
تصدّر لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بنظيره الأمريكي دونالد ترامب العناوين السياسية في الشرق الأوسط، حيث أن الشرع أول رئيس سوري يلتقي رئيساً أمريكياً منذ لقاء الرئيس الأسبق حافظ الأسد ببيل كلينتون في جنيف عام 2000، ولا سيما وأنه جرى على هامش القمة الخليجية–الأميركية في الرياض، وبحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
اللقاء الذي وصفه ترامب بـ”الجيد جدًا” واعتبر فيه الشرع “رجلًا قويًا”، تزامن مع إعلان الإدارة الأمريكية عن رفع جزئي للعقوبات المفروضة على سوريا، وهو ما اعتُبر أول اختراق حقيقي في جدار العزلة الدولية التي فرضت على دمشق منذ اندلاع الحرب عام 2011.
هذه الخطوة أثارت موجة من الترقب في الأوساط السياسية والاقتصادية، خصوصًا لدى الدول الخليجية والأوروبية التي أبدت اهتمامًا مبكرًا بالاستثمار في إعادة الإعمار السوري، لكنها اصطدمت طويلًا بجدار العقوبات الأمريكية.
لفهم دلالات هذا التحول، وأثره المرتقب على المشهد السوري والإقليمي، توجهنا بهذه الأسئلة إلى الكاتب الصحفي السوري، عمار جلو، الذي قدم رؤية تحليلية متكاملة لما يمكن أن يحمله القرار الأمريكي من فرص وتحديات.
نقطة تحول
اعتبر الكاتب الصحفي السوري عمار جلو أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا، عقب لقائه نظيره السوري أحمد الشرع في الرياض، يشكل “نقطة تحول استراتيجية” في خريطة الإقليم، ويفتح الباب أمام استثمارات واسعة النطاق، لكنها مشروطة بإصلاحات سياسية وقانونية وأمنية داخلية.
وقال جلو في تصريحات خاصة لموقع”اليوم”، إن لقاء الشرع وترامب بوجود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يمثل “بداية ولادة سياسية جديدة للمنطقة، حيث أصبحت دول الإقليم تحدد مسار السياسة الأمريكية، لا العكس”، مضيفًا أن “هذا اللقاء يبعث برسائل صريحة لإيران وإسرائيل بأن مشاريع التوسع الإقليمي لم تعد مقبولة لا أمريكيًا ولا عربيًا”.
“قيصر” يحتاج إلى الكونغرس
وحول تفاصيل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، أوضح جلو أن أبرزها ثلاث حزم أساسية:
- عقوبات عام 1979 التي صنفت سوريا كدولة راعية للإرهاب.
- قانون محاسبة سوريا 2004-2005.
- قانون قيصر (2019)، الذي وصفه بأنه “الأكثر شمولًا وتعقيدًا”، إذ لا يقتصر على الدولة السورية، بل يطاول أيضًا أي دولة أو شركة تتعامل معها.
وأشار إلى أن “رفع هذه العقوبات نهائيًا يتطلب إجراءات تشريعية، خاصة تلك المفروضة بموجب قوانين أقرها الكونغرس، مثل قيصر”، لكنه أكد في الوقت نفسه أن الإدارة الأميركية تملك صلاحيات واسعة لتعليق بعض العقوبات أو منح استثناءات تنفيذية. حيث قال:”نطاق رفع العقوبات قد يكون واسعًا، ولو لم يكن رفعًا نهائيًا، بل تعليق أو استثناءات، وهو المسار المرجح إلى حين استكمال الإجراءات القانونية وتقديم الإدارة تقارير للكونغرس عن تغيّر سلوك الحكومة السورية”.
اقرأ أيضًا:: ثلاثة شروط وسيناريوهان.. سوريا تترقب سقوط قيصر الأمريكي
الخليج وتركيا أول الواصلين
ورأى جلو أن قرار تخفيف العقوبات سيفتح الأبواب أمام استثمارات إقليمية ودولية كبرى، في مقدمتها الخليج وتركيا، قائلًا:
“أتوقع دخول استثمارات خليجية مباشرة أو عبر شركات تركية، إلى جانب استثمارات أوروبية، كما في حالة العقد الفرنسي الأخير لتطوير ميناء اللاذقية”.
وأشار إلى وجود استعدادات مبكرة من بعض الدول العربية، مثل مبادرة مصر والأردن لتوريد الغاز والكهرباء للبنان عبر سوريا، والتي طُرحت على الإدارة الأميركية منذ سنوات.
لكن جلو حذر من أن “البيئة الاستثمارية لا تكفي وحدها”، مؤكدًا أن البيئة الأمنية والقانونية والسياسية تشكل الشرط الأول. وقال: “يجب على الحكومة السورية ضبط السلاح الخارج عن سلطة الدولة، والإسراع في تشكيل البرلمان وإعادة هيكلة القضاء، واستكمال خطوات استعادة السيادة على كامل الأراضي السورية”.
قطاعات مرشحة للانتعاش
ورجّح جلو أن يترك رفع العقوبات أثرًا سريعًا على الاقتصاد السوري، خاصة في القطاعات التالية:
- النفط والغاز والطاقة
- البناء والعقارات
- الموانئ والبنية التحتية
- الصحة والتعليم
وأضاف: “التحسن في سعر صرف الليرة السورية بعد إعلان رفع العقوبات مؤشر مباشر على الأثر الاقتصادي. الاستيراد والتصدير دون عوائق سيخفف التكاليف ويعيد تنشيط التجارة والزراعة والمشاريع الصغيرة”.
المنطقة تعيد رسم المشهد
وفي ختام حديثه، شدد عمار جلو على أن اللقاء بين الشرع وترامب يحمل رمزية أبعد من مجرد خطوة دبلوماسية، قائلًا:
“نحن أمام تحوّل عميق. شخصيات ودول كانت على طرفي نقيض باتت قادرة على التفاهم. المنطقة تعيد رسم مشهدها السياسي، وتدفع واشنطن إلى التفاعل معها على هذا الأساس”.
واعتبر أن “المرحلة المقبلة قد تشهد انفتاحًا غير مسبوق في علاقات سوريا مع محيطها، ما لم تُقابل بخطوات معرقِلة من أطراف خارجية تسعى للحفاظ على حالة الاستنزاف المستمرة منذ 2011”.