
حوار: مروة محي الدين
“تنتهي تلك الحرب باستسلام إيران وتخليها عن برنامجها النووي”… طموح غربي جسده الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في بضع كلمات، ليبقى الطموح الإيراني بامتلاك سلاح نووي حجر زاوية في الصراع، الذي وصفه الدكتور “على عبد النبي”- نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقًا- في الجزء الأول من حواره لموقع “اليوم“ بأنه: “صراع أساسه مشكلة سياسية وليست نووية”.
وبناء على ذلك لم نغلق الحديث مع خبير الطاقة النووية، لنفتح معه الزوايا المخفية الأخرى، التي تأتي في السطور التالية:
تعطيل أم تدمير كامل

تقديرات الخبراء لما تفعله إسرائيل في إيران، نفت إمكانية تحطيم مشروعها النووي، حيث قال الأستاذ “أسامة حمدي”- الباحث المتخصص في الشأن الإيراني- في تصريح سابق لموقع اليوم: “لا تستطيع الولايات المتحدة وإسرائيل القضاء على برنامج إيران النووي بشكل كامل، ذلك أن المواقع النووية الإيرانية غير معروفة، حيث لا توجد لها خريطة أو معلومات استخبارية كاملة، ويقال إن بعضها تم إخفاؤه في أعماق الجبال، أي تم تصميمه وبناؤه أسفل الجبال، وما تمتلكه أمريكا وإسرائيل من قاذفات لا يمكنها تدمير تلك المنشآت، الموجودة على أعماق ضخمة جدا، وعليه هناك معوقات جغرافية لضرب المفاعلات النووية”.
وأضاف: “القضاء على القدرات النووية الإيرانية يتطلب دخول بري أو إنزال جوي، لتخريب تلك المنشآت بقوات من الداخل وهو أمر صعب للغاية بسبب قوة الجيش الإيراني”.
ومن هنا سألنا “عبد النبي” عن أثر الضربات الإسرائيلية للمنشآت النووية، فقال: “محاولة إسرائيل تدمير منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو هي: نوع من التعطيل، لأن كلمة السر في البرنامج الإيراني ليست الأجهزة والمعدات المشكلة، إنما في المعرفة الموجودة لدى العلماء الإيرانيين والقادة، ومن هنا يستطيعوا تعويض كل ما يتم تدميره وإنشاء غيره”.
- هل تراه تعطيل أم تدمير كامل؟
“هو تعطيل لكنه تعطيل كبير، حيث السماء الإيرانية أضحت ساحة مفتوحة أمام إسرائيل، ترتع فيها كما تريد فلا أنظمة الدفاع الجوي تصدها، ولا مقاتلات جوية تردها، ومن هنا تضرب المكان الذي تريد وقتما تريد”.
وأضاف: “لكنني أعيد المشكلة ليست في المعدات أو المنشآت، إنما في محو الكوادر البشرية في هذا المجال، إما باغتيالهم أو استقطابهم للولايات المتحدة وإسرائيل، فلا يكون لديهم علماء في هذا المجال، هذا ما يمكنه تدمير البرنامج النووي، لأن طالما وجدت العقول تستطيع إعادة بناء ما تهدم من جديد”.
ولكن الموجة الأولى من الهجوم الإسرائيلي قتلت عدد من أهم علماء الطاقة الذرية الإيرانيين، وربما مع استمرار العدوان استطاعت تدمير تلك العقول، أليس كذلك؟
أجاب مباشرة: “إيران لديها قاعدة كبير من العلماء النوويين المدربين على أعلى مستوى، ولا تقتصر على الثمانية علماء الذين اغتالهم الاحتلال، وهناك علماء آخرين في المستويات التالية لهم، وعليه المعرفة موجودة وقادرة على التعويض، ولو يستطيع الاحتلال قتل كل العلماء لفعل، وللأسف قتل العلماء والقادة كان خيبة إيرانية، حينما تجاهلت كل المؤشرات التي تؤكد دنو الضربة التي توقعها الجميع، وتم خداعها ببعض الأخبار الخفيفة التي أطلقها الإعلام العبري”.
قوة إيران النووية

السؤال الذي يبقى مطروحًا ويلح على الحديث في الأزمة الإيرانية، لاسيما مع تواتر الحديث بأن الهجوم الإسرائيلي عليها يؤكد عدم امتلاكها سلاح نووي، أين وصلت إيران في مستويات تخصيب اليورانيوم؟
أجاب “عبد النبي” على ذلك التساؤل، فقال: ما يشاع أنها وصلت إلى مستوى تخصيب يبلغ 60%، لكنني أود التوضيح أنها متى تخطت بمستوى تخصيب اليورانيوم نسبة 20%، تكون قد حلت جميع مشكلات التخصيب، إذ يصبح الوقت وحده هو ما يتبقى أمامها، فإن وصلت بالفعل إلى 60% فيمكنها الوصول بسهولة إلى 90%، إذ تعيد عملية التخصيب على النسبة الأولى فتخرج بنسب أعلى، وبإعادة الكرة تصل بسهولة لنسب التخصيب المرتفعة جدا”.
القرار السياسي الإيراني هو ما كان ينقص إيران لتصنيع القنبلة، فإن وجد القرار لا يحتاج الأمر أكثر من ساعتين لإتمام التصنيع، هكذا قال العالم النووي الذي اغتالته إسرائيل في الموجة الأولى للهجوم “فريدون عباسي”، في تسجيل مصور له انتشر عقب مقتله، وهو ما توافق مع آراء الخبراء في هذا الصدد، فكان السؤال المطروح:
- هل يفصل بين إيران وامتلاك القنبلة سويعات قليلة فعليًا؟
أجاب مرجحًا ذلك: “بالفعل يمكن أن يكون ذلك صحيحًا، حال كانت تمتلك مكونات القنابل ولكنها مفككة، فهي لا تحتاج أكثر من الوقت لتجميعها فتصبح قنبلة، والمرجح أن في الترسانة العسكرية الإيرانية قنابل مفككة، تكفي لتصنيع من خمس قنابل نووية إلى عشر خلال سويعات قليلة”.
- هل تكون لديها قدرة على عمل ذلك أثناء الحرب؟
الحرب لم تطل أماكن التخزين، حيث استهدفت الهجمات منشآت التصنيع، والأرجح أنها أماكن سرية لا يعرفها أحد، مثلها مثل تصنيع أي منتج حين تنتهي صناعته في خطوط إنتاج المصنع، ينقل المنتج إلى المخازن، وهذا هو حال المنشآت النووية الإيرانية ومنشآت الدول الأخرى، المفاعلات التي ضربتها إسرائيل هي مصانع الإنتاج وليست أماكن التخزين.
- إذًا أنت تؤيد ما يثار حول إخفاء أماكن التخزين في الجبال أو تحت الأرض، أليس كذلك؟
ليس بالضرورة أن تكون تحت الأرض، الموجود تحت الأرض فعلا هي مفاعلات التصنيع في فوردو ونطنز، إنما المخازن لا يعرف أماكنها سواء تحت الأرض أو فوقها، فمن يدري أن هذا المبنى أو ذلك الهنجر يحوي يورانيوم مخصب.
خطر الإشعاع

من المفترض أن يتم بناء مخازن المنتج النووي بشكل معين، وإجراءات احترازية تحسبًا لخطر الإشعاع ويتم حراستها بشكل معين، وبالتالي تكون معروفه أنها منطقة حساسة، أليس كذلك؟
“ليس ذلك بالضرورة يكفي تأمينها باعتبارها موقع عسكري عادي، ذلك أن الوقود النووي المخصب لا يصبح مشعًا إلا إذا تعرض لانشطار نووي، وذلك يتم داخل المفاعل أو لحظة الانفجار، إنما في حالة سكونه وتخزينه لا يكون مشعًا، بل يمكن لشخص عادي أن يضع يده عليه وهو يرتدي قفازاً خفيفًا دون أن يصاب بأذى، والأكثر من ذلك أن الوقود النووي الخام الجديد حين يدخل المفاعل يحركه العاملين بأيديهم دون ضرر”.
- متى يكون الوقود النووي خطرًا؟
“يصبح الوقود ضارا ومشعًا بعد تشغيل المفاعل، حين يحدث انشطار نووي في تفاعل متسلسل، حيث تكون النواة المنشطرة شديد الإشعاع، لدرجة أن من يقف أمام الوقود بعد حدوث التشعيع على بعد متر كامل يموت، وبدون ذلك التفاعل المتسلسل لا يكون الوقود مؤثرًا”.
- هل ينطبق ذلك على الوقود المخصب بنسب عالية؟
“بالطبع، ينطبق على الوقود المخصب بنسب تعلو عن 60% أو 90% أو حتى 100%، إذ أن ذلك يعني وجود يورانيوم 235 بنسبة 90% من الوزن الكلي، فالفرق بينهم يكون في النتيجة النهائية، حيث نتيجة اليورانيوم 235 تكون في حجم ورقة جريدة أو دفتر أو في حجم غلاف جلد”.
ضربة قاصمة

على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها طهران، أصر “عبد النبي” في حديثه على أن المشكلة سياسية، وأنه ما لم يتم إسقاط نظام الملالي، لن تكون إسرائيل قد حققت نصرًا، وذلك دون أن تكون المنشآت النووية أمرًا فارقًا، وعليه تابعنا سؤاله عن أثر الضربات…
- متى نقول أن إيران تلقت ضربة قاصمة لن تقوم بعدها؟
“إذا تمكنت إسرائيل والولايات المتحدة من حصد رؤوس القيادة السياسية جميعها، وعلمائها النوويين، هنا ستصبح المنشآت السياسية ومقدرات البلاد تحت يدها، وتفعل فيها ما يحلو لها”.
تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحدثت عن وجود تسرب إشعاعي في منشأة نطنز، فما رأيك في ذلك؟
” ليس هناك أي مشكلة في ذلك، فالمواد الموجودة في نطنز وفورد لا تمثل خطرا طالما لم يحدث لها انشطار، حيث تكون قدرتها الإشعاعية ضعيفة، وإنما مشكلتها الحقيقية تتلخص في أنها مواد سامة، بمعنى مساس الحيوان أو الإنسان بها أو استنشاقه لها قد يضره بشكل بالغ”.
- متى يرتفع خطر الإشعاع من ضرب تلك المفاعلات؟
“إذا تم ضرب مفاعل بوشهر، الذي يحتوي مخلفات الوقود النووي المحترقة، التي جرى عليها تفاعلات جعلتها شديدة الإشعاعية، وهي مواد تختلف تماما عن تلك الموجودة في نطنز وفوردو”.
خسائر البرنامج النووي

- ماذا تفعل السلطات الإيرانية لتجنب خسارة برنامجها النووي؟
“لابد أن تحالفها دول أخرى قوية، وتقدم لها المساعدة، لأنها لن تتمكن من الوقوف بمفردها أمام التغول الأمريكي، فهي تحتاج لمقاتلات جوية وصواريخ مطورة وأنظمة دفاع جوي قوية، وذلك لن يتوفر بالشكل اللازم دون مساعدة دول أخرى لها، لأن الحقيقة هي أن إيران تحارب أمريكا، ومن تاريخنا المعاصر عام 1973 كان أكثر من فهم تلك المعادلة هو الرئيس الراحل أنور السادات، وقال حينها: نحن نحارب أمريكا، ومن هنا تحارب طهران القوة العظمى في العالم، ولن تخرج من ذلك المأزق دون مساعدة دول أخرى مثل: روسيا والصين وباكستان”.
- كم من الوقت تحتاج إيران لتعويض خسائر برنامجها النووي؟
“تعويض الخسائر يكون وفقًا لتقدير حجم الأضرار، فثمة خسائر تعوض في عامين أو ثلاثة، وأخرى يحتاج تعويضها إلى 10 أعوام”.
مخاطر التسريب النووي

- حال أقدمت إسرائيل على ضرب مفاعل بوشهر، أين يصل خطر التسرب الإشعاعي؟
“الخطر سيكون على دول الجوار في الخليج العربي مثل: العراق وقطر والبحرين والإمارات، وذلك لن يكون إلا بحادثة مثل فوكوشيما باليابان عام 2011 أو تشيرنوبل عام 1986، فسيكون ذلك كارثة على دول الخليج ودوّل الجوار تحديدا، التي ستكون الأكثر تضررًا”.
- وهل ثمة خطر قد يطال مصر؟
“الحمد لله ليس هناك خطر على مصر، لأن المسافة بيننا وبينهم تزيد على 2000كم، ومن هنا فهي آمنة بنسبة 100% من أي تسرب نووي، وإنما الخطر الحقيقي لو أقدمت إيران على ضرب مفاعل ديمونة في صحراء النقب، لأنه على بعد 200كم فقط منا، فإن حدثت فيه حادثة مثل تشيرنوبل أو فوكوشيما يكون هناك خطر على بعض مناطق سيناء، وذلك أيضا يتوقف على سرعة واتجاه الريح، الذي قد يصل بالتسريبات النووية في اتجاهات بعيدة عن مصر”.
وهكذا اختتم الخبير النووي حديثه معنا برسالة طمأنة تحمل الحذر، حيث تحدث عن المخاطر، وعدد أنواعها ومواطن الخوف منها، إذ يبقى الخطر على إيران، من تغول العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة.



