بروباجاندا السلام.. كيف أقنع ترامب نتنياهو بالموافقة على الصفقة؟

على مدار الأشهر الماضية، ظل اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية حماس مطروحاً على الطاولة دون تقدم يُذكر، رغم اشتداد القتال وتزايد الخسائر على الجانبين.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقته على الصفقة، وهذا التحول أثار تساؤلات كثيرة حول دوافعه الحقيقية، خاصة أن الاتفاقية لم تتغير كثيراً عن النسخة الأولية التي رُفضت.
في هذا السياق، يستعرض موقع “اليوم” الأسباب التي دفعت نتنياهو للموافقة في هذا التوقيت، كما نرصد دور الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في عملية إتمام الصفقة.
ترامب وحلم جائزة نوبل
يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، محمد جمال عرفة، أن موافقة نتنياهو في هذا التوقيت جاءت تحت ضغوط مباشرة من الرئيس الأميركي ترامب.
وأوضح عرفة أن ترامب أرسل مبعوثه الشخصي، رجل الأعمال ستيفن ويتكوف، إلى نتنياهو ليبلغه بضرورة قبول الصفقة فوراً، مشيراً إلى أن ويتكوف أظهر إصراراً شديداً حينما طلب لقاء نتنياهو يوم السبت، رغم قدسية هذا اليوم عند اليهود.
وتابع عرفة من خلال منشور على صفحتة الشخصية عبر “فيس بوك”، أن رفض مكتب نتنياهو لموعد الاجتماع قوبل بحدة من ويتكوف الذي قال بوضوح: “لا يهمني إذا كان اليوم مقدساً أم لا”.
وأضاف الصحفي أن ترامب لم يتدخل بدافع الحرص على الفلسطينيين، بل لتحقيق مصالحه الشخصية والسياسية. وأشار إلى أن ترامب يسعى بشدة للفوز بجائزة نوبل للسلام، ورأى في هذه الصفقة فرصة لتعزيز صورته كصانع للسلام، خاصة بعد فشله في تحقيق ذلك خلال ولايته السابقة.
توسيع اتفاقيات إبراهام
كما تابع أن ترامب يعتبر الاتفاقية وسيلة لدفع السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل، وهو ما عبر عنه صراحة حين قال إن وقف إطلاق النار في غزة سيكون “قوة دافعة لتوسيع اتفاقيات إبراهيم”.
وفيما يتعلق بالدوافع الاقتصادية، أضاف عرفة أن ترامب كان يسعى لتخفيف العبء المالي الذي تكبدته الولايات المتحدة لدعم إسرائيل خلال الحرب.
وأوضح أن التقديرات تشير إلى إنفاق أميركا حوالي 28 مليار دولار خلال عشرة أشهر فقط على الأسلحة والمساعدات العسكرية لإسرائيل.
- اقرأ أيضًا عن خسائر أمريكا من حرائق الغابات::حرائق لوس أنجلوس تلتهم ما يعادل مساحة باريس
على الجانب الداخلي، أشار عرفة إلى أن الضغوط التي واجهها نتنياهو من عائلات الأسرى الإسرائيليين ومن الإعلام المحلي لعبت دوراً كبيراً في دفعه للموافقة. لكنه أكد أن نتنياهو اضطر للتعامل بحذر لتجنب إثارة غضب اليمين المتطرف، الذي وصف الصفقة بأنها “استسلام”.
تغير موازين القوى
ومن جانبه، أوضح اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في العلاقات الدولية وشؤون الأمن القومي، أن إسرائيل لم تكن لتوافق على الصفقة لولا الضغوط الأميركية المتزايدة والتغييرات في موازين القوى على الأرض.
وأشار في تصريحات خاصة لـ”اليوم” إلى أن مشاركة مبعوث ترامب ويتكوف إلى جانب ممثلين عن إدارة بايدن في المفاوضات الأخيرة في الدوحة، أظهرت جدية أميركية غير مسبوقة لإنجاح الصفقة.
وأضاف اللواء عبد الواحد أن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين كان الهدف الأول لإسرائيل، لكنه كان مشروطاً بوقف إطلاق النار ودخول المساعدات إلى غزة، وهو ما حاولت إسرائيل تجنبه لفترة طويلة.
وتابع أن الحكومة الإسرائيلية وجدت نفسها في موقف محرج داخلياً، حيث اتهمتها عائلات الأسرى بعدم الاكتراث بمصير أبنائهم، مما زاد الضغط على نتنياهو للموافقة.
وأشار اللواء إلى أن إسرائيل سعت للحصول على مكاسب إضافية من الصفقة، مثل دعم أميركي لتوسيع التطبيع مع دول عربية جديدة، وتعزيز التعاون العسكري في مواجهة إيران.
لكنه أضاف أن نتنياهو حاول إدراج بنود تمنحه مرونة مستقبلية، مثل حق إسرائيل في شن ضربات عسكرية محدودة على غزة بحجة “الدفاع عن النفس”، وهو ما يعكس استراتيجية إسرائيلية معتادة لتفادي الالتزام الكامل بأي اتفاق.
المقاومة تفرض واقعاً جديداً
أكد اللواء محمد عبد الواحد أن المقاومة الفلسطينية فرضت واقعاً جديداً على إسرائيل، بعدما أثبتت قدرتها على الصمود في وجه العمليات العسكرية، مما أحبط محاولات نتنياهو لتحقيق “النصر المطلق”.
وأوضح أن حماس نجحت في فرض شروطها، مجبرة إسرائيل على القبول بالتفاوض كطرف مكافئ، وهو ما شكل انتكاسة لنهج الهيمنة الإسرائيلية.
وأشار اللواء إلى أن نتنياهو فشل في تحقيق أي انتصار عسكري حاسم يمكنه من فرض شروطه أو الإفراج عن الأسرى بالقوة، كما لم يتمكن من القضاء على البنية التحتية للمقاومة أو إنهاء وجودها السياسي.
وأضاف أن ما تروج له إسرائيل كـ”انتصارات” يقتصر على تدمير البنية التحتية وقتل عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف من السكان، وهي “مكاسب غير إنسانية” ستظل وصمة عار في تاريخ حكومة نتنياهو.
وفي النهاية؛ تُظهر موافقة نتنياهو على الصفقة الآن مزيجاً معقداً من الضغوط الخارجية والداخلية، إضافة إلى تغيرات الواقع العسكري والسياسي.
ورغم أن الصفقة نفسها لم تتغير كثيراً منذ ستة أشهر، إلا أن التدخل الأميركي بقيادة ترامب والإصرار الفلسطيني في الميدان فرضا على إسرائيل القبول بها.
ومع ذلك، فإن طريقة تنفيذ الصفقة والالتزام بشروطها قد تظل موضع خلاف في المستقبل، ما يعكس هشاشة التفاهمات الحالية وطبيعة الصراع المستمرة.