحد إلى أن: “الكشف عن هذه الصواريخ لا يغير فقط قواعد اللعبة. بل يحفز سباق تسلح عالمي، ويدفع القوى الكبرى لتطوير ترساناتها بسرعة، ما سيؤدي إلى تسابق محموم. يعيد رسم التوازنات العسكرية الدولية خلال العقد القادم”.

كما لفت إلى أن هذه القدرات العسكرية تترجم مباشرة إلى نفوذ سياسي: “القوة العسكرية دائمًا تعزز النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي. وهو ما يمنح الصين حضورًا أوسع في الملفات الدولية”.

دلالات داخلية هامة

لم تقتصر الرسائل على الخارج، بل حمل العرض إشارات للداخل الصيني تعزز الوحدة الوطنية. وتؤكد أن الحزب الشيوعي قادر على حماية الشعب ومصالحه.

تزامن العرض مع دعوات لتعزيز الفخر القومي. إذ جسد مشهد الانضباط الجماعي وإطلاق الحمائم محاولة للدمج بين صورة القوة وصورة الدولة المسؤولة.

وعليه، قال اللواء عبد الواحد: “العرض عزز ثقة الشعب الصيني في دولته. كما أكد أن بكين باتت قادرة على حماية سيادتها ومصالحها، مما يرسخ شرعية الحزب داخلياً”.

عقيدة عسكرية متطورة

أما على الصعيد العسكري، لم يغير العرض جذور العقيدة العسكرية الصينية القائمة على “الدفاع النشط”. لكنه طورها بإدخال مفهوم الضربات الاستباقية وتوسيع الردع النووي.

أصبحت بكين أكثر استعدادًا لتنفيذ ضربات موجعة إذا تعرضت مصالحها للخطر. في تحول يعكس تطور العقيدة من الدفاع البحت إلى الدفاع الهجومي المرن.

وذلك ما أكد عليه اللواء عبد الواحد: “العقيدة الصينية لم تتخل عن مبدأ عدم الهيمنة. لكنها طورت أدواتها، لتشمل الردع النووي والقدرة على الضربات الاستباقية إذا لزم الأمر”.

نحو نظام متعدد

عكست المشاركة الدولية في العرض دعمًا للنظام العالمي المتعدد الأقطاب. حيث باتت الصين تقود محورًا مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية ضد الهيمنة الغربية.

أكد اللواء عبد الواحد أن العرض العسكري يمثل إعلانًا ضمنيًا عن نهاية مرحلة الهيمنة الأمريكية المنفردة. وبداية نظام عالمي متعدد الأقطاب تقوده بكين مع شركائها.

وقال: “الصين اليوم ليست فقط مصنع العالم، بل قوة عسكرية وسياسية قادرة على صياغة بدائل للنظام الدولي. وهذا ما تخشاه واشنطن”.

وزاد بالقول: “الحدث حمل رسائل استراتيجية ودبلوماسية وعسكرية متكاملة. أبرزها أن الصين قوة لا يمكن تجاهلها بعد الآن في معادلات القوة العالمية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights