الأزهر يتحول رقميًا.. إطلاق منظومة إلكترونية شاملة لإدارة الابتعاث

في خطوة جديدة تعكس التوجه الاستراتيجي للدولة المصرية نحو الرقمنة الشاملة، وتماشيًا مع أهداف رؤية مصر 2030، أعلن مجمع البحوث الإسلامية عن الانتهاء من إعداد برنامج إلكتروني متكامل لتطوير منظومة الابتعاث بالأزهر الشريف.
ويأتي هذا الإنجاز ضمن حزمة من التحديثات التي يشرف عليها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتنفيذ مباشر من فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر.
البرنامج الجديد لا يقتصر على حفظ البيانات فحسب، بل يمثل نقلة نوعية في طريقة إدارة منظومة الابتعاث التي تعتبر أحد الأعمدة الأساسية لدور الأزهر العالمي في نشر وسطية الإسلام وتعزيز التواصل الحضاري بين الشعوب.
رقمنة متكاملة للبيانات والإجراءات
الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أوضح أن البرنامج الإلكتروني يأتي ضمن خطة شاملة لميكنة العمل داخل إدارات المجمع المختلفة.
وأشار إلى أن الهدف من البرنامج يتجاوز الأرشفة إلى تقديم حلول ذكية تتيح استدعاء البيانات بسرعة ودقة، وتحسين الاستفادة منها في إدارة منظومة الابتعاث بأفضل صورة.
وأضاف الجندي أن البرنامج بدأ العمل به داخل إدارتي الوافدين والبعوث بالأزهر، موفرًا إمكانية تسجيل ومتابعة بيانات المبعوثين في مختلف دول العالم. كما يُمكّن البرنامج الإدارة من إصدار إحصاءات دقيقة ومفصلة حول أعداد المبعوثين، وتوزيعهم الجغرافي، وتخصصاتهم، ومواقع عملهم، فضلًا عن تيسير عمليات المتابعة المستمرة لهم.
دعم شامل للوثائق والمعاملات الرسمية
واحدة من المميزات الجوهرية للبرنامج هي تقديمه دعماً كاملاً للنماذج والمستندات الرسمية المرتبطة بالمبعوثين. ويوفر البرنامج نماذج جاهزة تشمل:
بيان حالة كل مبعوث
خطابات موجهة لوزارتي الخارجية والقنصلية
تصاريح العمل الرسمية
إقرارات العودة إلى مصر
مراسلات خاصة بالشؤون المالية والوظيفية
خدمات حجز الطيران وتنسيق السفر
هذه الخطوة تعكس تحولًا جذريًا نحو تسهيل الإجراءات البيروقراطية التي كانت تُدار سابقًا بشكل ورقي، مما يضمن توفير الوقت والجهد، ويحقق مستويات أعلى من الدقة والشفافية.
الأزهــر في قلب التحول الرقمي المصري
لم يكن إطلاق هذا البرنامج مجرد تحديث إداري داخلي، بل يُعد ترجمة عملية لرؤية الدولة المصرية في التحول الرقمي، حيث يسعى الأزهر الشريف ليكون جزءًا فاعلًا في مشروع “مصر الرقمية” وهو ما يتطلب تحديث البنية التحتية الرقمية لجميع قطاعاته، وعلى رأسها قطاع البعثات الخارجية، الذي يُمثل أحد روافد القوة الناعمة لمصر في الخارج.
ويساعد البرنامج الإلكتروني الجديد في تحقيق أعلى مستويات الشفافية والكفاءة، لا سيما فيما يتعلق بالتعاملات عن بُعد، وتوفير البيانات الدقيقة لصنّاع القرار، ما يسهم في دعم توجهات الدولة الاستراتيجية في تعزيز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا.
رسالة الأزهر تتجدد بأدوات العصر
يُنظر إلى منظومة الابتعاث بالأزهر الشريف على أنها أحد أذرع القوة الثقافية والفكرية لمصر في العالم، حيث ينتشر المبعوثون الأزهريون في عشرات الدول لتقديم خطاب ديني وسطي ومستنير، والمشاركة في جهود التصدي للفكر المتطرف والتعصب، والتعريف بجوهر الإسلام القائم على السلام والتعايش.
وبهذا التطوير الإلكتروني الشامل، يخطو الأزهر الشريف خطوة جديدة نحو تحديث أدواته دون أن يمس جوهر رسالته العالمية، في تأكيد على أن المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي قادرة على التفاعل مع مستجدات العصر، وتطويع التكنولوجيا الحديثة في خدمة رسالتها التنويرية.
أكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن البرنامج الجديد لن يكون نهاية المطاف، بل هو مرحلة أولى في خطة تطوير أشمل تستهدف رقمنة كافة الإدارات المرتبطة بالبعوث والوافدين، مشيرًا إلى أن التحديثات ستستمر وفقًا لاحتياجات العمل ومتطلبات الدخول في منظومة الحكومة الذكية.
كما أكد أن هذا المشروع يُعد نموذجًا يُحتذى به في باقي المؤسسات الدينية والعلمية التي تسعى إلى الدمج بين الحفاظ على القيم والرسائل الأساسية، ومواكبة أدوات العصر في التنفيذ والإدارة.
بين التراث والحداثة.. الأزهر يعيد تشكيل رسالته العالمية
يمضي الأزهر الشريف بخطوات ثابتة نحو تعزيز حضوره العالمي، ليس فقط من خلال مئات المبعوثين المنتشرين في العالم، بل عبر منظومة إدارية متكاملة تُدار وفق أعلى معايير التقنية والحوكمة الرقمية ومع إطلاق هذا البرنامج الإلكتروني الجديد، يُثبت الأزهر أنه قادر على المزاوجة بين التراث العريق والحداثة الواعية، ليظل حارسًا للوسطية ومصدر إشعاع علمي وفكري في زمن تتزايد فيه التحديات الفكرية والثقافية.