عرب-وعالم

نتنياهو والحرب الدائمة.. هل يستخدم غزة للبقاء في السلطة؟

في تطور خطير، استأنفت إسرائيل فجر اليوم، 18 مارس، هجماتها العنيفة على قطاع غزة، مستهدفة مراكز الإيواء وخيام النازحين في قصف مكثف أوقع حتى الآن 419 شهيدًا و528 جريحًا، وفقًا لمصادر طبية فلسطينية.

وجاءت هذه الهجمات في وقت السحور، بالتزامن مع وجود وفود تفاوضية إسرائيلية في القاهرة والدوحة، ما أثار تساؤلات حول نوايا الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو وخلفيات هذا التصعيد.

للوقوف على أبعاد هذا التصعيد، نستعرض تحليل اللواء محمد عبد الواحد، المستشار في الأمن القومي والعلاقات الدولية، الذي يوضح السياقات السياسية والعسكرية لعودة الحرب على غزة.

 هل خدعت إسرائيل الوسطاء؟

بحسب اللواء عبد الواحد، فإن إسرائيل استخدمت تكتيكًا مخادعًا عبر إرسال وفود تفاوضية إلى القاهرة والدوحة، بينما كانت تخطط فعليًا لاستئناف الحرب.

هذا الأسلوب ليس جديدًا في السياسة الإسرائيلية، لكنه يعكس فقدان الثقة بين إسرائيل والوسطاء، ما قد يؤدي إلى تراجع الدور العربي في إدارة الأزمة.

وأضاف اللواء عبد الواحد في تصريحات خاصة لـ”اليوم”: “نتنياهو لا يريد تسوية سياسية، بل يفضل المقاربات العسكرية. لا يهتم بمشكلة الأسرى الإسرائيليين، وطالما أن اليمين المتطرف لديه أجندة دينية توسعية، فإن التصعيد العسكري سيبقى أداة لتحقيق هذه الأجندة، حتى لو كان الثمن سقوط مئات الأبرياء.”

ازدواجية الخطاب الدولي: “العنف والعنف المضاد”

تساءل كثيرون عن سبب تبني بعض الوسطاء العرب والدوليين لغة محايدة تتحدث عن “العنف والعنف المضاد”، رغم أن العدوان بدأ من الجانب الإسرائيلي بعد التزام الفصائل الفلسطينية باتفاق التهدئة.

ويرى اللواء عبد الواحد أن هذا الخطاب ليس سوى محاولة للإبقاء على قنوات التواصل الدبلوماسي مفتوحة مع جميع الأطراف، لكنه يضر بالمصداقية الدولية، حيث إنه يساوي بين المعتدي والضحية.

وزاد بالقول: “هذا الخطاب يعكس خللًا في موازين القوى، حيث يتم تحميل حماس مسؤولية خرق لم ترتكبه، بينما تُبرر إسرائيل عدوانها بدعوى الدفاع عن النفس.”

هل يستخدم نتنياهو الحرب للهروب من أزماته الداخلية؟

يواجه نتنياهو أزمات سياسية وقضائية متفاقمة، بما في ذلك:

  • صراعات داخلية مع جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، حيث يتهم مسؤوليه بتهديده بكشف ملفات فساد تتعلق بمكتبه.
  • صدام مع المستشارة القضائية لحكومته بشأن قضايا الفساد الموجهة إليه.
  • أزمة الموازنة الإسرائيلية، التي قد تؤدي إلى سقوط حكومته تلقائيًا إذا لم يتم تمريرها بحلول نهاية مارس.

ويؤكد اللواء عبد الواحد أن نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب كوسيلة لصرف الأنظار عن هذه الأزمات، مضيفًا: “إذا استطاع تحقيق نصر عسكري، حتى لو كان محدودًا، فقد يستغله لإعادة تلميع صورته أمام الداخل الإسرائيلي.”

 نحو نظام ديكتاتوري قائم على الحرب؟

يرى المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هاريل أن نتنياهو قد يكون متجهًا نحو “حالة حرب دائمة” لضمان بقائه في السلطة، حيث كتب: “من الواضح أن الهدف الحقيقي لنتنياهو هو الحفاظ على حالة حرب مستمرة تتيح له السيطرة على المشهد السياسي الإسرائيلي، مما يقوده تدريجيًا نحو نظام ذي سمات ديكتاتورية.”

اللواء عبد الواحد يوافق على هذا التحليل، مشيرًا إلى أن إبقاء إسرائيل في حالة مواجهة مستمرة يخدم مصلحة نتنياهو، إذ يُضعف المعارضة ويمنع إجراء أي انتخابات مبكرة قد تؤدي إلى الإطاحة به.

 دور إدارة ترامب: ضوء أخضر أم قيادة مباشرة للحرب؟

أثيرت تساؤلات حول مدى تورط الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب في هذا التصعيد، خاصة بعد تصريحات منسوبة لمسؤولة في البيت الأبيض تؤكد أن واشنطن كانت على علم مسبق بساعة الصفر للهجوم الإسرائيلي.

يقول اللواء عبد الواحد: “لا يمكن لأي عملية عسكرية إسرائيلية بهذا الحجم أن تتم دون موافقة أمريكية. ترامب ليس مجرد داعم للحرب، بل هو طرف فاعل فيها، هو من رفع العقوبات عن المستوطنين، وتسريع إرسال الأسلحة لإسرائيل، وبالإضافة إلى تصريحاته حول تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” تكشف أنه يسعى إلى تغيير خريطة المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية.”

وأضاف الخبير الأمني: “تهديد ترامب بجعل المنطقة “جحيمًا” إذا لم تُطلق المقاومة الأسرى الإسرائيليين يعكس مدى تبنيه لمواقف أكثر تطرفًا من نتنياهو نفسه.”

اقرأ أيضًا: مقترح جديد من ترامب لتهجير الغزيين.. ودول أفريقية ترفض

ماذا بعد؟ مستقبل الحرب والمفاوضات

يؤكد اللواء عبد الواحد أن الحرب لن تتوقف قريبًا، إذ أن أهداف إسرائيل تتجاوز مسألة الأسرى أو الردع العسكري، وتشمل:

  • إعادة رسم خارطة غزة عبر تدمير بنيتها التحتية وفرض واقع جغرافي جديد.
  • إضعاف المقاومة الفلسطينية ومنعها من تحقيق مكاسب سياسية.
  • إرسال رسالة ردع إلى المنطقة، خاصة للدول التي تدعم القضية الفلسطينية.

لكن، بحسب اللواء عبد الواحد، فإن المقاومة الفلسطينية تدرك هذه الأهداف، وتملك أوراق تفاوضية قوية، مما قد يجعل إسرائيل في مأزق استراتيجي كلما طال أمد القتال.

ويتابع الخبير الأمني: “حتى لو سلمت حماس جميع الأسرى، لن تتوقف الحرب. هناك أهداف إسرائيلية أكبر، وترامب ونتنياهو يسعيان لتحقيقها بأي ثمن.”

حرب إبادة بغطاء سياسي

استئناف إسرائيل لحرب الإبادة ضد غزة، في وقت مفترض أن تكون فيه المفاوضات جارية، يثبت أنها لم تكن جادة في السعي نحو تهدئة طويلة الأمد.

وفي ظل الدعم الأمريكي، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع المقاومة الفلسطينية قلب المعادلة وفرض شروطها، أم أن المنطقة مقبلة على تصعيد أشد دموية؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights