تقرير: سمر صفي الدين
تكشف التسريبات التي بثتها القناة 12 العبرية لرئيس الاستخبارات العسكرية السابق أهارون حاليفا، تفاصيل حساسة عن ليلة السابع من أكتوبر، حيث اعترف بمسؤوليته المباشرة عن الإخفاق.
وتؤكد الشهادة أن فشل إسرائيل لم يكن نتيجة خلل فردي أو تقصير عابر، بل حصيلة “مفهوم” أمني وسياسي عميق قاد إلى الكارثة.
ويرى المراسل العسكري في صحيفة “معاريف”، آفي أشكنازي، أن التسجيلات أصابت المجتمع الإسرائيلي “كلكمة في المعدة”، لأنها عرت الغطرسة والعمى الذي سبق الأحداث.

أهارون حاليفا
اعترافات صادمة
تشير التسجيلات إلى أن الجيش والشاباك والموساد كانوا جميعا أسرى فكرة أن حركة حماس “مردوعة”.
وتوضح تصريحات حاليفا أن إسرائيل، بدلاً من قراءة الواقع، ساهمت في تمويل تسليح الحركة، ما أدى لتحولها إلى “جيش إرهابي” منظم، على حد قوله.
كما يبرز في التسجيلات تحميل المستوى السياسي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مسؤولية فشل يوازي وربما يفوق إخفاق المؤسسة الأمنية، وهو ما وصفه أشكنازي بأنه “سلوك ضعيف لأشخاص جبناء”.
إرث الفشل المستمر
وفي السياق ذاته، اعتبر المراسل العسكري أن إسرائيل لم تتعلم شيئاً من إخفاق أكتوبر 1973، تماما كما لم تتعلم من كارثة أكتوبر 2023، حيث قاد الغرور السياسي والانفصال عن الواقع إلى الكارثة.
ويؤكد أن تسجيلات حاليفا تكشف عن “عما سياسي وعسكري”، وأن رفض الحكومة الاعتراف بالمسؤولية أو تشكيل لجنة تحقيق رسمية يزيد الانقسام الداخلي.
ويرى أن استمرار القيادة السياسية في الإنكار يخلق ما يشبه “أمر تفكيك” للدولة، مع تفكيك مؤسسات الجيش والقضاء والاستخبارات.
الشاباك خطط لاغتيال السنوار والضيف قبل 7 أكتوبر
خطط الشاباك السرية
وبالعودة للتسريبات، أوضح حاليفا أن الشاباك كان يخطط قبل السابع من أكتوبر لاغتيال قياديي حماس يحيى السنوار ومحمد الضيف، لكنه فشل في التنفيذ بسبب نقص المعلومات.
وتظهر الشهادة أن القيادة العسكرية كانت غارقة في أوهام السيطرة والاستخبارات المطلقة، حيث اعتقدت أن أي خطر كبير مستبعد.
كما يبرز في التسجيلات وصف حاليفا للمؤسسة الاستخبارية بأنها “عالم مجنون”، يعتمد على كم هائل من المعلومات الفردية التي تضلل أكثر مما تنذر.
وتكشف الشهادة أن تقديرات الشاباك ليلة السابع من أكتوبر تحدثت عن استمرار “الهدوء”، وهو ما عكس عمق الغطرسة والانفصال عن الواقع.

الإبادة في غزة
عقلية الإبادة
وعلاوة على ذلك، تسببت تصريحات حاليفا حول عدد القتلى في غزة بصدمة أوسع، حين قال إن “خمسين ألف قتيل فلسطيني أمر ضروري ومطلوب للأجيال القادمة”.
وتؤكد هذه العبارة أن قتل الفلسطينيين، بغض النظر عن كونهم أطفالا أو نساء، يمثل سياسة ممنهجة وليست مجرد نتيجة عرضية للحرب.
وفي هذا الصدد، اعتبرت حركة حماس أن هذه الاعترافات تمثل دليلا قاطعا على عقيدة الإبادة الجماعية التي تحكم سياسات إسرائيل، وتكشف الطبيعة “النازية” لكيان يفاخر بجرائمه علناً.
ودعت الحركة الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية لتوثيق هذه التصريحات واعتبارها دليلا على جرائم حرب مكتملة الأركان.

موقف حماس
أصدرت حركة المقاومة الفسطينية “حماس” بيانا شديد اللهجة، أدانت فيه بشدة تصريحات حاليفا المسربة، مؤكدة أنها تكشف “الوجه الإجرامي الحقيقي” للقيادة الإسرائيلية.
وأوضحت الحركة أن الاعتراف بأن قتل خمسين فلسطينيا مقابل كل إسرائيلي هو “سياسة معتمدة”. يثبت أن المذابح ليست نتيجة حرب بل قرار سياسي مسبق.
وطالبت حماس المجتمع الدولي بالتحرك العاجل ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على جرائمهم، مؤكدة أن هذه السياسة لن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني.
كما شدد البيان على أن الدم الفلسطيني أصبح في نظر الاحتلال وسيلة “تربوية” للأجيال الصهيونية، ما يعكس عقلية استعمارية إبادة.
قراءة الباحث زبيدة
وفي السياق ذاته، أكد الباحث الفلسطيني في الشؤون الأمنية والعسكرية رامي أبو زبيدة أن تصريحات حاليفا تمثل انعكاسا لعقلية سادية ترى في الدم الفلسطيني أداة “تربوية”.
ويشير في منشور عبر قناته الرسمية على تيلجرام، إلى أن هذه الذهنية ليست عسكرية أو أمنية بحتة. بل عقلية استعمارية تعتبر القتل الجماعي والنكبات الدورية جزءًا من إدارة الصراع.
ويضيف أن أخطر ما في هذا النهج هو إضفاء طابع “الضرورة” و”المشروع الأخلاقي” على المجازر، وكأنها رسالة حضارية للمجتمع الإسرائيلي.
ويرى أن الاحتلال يصر على سياسة الأرض المحروقة ومراكمة الدم كوسيلة وحيدة لتطويع شعب قرر أن يعيش بحرية وكرامة.

هرتسي هليفي، أهارون حاليفا، رونين بار، يؤاف غالانت، وبنيامين نتنياهو
معركة داخلية
لم تتوقف تداعيات التسريبات عند حدود النقاش الإعلامي، بل امتدت إلى الساحة السياسية الداخلية. فقد صرح زعيم المعارضة يائير لابيد بأن خمسة أشخاص كانوا في موقع القيادة يوم السابع من أكتوبر. وهم هرتسي هليفي، أهارون حاليفا، رونين بار، يؤاف غالانت، وبنيامين نتنياهو.
وأكد لابيد أن جميعهم استقالوا باستثناء نتنياهو، داعيًا إلى رحيله الفوري وإجراء انتخابات جديدة. باعتباره المسؤول المباشر عن الفشل.
ويرى مراقبون أن التسريبات ستزيد الضغوط على الحكومة. خاصة مع تصاعد المطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضٍ من المحكمة العليا.
ويعتبرون أن استمرار إنكار نتنياهو وحكومته مسؤوليتهم يعكس أزمة قيادة عميقة. ويهدد بتفكك الثقة بين المؤسسات السياسية والعسكرية والشعب.
أزمة القيادة
تبرز تسجيلات حاليفا كذلك انتقادات حاليفا للحكومة الإسرائيلية الحالية. حيث اعتبر أن الوزراء الجدد يفتقرون للخبرة والمعرفة الأمنية، ما فاقم الفشل.
وانتقد بشدة شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، واصفا توليهم مناصب حساسة بأنه “مهنة جادة” لا يفقهون فيها شيئا.
كما أوضح أن هؤلاء لم يسبق لهم أن أداروا نقاشات أمنية معمقة أو استوعبوا طبيعة التهديدات المعقدة التي تحيط بإسرائيل. وتكشف هذه الانتقادات عمق الانقسام داخل النخبة الإسرائيلية بين القيادات الأمنية والعسكرية من جهة، والسياسيين الشعبويين من جهة أخرى.




