حوارات

من الميدان إلى الذاكرة.. حوار خاص مع أحد أبطال حرب أكتوبر

أحد أبطال النصر في حوار لـ«اليوم»: كنا نتمنى لقاء العدو.. وأكتوبر أعظم فرحة في حياتي

حوار- محمود عرفات

يعد نصر أكتوبر المجيد أحد العلامات المحفورة في ذاكرة المصريين، تلك الذكرى التي تستنهض الهمم وتحيي الضمير، حيث أعيد للجندي المصري والعربي كرامته وهيبته، ورُدَّت روح الوطن إلى الجسد، وهي أرض سيناء المباركة، وبرغم مرور سنوات عديدة على ذكراها؛ إلا أنها كل عام تعيد إلى ذهن كل مصري معنى العزة والكرامة، وتجدد الولاء للوطن وجيشه العريق الحارس الأمين لعرين التاريخ والحضارة.

وفي هذا الصدد كان لنا هذا الحوار مع أحد الأبطال الذين شاركوا في حرب أكتوبر، وقدموا كل ما لديهم من أجل أن يحيى كل مواطن مصري مرفوع الرأس.

-في البداية، حدثنا عن نفسك وما هي الكتيبة التي خدمتَ فيها.

اسمي محمد أبو الغيط عبد التواب حسن، درستُ في معهد قراءات القرآن الكريم التابع للأزهر الشريف، التحقت بالخدمة العسكرية عام 1965 في سلاح المشاة الميكانيكية، ومكثت في القوات المسلحة عشرة أعوام، من بداية النكسة وحتى أكرمنا الله سبحانه بالانتصار، مضيفا أنه عايش عصر الذل والانكسار الذي أصابهم إبّان نكسة 1967، ثم بعد استعدادات وتدريبات مكثفة للجنود وخطط القادة كانت الانتصار خاتمة خدمته في القوات المسلحة، ليكون أعظم تتويج وانتصار له في حياته.

-هل تتذكر كيف بدأ الحرب، وما هو شعوركم وقتها.

وأضاف أنه لما رأى الطيارات المصرية تعبر فوقهم شعر بالفرحة والسعادة وكأن الانتصار قد حدث بينما الحرب ما زالت تبدأ، مؤكدا أن الجنود كان عندهم عقيدة وإيمان أولا بالله، ثم في خبرات القادة الذين كانوا يخططون منذ النكسة وحتى يوم النصر، لافتا إلى أنه بشكل شبه يومي كانت تخرج طائرات استطلاع نحو سيناء، حتى صارت مدروسة من كافة الجوانب بفضل القيادة الحكيمة التي تأخذ بالأسباب قبل كل شيء.

أسباب النصر

وأوضح أن من أسباب الانتصار عوامل كثيرة أولا أننا منذ النكسة ونحن كنا نتمنى لقاء العدو بكل شراسة، وكنا نجلس في الكتيبة مع بعضنا ونقول “متى يأتي ذلك اليوم”، مشيرا إلى أنهم لم يكن عندهم ذرة من الشك في الانتصار في هذه الحرب، بل يقين بالله وبعقيدة الجندي المصري التي لم تتغير إلى الآن.

-عبور قناة السويس لحظة فارقة في الحرب.. صف لنا هذه المحطة الفارقة

وأكد أن عبور قناة السويس كان من أهم المحطات التي بينت مدى الحنكة والذكاء في القادة العسكريين ممثلين في الرئيس السادات والفريق سعد الدين الشاذلي، لافتا إلى أن أن عبور القناة كان شبه مستحيل نتيجة وجود عدد من الموانع صعبة الاختراق مثل الساتر الترابي الذي كنا نحن الجنود لم نعرف ما الذي وراءه، وهو بارتفاع يتراوح بين 15 إلى 20 متر، ونحن لن نستطيع أن نتسلقه بالأدوات العادية.

عبقرية القادة.. وعقيدة الجنود

وأشار إلى أن هذا يظهر تكتيك وعبقرية القيادة، وكذلك عقيدة الجنود الذين كانوا ينتظرون لحظة الحرب، وتابع قائلًا: “كنا على مدار سنوات كبيرة نتدرب عمليا على كل نواحي القتال والحرب، وكأننا بالفعل في الميدان، فكل ما واجهناه في الحرب كنا نتدرب عليه عمليا وفي الحسبان”.

وأردف: “ظن العدو أن هذا الساتر الترابي هو محط وقوفنا، وأن العائق الذي لا حل له، لكنه لم يكن يعلم أن في سرية تامة كان يتم تجهيز إمكانية للتعامل معه، فكانت المضخات المائية شديدة الضغط، وتم توجيهها ناحية السد، وخلال ساعات قليلة وبشكل غير متوقع لإسرائيلين تم تدمير السد.

-بصفتك من أبطال النصر.. هل تحب أن تحكي لأولادك أو أحفادك عن الحرب ومدى قوة الجيش المصري؟

وعن حكاياته مع أحفاده عن ذكرى النصر قال: “أحكي دائما لأولادي وأحفادي عن ذكرى الحرب والانتصار لأني أتشرف وأفتخر أني كنت جزءا من الانتصار الأهم في التاريخ الحديث، خاصة في مثل هذه الأيام من كل عام، حيث تتجدد الذكرى ويتجدد معها مشاعر الفخر والاعتزاز بالقوات المسلحة المصرية، والحقيقة أنه بمرور الوقت تظهر عبقرية جديدة، ونقاط محل نقاش حول نصر أكتوبر لأنه حدث فيها أشياء عجيبة، وكأننا كنا مؤيدين بنصر الله سبحانه”.

فائدة الحديث عن أكتوبر وقت الأزمات

وأكد أن الحديث عن نصر أكتوبر هذه الأيام على وجه التحديد مهم جدا، خاصة في وجود أزمات عالمية، لكي نؤكد على الشباب الصغير والأجيال الجديدة أن مصر لديها جيش عنده عقيدة راسخة لا تتغير بتغير الجنود، وهو الأقوى في المنطقة بلا منازع، مشيرًا إلى أن الشباب لا بد أن يعلم هذه الحقيقة لأننا رأينا بأعيننا مدى الحكمة في القادة والعقيدة في الجنود.

-ما هو أفضل موقف مر على عليك في الحرب.. وشعرت حينها بقرب الانتصار

وتابع أن يوم حرب الاستنزاف وهو من أعظم اللحظات التي شعرت فيها بالفخر والعزة في عمري كله، وتحديدا يوم بناء حائط الصواريخ، مشيرا إلى أن إسرائيل قبل ذلك الوقت كانت تشعر وكأنها الجيش الوحيد الذي يملك أحدث أنواع الأسلحة، إلى أن تم استحداث صواريخ “سام 7″، وتم تدريبنا عليها، فكان كل عسكري يضع صاروخ على كتفه بدون حامل، وقمنا وقتها بإيقاع ما يقرب من 8 طائرات، سكاي هوك، مؤكدا أن إسرائيل عرفت وقتها أن هناك مصر، وأن القوات المسلحة لا يقف أمامها أي شيء.

تمويهات خداعية أربكت العدو

وأكد أن الرئيس السادات كان له الفضل في وضع عدة تمويهات جعلت العدو يُخرج الحرب عن دائرة اهتمامه، كان منها أنهم أصدروا لنا الأوامر أن نخلع ملابسنا ونقف على قناة السويس، وقام بإيفاد مجموعة من الضباط لأداء العمرة وهو على أعتاب الحرب، لكي يجعل العدو يبتعد عن التفكير في الحرب تماما، ثم بعد ذلك موعد الضربة الذي جاء مباغتا، حيث تمت الضربة في وضح النهار وقت صلاة الظهر، فكان هذا من أسباب النصر.

-احكِ لنا كيف كان أداء زملاءك الجنود في الحرب؟

وأوضح أن جميع الجنود في مختلف الكتائب كانوا على أهبة الاستعداد لكل السيناريوهات الممكنة، مؤكدا أنهم كانوا يتدربون كل يوم على أعلى مستوى وكأنهم سيحاربون في اليوم التالي، واستكمل قائلا: “لذلك كان يوم الحرب منذ بدايته ملييء بشعور الحماس وكأن الفرصة التي انتظرناها أتت، وكنا جميعا نكبر بأعلى صوت ونقول بسم الله، الله أكبر، وفي داخل المعركة كنا نحارب بكل شراسة، ورأينا بأعيننا مدى الخوف والانكسار في وجه العدو عند لقائنا به، حتى بعضهم تراجع عند مقابلتنا لوجه لوجه، لأنه رأى داخلنا بركان يغلي وصراخ يهتف بالتكبير، وكأن العالم كله لو اتحد علينا في هذا اليوم ما استطاع أن يهزمنا بأي حال من الأحوال”.

-صف لنا إحساسك بعد انتهاء الحرب، وهل شعرت أنك قدمت شيئا عظيما للوطن؟

وعن شعور النصر بعد مرارة الهزيمة قال: ”مرت سنوات كثيرة على نصر أكتوبر المجيد وكل يوم يمر عليّ، وكل عام في يوم الذكرى أشعر بمدى الفخر الاعتزاز إني قدمت لوطني هذا الانتصار العظيم، وما جعلي شعوري مختلف عن غيري أنني كنت كنت مجندا وقت النكسة، وظللت خمس سنوات أشعر بالعجز والضعف وأننا لا نقبل الهزيمة.

واستطرد: “كنت أدعو الله أن لا تنتهي خدمتي حتى يُكتب لنا النصر، فكان وعد الله ونصره حليف لنا واستطعنا أن نفكك كل خطط العدو، ولم يستطع أي تقدم في الأسلحة أن يقف أمامنا، والعقيدة التي عند الجندي المصري تجاه العدو إلى الآن لم تتغير، وإذا قدر الله لنا حربا جديدة فسنكرر مسيرة الانتصار بكل قوة.

خاتمة

يبقى نصر أكتوبر ذكرى عزيزة على كل مصري محب لبلده، يفرح لأمجادها وانتصاراتها، وينتظر هذه الأيام ليعتز ويفخر باستعادة أرض الفيروز إلى عرين الوطن، ويبقى هؤلاء الأبطال الذين شاركوا في الحرب وقدموا أرواحهم وكل ما يملكون في سبيل رفعة الوطن، نموذجا يحتذى به كل جندي مصري مخلص لبلده وجيشه، وهم من ذاكرة الوطن الذين يستحقون كل ثناء ومكرمة جزاء ما قدموه من إخلاص لوطنهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights