زيارة نتنياهو إلى واشنطن.. تحشيد غير مسبوق وتلميحات مفتوحة لضرب إيران

وسط تصاعد غير مسبوق في وتيرة التحركات العسكرية والدبلوماسية، وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في زيارة توصف بأنها “حاسمة”، ليس فقط في سياق العلاقات الثنائية، بل في إطار المواجهة المفتوحة مع إيران، التي تزداد احتمالات تحوّلها إلى صدام عسكري واسع النطاق.
بطاريات “ثاد” تصل تباعاً
في خطوة لافتة، نقلت الولايات المتحدة بطارية ثانية من نظام الدفاع الجوي “ثاد” إلى إسرائيل، بحسب ما أفاد موقع “تايمز أوف إسرائيل”، مشيرًا إلى هبوط طائرة أميركية عملاقة من طراز C-5M Super Galaxy في قاعدة “نفتيم” الجوية جنوب البلاد، حيث مكثت لنحو ثماني ساعات قبل أن تقلع مجددًا.
والتحرك يأتي بالتزامن مع استمرار نقل بطاريات “باتريوت” ومعدات دعم إلى قواعد أميركية في الشرق الأوسط، في مشهد يعكس حالة تأهب قصوى.
ويُذكر أن أول بطارية “ثاد” نُقلت العام الماضي لاعتراض صواريخ الحوثيين، لكن إرسال الثانية الآن يعكس مخاوف من تهديد أكبر قد يصدر من إيران مباشرة، أو من وكلائها في المنطقة مثل “حزب الله” و”الحشد الشعبي” و”أنصار الله”.
إيران: مستعدون للحرب.. لكن لا نريدها
في طهران، تصاعدت التصريحات التي تعكس الجهوزية للرد العسكري، حيث قال قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي إن “العدو في مرمى نيراننا أينما كان”، مؤكدًا أن بلاده لن تبدأ الحرب لكنها مستعدة لأي نوع من المواجهة.
فيما اعتبر رئيس الأركان الإيراني محمد باقري أن بلاده “لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، لكنها سترد بكل قوتها على أي عدوان خارجي”.
من جهته، أكد المرشد الأعلى علي خامنئي رفضه التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، مع إبقاء الباب مواربًا أمام قنوات غير مباشرة، مشددًا على “التكافؤ” كشرط أساسي لأي حوار.
ترامب مهوس بإسرائيل
قال اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في شؤون الأمن القومي والعلاقات الدولية، إن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن تأتي في توقيت بالغ الحساسية، وتكشف عن أبعاد استراتيجية تتجاوز مجرد التنسيق السياسي بين الجانبين، مشيراً إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تمثل مكسباً كبيراً لإسرائيل، لما يتمتع به من انحياز واضح وغير مسبوق لصالحها، سواء بدوافع أيديولوجية أو دينية.
واعتبر اللواء عبد الواحد، في تصريحات خاصة لـ”اليوم”، أن ترامب، الذي وصفه بأنه “مهووس بإسرائيل”، ينظر إليها من منظور ديني يضفي طابعاً تقديسياً على علاقتها بالولايات المتحدة، الأمر الذي انعكس بوضوح في قرارات إدارته السابقة، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى تسهيل موجة التطبيع مع دول عربية.
ولفت إلى أن نتنياهو يسعى في زيارته الحالية إلى تثبيت ما يسميه بـ”الحصانة الأمريكية”، في ظل ما يُحضر له في قطاع غزة من عمليات تهجير ممنهجة تضع إسرائيل في مواجهة مع القانون الدولي.
وفي السياق ذاته، رأى اللواء عبد الواحد أن نتنياهو يعمل على تأمين الغطاء الأمريكي لأي عملية عسكرية محتملة ضد إيران، مستبعداً أن تقدم إسرائيل على خطوة كهذه دون تنسيق كامل مع واشنطن.
وأشار إلى أن الدعم الأمريكي لا يتوقف عند التصريحات السياسية، بل يمتد إلى تحركات عسكرية ميدانية، مثل نقل بطاريات “ثاد” الدفاعية إلى إسرائيل، في ما اعتبره دليلاً على استعداد ميداني لسيناريو مواجهة محتملة، وإن كانت واشنطن حريصة – حسب قوله – على تجنب الدخول المباشر في أي حرب مع إيران.
الدبلوماسية القهرية
وأضاف اللواء عبد الواحد أن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة تتسم بما سماه “الدبلوماسية القهرية”، وهي قائمة على نشر القوة لردع الخصوم وفرض توازنات تمنع حسم الصراعات، وهو ما ظهر منذ اليوم الأول لحرب غزة، عبر تحشيد غير مسبوق للأساطيل والقواعد والمعدات العسكرية.
واعتبر أن هذا النهج يهدف إلى شل التحركات الإقليمية ضد إسرائيل، وتفتيت أي موقف عربي موحد.
وعن تصريحات إيران الأخيرة بشأن امتلاكها قدرات غير مستخدمة وجاهزية جبهة المقاومة، شكك عبد الواحد في فاعلية هذه التهديدات، واصفاً إياها بأنها موجهة للاستهلاك المحلي وتهدف لرفع معنويات الداخل الإيراني.
ولفت إلى أن الواقع على الأرض يشير إلى خسائر فادحة لحزب الله في لبنان، وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا، وتعرض الحوثيين لضربات قوية في اليمن.
وأكد أن الولايات المتحدة تعرف تفاصيل تموضع الحشد الشعبي في العراق بدقة، ما يجعل أي تحرك من قبل هذه الأذرع مكشوفاً ومحدود التأثير.
وفي ختام حديثه، شدد اللواء عبد الواحد على أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى القضاء على إيران، بل إلى استخدامها كأداة لإبقاء المنطقة في حالة صراع دائم، ضمن استراتيجية “إدارة الأزمات” وليس حلها، بما يضمن استمرار النفوذ الأمريكي ومنع تشكل قوة إقليمية مهيمنة من أي طرف آخر.
نتنياهو في واشنطن: تكتيك التخريب وجني الثمار
مصادر مطلعة كشفت أن نتنياهو لا يذهب إلى واشنطن لمجرد التنسيق، بل لحث إدارة ترامب على الانتقال من استراتيجية الضغط الاقتصادي إلى مرحلة توجيه “ضربة مركزة” ضد منشآت إيران النووية.
وتشير تسريبات إلى أن إسرائيل، عبر وحدات استخباراتها، تمكنت خلال الأشهر الماضية من تنفيذ سلسلة عمليات تخريبية داخل إيران، مستهدفة مواقع نووية ومراكز أبحاث حساسة، ضمن تكتيك “استنزاف العدو دون حرب شاملة”.
وتقول المصادر إن الزيارة الحالية قد تكون بمثابة لحظة “قطف الثمار”، في ظل تزايد الاقتناع داخل البيت الأبيض بأن الوقت ينفد أمام الجهود الدبلوماسية.
مواجهة مفتوحة الخيارات
مراقبون يرون أن زيارة نتنياهو تحمل أكثر من بعد رمزي، إذ تأتي في وقت تعاني فيه إسرائيل من عزلة دبلوماسية متزايدة في الغرب، وتحاول مواجهة تصعيد المقاومة في غزة، والتحديات القضائية الداخلية.
وتمنحه هذه الزيارة فرصة لإظهار أنه لا يزال لاعبًا دوليًا فاعلًا، وأن التحالف مع ترامب لم يفقد بريقه.
لكن في الجانب الآخر، فإن التصعيد المتبادل واللغة النارية المستخدمة من قادة إيران، يقابلها انخراط أميركي عسكري واضح في المنطقة، مما يجعل هامش الخطأ أضيق من أي وقت مضى.
وكما قال أحد المحللين العسكريين: “إذا أخطأ أحد الأطراف في الحسابات، فإن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة كسر العظم، وقد تبدأ الحرب من ضربة محدودة وتنتهي بكارثة إقليمية”.