
أثارت خطة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإغلاق نحو 30 سفارة وقنصلية أميركية حول العالم، قلقًا واسعًا بين المراقبين، الذين رأوا في القرار مؤشرًا على تحوّل جذري في أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لصالح التراجع عن التزاماتها الدولية، وفتح المجال أمام خصومها الجيوسياسيين.
وتأتي هذه الخطوة ضمن توجه أوسع لتقليص ميزانية وزارة الخارجية بنسبة تصل إلى 50%، ضمن سياسة ترامب الرامية إلى “خفض حجم الحكومة الفيدرالية”، ما يشمل أيضًا تسريح دبلوماسيين ومحليين وإعادة تقييم البعثات الخارجية.

السفير يوسف زاده: قرارٌ يحمل أكثر من بعد
وفي تعليقه على هذه التطورات، قال السفير يوسف زاده، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وسفير مصر الأسبق في نيويورك، إن “الخطوة لا يمكن فصلها عن رؤية ترامب العامة التي تُعلي من المصالح المالية والاقتصادية على حساب الانخراط الدولي”.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ”اليوم”، أن إدارة ترمب “تسعى إلى إعادة رسم الدور الأميركي بما يتوافق مع منطق الربح والخسارة، حتى في ملفات الأمن القومي”.
وأكد زاده أن “القرار يُضعف من قدرة واشنطن على جمع المعلومات الاستخباراتية، ويقيد قدرة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) على العمل الميداني، خاصة في الدول التي تمثل نقاط ارتكاز استراتيجية في إفريقيا وآسيا”.

إفريقيا في مرمى التقليص
تشير الوثائق المسرّبة إلى أن قارات مثل إفريقيا ستكون الأكثر تضررًا من هذا التوجه، مع إغلاق سفارات أميركية في دول كجمهورية أفريقيا الوسطى، إريتريا، ليسوتو، غامبيا، والكونغو.
ويرى مراقبون أن هذا الانسحاب يُعد هدية سياسية واقتصادية لبكين، التي عززت من وجودها الدبلوماسي والاقتصادي في القارة السمراء عبر مشروع “الحزام والطريق”.
وحذر زاده من أن “الانسحاب الأميركي من بعض هذه الدول يعطي مساحة حيوية لقوى مثل الصين وروسيا لملء الفراغ، بما يغير من موازين النفوذ الدولي، ويحد من قدرة واشنطن على احتواء تمددهما”.
أوروبا أيضًا على قائمة التقليص
حتى أوروبا الغربية، الحليف التقليدي لواشنطن، لم تسلم من خطة الإغلاق، وتشمل القائمة سفارات في لوكسمبورغ ومالطا، وقنصليات في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، ما فُسّر على أنه رسالة واضحة من إدارة ترمب بعدم الرغبة في الحفاظ على تواجد كثيف حتى لدى الحلفاء التقليديين.
هل من مبرر اقتصادي؟
ترى إدارة ترمب أن هذا التوجه مبرر من الناحية الاقتصادية، في ظل تعهدات ترامب بخفض الإنفاق الفيدرالي، لكن السفير زاده يشير إلى أن “القرار يتجاوز الاعتبارات المالية ليصل إلى بُعد أيديولوجي أعمق، يعكس رغبة في تقليص الدور الأميركي في النظام الدولي متعدد الأطراف، والانسحاب من أعبائه”.
واعتبر زاده أن “هذه الخطوة توجه رسائل مزدوجة، فهي تعني للحلفاء أن الالتزام الأميركي لم يعد مضمونًا، وتفتح المجال للخصوم لإعادة تموضعهم في فراغ النفوذ الأميركي، ما قد يُفقد واشنطن الكثير من أدواتها الناعمة حول العالم”.