تقارير-و-تحقيقات

بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يُحيي ذكرى الهجرة النبوية ويُبرز معانيها الروحية لذوي الهمم

كتب:مصطفى على

ضمن جهود الجامع الأزهر الشريف لدمج فئات المجتمع كافة في أنشطته التوعوية والدينية، عقد الجامع ملتقاه الأسبوعي بلغة الإشارة، وخصصه هذه المرة لشرح أسباب الهجرة النبوية الشريفة ونتائجها، في خطوة نوعية تستهدف تعزيز وعي ذوي الهمم، وإتاحة الفرصة لهم لفهم الأحداث الفاصلة في التاريخ الإسلامي.

وقد حاضر في الملتقى الديني منى عاشور، الواعظة بالأزهر الشريف وعضو المنظمة العربية لمترجمي لغة الإشارة، وسط تفاعل كبير من الحضور من فئة الصم وضعاف السمع، الذين استشعروا اهتمام المؤسسة الدينية الأم بمخاطبتهم بلغتهم وبأسلوب يراعي احتياجاتهم.

الهجرة النبوية: مفصل تاريخي يجمع بين المعاناة والنصر

في مستهل كلمتها، أوضحت الداعية الأزهرية منى عاشور أن الهجرة النبوية كانت لحظة فارقة في تاريخ الإسلام، جمعت بين صبر الماضي وأمل المستقبل، وفتحت بابًا لتأسيس حضارة راقية قائمة على المبادئ الربانية والعدالة.

وأكدت أن الهجرة لم تكن مجرد انتقال جغرافي من مكة إلى المدينة، بل كانت ضرورة إستراتيجية جاءت استجابة لواقع مرير يعيشه المسلمون الأوائل، حيث ذاقوا ألوان العذاب والاضطهاد من قريش التي رفضت الدعوة الإسلامية، واستخدمت كل وسائل التنكيل بالمؤمنين.

من التعذيب والاضطهاد إلى بناء الدولة الإسلامية

أشارت عاشور إلى أن أشكال الإيذاء التي مورست ضد الصحابة مثل آل ياسر وبلال وسمية رضي الله عنهم، كانت مدعاة للهجرة، خصوصًا بعدما بلغ أذى قريش أقصاه بالتخطيط لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ومع أن النبي استنفد كل وسائل اللين والحكمة في دعوته، إلا أن القوم قابلوا ذلك بالعداء والتكذيب.

ولفتت إلى أن الهجرة لم تكن مفاجئة، بل جاءت بعد محاولات عديدة للبحث عن مأوى للدعوة، أبرزها هجرتا الحبشة، ثم الرحلة الدعوية إلى الطائف، لكنها لم تحقق البيئة الحاضنة، إلى أن هيأ الله المدينة المنورة لتكون نواة دولة الإسلام.

سنة الهجرة في حياة الأنبياء: تاريخ يتكرر

أكدت الواعظة أن الهجرة سنة ماضية في حياة الأنبياء، فقد هاجر سيدنا نوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام من أوطانهم بحثًا عن أرض تقبل دعوتهم، وهكذا سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم على ذات النهج، لينقل الرسالة من أرض الاضطهاد إلى بيئة آمنة تقيم شرع الله.

وأشارت إلى أن الهجرة النبوية كانت بداية مرحلة جديدة في العمل الإسلامي، حيث أدرك النبي أن حماية الدعوة تتطلب كيانًا سياسيًا قويًا، فكانت المدينة المنورة مهد الدولة الإسلامية الأولى، التي حملت راية التوحيد إلى العالم.

تأسيس المجتمع المدني الإسلامي: وحدة، إخاء، وتلاحم

من أبرز ما تطرقت إليه منى عاشور في حديثها بلغة الإشارة، هو دور النبي في إقامة مجتمع متماسك يقوم على مبادئ الإخاء والتكافل والتآزر فقد آخى النبي بين المهاجرين والأنصار، في نموذج فريد من الإيثار لم تشهده المجتمعات من قبل، حيث تقاسموا المال والمنازل والمصالح، وذابت الفروقات الاجتماعية تحت راية “لا إله إلا الله”.

وأكدت أن من إنجازات الهجرة الكبرى أيضًا إنهاء العصبيات الجاهلية، وإزالة رواسب الحقد بين قبائل الأوس والخزرج، ما مهد لتأسيس مجتمع يتعاون على البر والتقوى، ويُعلي من قيمة العقيدة فوق كل انتماء.

إشادة بالمبادرة الأزهرية وضرورة تعميم التجربة

في ختام الملتقى، عبّر المشاركون من فئة ذوي الهمم عن سعادتهم الغامرة بمبادرة الجامع الأزهر، التي أتاحت لهم فهم مناسبة الهجرة بلغتهم الخاصة، ما يعكس شمولية الخطاب الأزهري وحرصه على مخاطبة جميع الفئات دون استثناء.

وقد دعت الواعظة منى عاشور إلى تعميم التجربة على بقية المساجد والمؤسسات الدعوية، من خلال تدريب مزيد من الوعاظ والواعظات على لغة الإشارة، وإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في الحوارات الدينية والثقافية، تنفيذًا لمبدأ “الدين للجميع”.

الأزهر الشريف.. في طليعة المؤسسات الداعمة لذوي الهمم

الجدير بالذكر أن الجامع الأزهر لا يكتفي بتنظيم الملتقيات الدورية لذوي الهمم، بل يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الدمج الكامل لهؤلاء المواطنين في الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية، من خلال إعداد برامج تدريبية مخصصة، وإصدار مطبوعات مترجمة، وتنظيم ورش تعليمية ودورات تثقيفية تستهدف الارتقاء بوعيهم وتمكينهم من أداء شعائرهم الدينية بكفاءة ووعي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights