هل تغرق الإسكندرية ودلتا النيل بحلول عام 2100؟
أكثر من17 مليون شخص مهددين بالتهجير اوالنزوح الداخلي

تحقيق حسني شومان
تشير دراسات علمية عديدة إلى أن دلتا النيل وسواحل مصر الشمالية – بما فيها الإسكندرية تقع ضمن أكثر المناطق هشاشة عالميًا أمام ارتفاع مستوى البحر والتغيرات المناخية
** السيناريوهات العلمية المتوقعة المتفائلة والمتشائمة
تضع التقارير الدولية عدة سيناريوهات لما قد يحدث بحلول عام 2100. وفقًا لتصريحات وزيرة البيئة المصرية د. ياسمين فؤاد مؤخرًا، هناك سيناريوهين رئيسيين: السيناريو المتشائم الذي يفترض غرقًا كاملًا للدلتا ومدينة الإسكندرية بحلول 2100، في حين أن السيناريو المتفائل يتوقع أضرارًا جسيمة في المناطق الساحلية “ما لم يتم اتخاذ إجراءات”
يقول الدكتور حسن أبو النجا خبير المياه الدولي الاستاذ بجامعة كولن بالمانيا أن الحديث هنا عن عام 2100 وليس الآن بمعنى أن السيناريو المتفائل لا ينفي الخطر بل يفترض تخفيفه إذا نجحت إجراءات الحماية.
على الصعيد العالمي، تراوحت توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر بحلول نهاية القرن بين حوالي 0.25 متر في أفضل الحالات إذا تم كبح الاحترار العالمي بقوة
قد تصل إلى 2.5 متر في أسوأ الحالات عند أخذ عدم اليقين في ذوبان الصفائح الجليدية بالقطبين بعين الاعتبار وطبقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن هذا المدى الواسع يعني اختلافًا جذريًا في مصير دلتا النيل
في السيناريوهات المتفائلة قد يكون التأثير محدودًا نسبيًا، أما في السيناريوهات المتطرفة فقد تتعرض ما يصل إلى 50% من مساحة دلتا النيل للغمر بالمياه بحلول 2100
وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) صنّفت دلتا النيل من بين أكثر ثلاث مناطق في العالم معرضة لخطر الغرق، وذكرت إحدى دراساتها أن ارتفاعًا قدره متر واحد في مستوى البحر يمكن أن يؤدي إلى غمر نحو 20% من أراضي دلتا النيل بنهاية القرن الحالي
على المستوى الوطني، تتوافق الدراسات المصرية مع هذه التحذيرات العالمية.
فقد أوضحت هيئة الاستشعار عن بعد وهيئات علمية محلية أن خطر ارتفاع البحر يتركز خاصة في المناطق المنخفضة من دلتا النيل أن هناك قائمة صدرت عام 2017 بخمس مناطق رئيسية مهددة بالغرق في شمال الدلتا،
تشمل أجزاء من سواحل كفر الشيخ بين البرلس ورشيد، ومناطق حول ميناء دمياط، وغرب بورسعيد قرب قرية الديبة، وغرب جمصة بالدقهلية، إضافة إلى مناطق غرب مصب فرع رشيد بالبحيرة هذه المناطق المنخفضة تعتبر الأكثر عرضة وفق الصور الفضائية وقياسات الارتفاع
أن مدينة الإسكندرية نفسها رغم وقوعها على الساحل ترتفع في المتوسط نحو 5 أمتار عن سطح البحر، مما يجعلها أقل انخفاضًا مقارنة ببعض مناطق دلتا النيل التي يقل ارتفاعها عن متر لكن هذا لا يعني أن الإسكندرية في مأمن
فهي جزء من الشريط الساحلي المنخفض أقل من 10 أمتار ارتفاعًا المهدد بتوغل مياه البحر بكلمات أخرى، السيناريوهات المتشائمة تتنبأ باحتمال اختفاء أجزاء واسعة من دلتا النيل وغرق مناطق ساحلية بأكملها بحلول 2100 إذا استمر ارتفاع البحر دون كوابح بينما السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا تتوقع أضرارًا كبيرة كالتآكل والفيضانات الموسمية يمكن الحد منها عبر تدخلات بشرية فعالة
*** ما الذي ينتظر سكان الدلتا في العقود القادمة؟
يقول الدكتور سعيد حسانين استاذ التخطيط العمراني
يعيش في إقليم دلتا النيل اليوم ما يزيد عن 22 مليون نسمة حوالي ربع سكان مصر يعتمدون في معيشتهم على موارد هذه المنطقة الخصيبة هذه الدلتا تمثل سلة غذاء مصر التاريخية،
إذ تنتج نسبة كبيرة من المحاصيل والاستثمارات الزراعية الحيوية للبلاد بالتالي فإن أي تغيرات مناخية تؤثر على الدلتا ستنعكس مباشرة على السكان من جوانب معيشية واقتصادية متعددة.
أحد أبرز التحديات المرتقبة هو تآكل الأراضي الزراعية وتسرب الملوحة بسبب ارتفاع البحر
تشير دراسات حديثة إلى أن ارتفاع مستوى البحر بمقدار متر واحد قد يؤدي إلى فقدان نحو ثُلث الأراضي الزراعية الحالية في دلتا النيل نتيجة الغمر أو تملّح التربة
تُعاني 25% من أراضي دلتا النيل المزروعة حاليًا من مشكلة ملوحة متفاقمة بفعل ارتفاع البحر خلال العقود الماضية ومن المتوقع زيادة هذه النسبة مستقبلًا
ومع توغل المياه المالحة في التربة والمياه الجوفية، قد ينخفض إنتاج القمح والأرز في مصر بحوالي 15% و11% على التوالي بحلول عام 2050 مما يهدد الأمن الغذائي الوطني
كما قد يتأثر الصيد والثروة السمكية سلبًا بسبب تغيّر بيئة البحيرات الشمالية والبحر
** خطر النزوح الداخلي يلوح في الأفق
إذا تفاقمت الظروف. فوفق تحليل للتعدادات، السيناريو المحتمل لارتفاع البحر مترًا بحلول 2100 قد يهدد “حياة وسبل عيش حوالي 5.5 مليون نسمة” في دلتا النيل، يقطنون في 21 مدينة وقرية ساحلية منخفضة هذا الرقم يمثل تقريبًا 25% من سكان الدلتا و5% من سكان مصر الإجمالي
والأسوأ أنه قد يرتفع أكثر مع نمو السكان؛ إذ يُقدّر أن يرتفع عدد المهددين إلى نحو 9.3 مليون بحلول 2050 وإلى 16.4 مليون نسمة بحلول 2100 إذا استمرت الاتجاهات الديموغرافية
هذه الأعداد الضخمة من البشر قد يُضطرون للانتقال من مناطقهم طلبًا للأمان، مما يثير احتمال حدوث هجرات داخلية واسعة النطاق في مصر
ويحذر خبراء الاجتماع من أن الضغوط المناخية في هذه المناطق ستؤدي حتمًا إلى ارتفاع معدل الهجرة الداخلية، وربما عبور موجات النزوح حدود المحافظات إلى مدن كبرى أكثر ارتفاعًا مثل القاهرة والإسكندرية نفسها
*** اقتصاديًا، الخسائر المتوقعة
يؤكد الدكتور إبراهيم حجازي استاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية
ان الأضرار السنوية المباشرة لارتفاع البحر في مصر يمكن أن تصل ما بين 2.1 إلى 14.8 مليار دولار سنويًا بحلول 2100 على طول المناطق الساحلية
تبعًا لسيناريو ارتفاع البحر منخفض أو مرتفع هذه الخسائر تشمل تدمير البنى التحتية الساحلية والمرافق الحيوية في المدن المغمورة جزئيًا
فعلى سبيل المثال، سيؤثر الغمر والفيضانات على الموانئ والطرق الساحلية، بالإضافة إلى مواقع صناعية وسياحية هامة في مدينة كالإسكندرية
وهي العاصمة الاقتصادية الثانية لمصر قد تؤدي العواصف وارتفاع المد إلى شلل في حركة الموانئ وتعطيل الصناعات وخسائر في قطاع السياحة
وشهدت الإسكندرية بالفعل نماذج مصغّرة لما قد يحدث: عواصف شتوية قوية عام 2015 وعام 2020 أغرقت أحياء كاملة وأدت لانهيار بعض المباني القديمة واضطر مئات السكان لإخلاء منازلهم بعد تضررها
ويؤكد السكان المحليون ارتفاع منسوب المياه خلال النوات العواصف الموسمية حتى باتت تغمر الشواطئ وتجعل الصيادين والمزارعين “يخافون الذهاب إلى أعمالهم” في بعض الأيام هذه الظواهر المناخية العنيفة مرشحة للازدياد تكرارًا وشدة في العقود القادمة،
مما يعني أن ملايين المواطنين في الدلتا سيواجهون تحديات معيشية يومية تتراوح بين فيضانات مفاجئة في الشوارع، وتآكل مستمر للأراضي الخصبة، وارتفاع في درجات الحرارة يضر بالإنتاجية الزراعية والصحة العامة.
و أشار الدكتور سيد صبري خبير التغيرات المناخية إلى أن تفاقم ارتفاع البحر والظواهر الجوية العنيفة قد يقود إلى موجات غير مسبوقة من النزوح الجماعي لسكان السواحل،
مهددًا استقرار ما لا يقل عن 40 مليون شخص حول العالم ومصر ليست استثناءً بل تُعد من الدول المرشحة لتأثر كبير نظرًا للكثافة السكانية العالية في الدلتا المنخفضة
ومع أن التهجير القسري الداخلي ليس سياسة معتمدة حاليًا أن الواقع قد يفرض نزوحًا تدريجيًا لسكان بعض المناطق إذا أصبحت غير صالحة للسكن أو الزراعة،
ويقول إن محافظات الدلتا تاريخيًا تُصدّر مهاجرين إلى خارجها إلى القاهرة والإسكندريةمنذ أوائل القرن العشرين ومن المتوقع أن تزداد تلك الهجرات تحت وطأة تغير المناخ
واضاف ينتظر سكان الدلتا سنوات صعبة تتطلب التأقلم مع طقس أشد تطرفًا، وخسارة أجزاء من أراضيهم وممتلكاتهم، وربما تغيير أنماط معيشتهم أو الانتقال إلى مناطق أخرى داخل البلاد.
*** خطة مصر في مواجهة زحف البحر على الدلتا
أدركت الدولة المصرية في السنوات الأخيرة خطورة تهديدات المناخ للدلتا وبدأت في وضع وتنفيذ خطة شاملة لحماية السواحل والبنية التحتية.
تؤكد وزيرة البيئة أن مصر «وضعت التكيف هدفًا أساسيًا» في استراتيجيتها الوطنية لتغير المناخ 2050 واتخذت خطوات استباقية منذ قرابة عقد. هذه الخطة متعددة المحاور تشمل حلول هندسية وتقنية، وكذلك سياسات تخطيط طويلة المدى
*** مشروعات حماية الشواطي
بدأت وزارة الموارد المائية والري منذ نحو 8 سنوات تنفيذ حزمة مشروعات لحماية الساحل الشمالي من التآكل والغمر. تم إنشاء حواجز حماية “قائمة على حلول الطبيعة” في عدة مواقع بطول الساحل؛ مثل حواجز الأمواج الرملية، والدفاعات البحرية منخفضة التكلفة التي صُممت لتبدو كالكثبان الطبيعية. وقد صُرّح بأن ما أُنفق على حماية الشواطئ بلغ 8 مليارات جنيه مصري خلال 8 سنوات لحماية سواحل الإسكندرية ورشيد ومرسى مطروح ودمياط وكفر الشيخ والبحيرة
*** مشروع تعزيز التكيف المناخي
في الساحل الشمالي بدعم من الأمم المتحدة (UNDP) وصندوق المناخ الأخضر – يعد من أكبر هذه الجهود. يهدف المشروع إلى حماية الأراضي المنخفضة المكتظة بالسكان في دلتا النيل عبر بناء نظام واسع من السواتر الرملية بطول 69 كيلومترًا على امتداد الشواطئ الحرجة
هذه السواتر عبارة عن حواجز رملية مدعمة بسياجات من القصب ونباتات محلية، تعمل على كسر الأمواج واحتجاز الرمال، بما يتيح ارتفاع الكثبان بشكل طبيعي بمرور الوقت من المتوقع أن يوفر هذا النظام الدفاعي حماية مباشرة لحوالي 17 مليون مواطن يقطنون المناطق الساحلية المنخفضة
وقد أثبتت هذه الإجراءات نجاعتها بالفعل، حيث تم تركيب 10% منها واختُبرت في عواصف شديدة أواخر عام 2020، ونجحت في صد الأمواج غير المتوقعة عن قرى ساحلية في دلتا النيل
صورة: إنشاء حواجز رملية “طبيعية” على سواحل دلتا النيل ضمن مشروع حماية الساحل الشمالي. هذه السواتر المدعمة بالقصب والنباتات المحلية تشكل خطوط دفاع أولية ضد ارتفاع الأمواج وتآكل الشواطئ
** تعزيز البنية التحتية وإدارة الأزمات
يقول الدكتور حسين شريبة استاذ التخطيط وإدارة الأزمات
ان الحكومة وضعت نظامًا للإنذار المبكر واستحداثت خريطة تفاعلية لمخاطر المناخ بالتعاون بين الجهات المعنية المساحة العسكرية ووزارات البيئة والري وغيرها كما أصدر مجلس الوزراء خطة لمواجهة “نوبات الطقس الجامحة”
تُمكّن إدارة الأزمات من متابعة الاستعدادات في كل محافظات الدلتا لمتابعة الأحداث الجوية غير المعتادة. وبالتوازي، يجري تحديث شبكات تصريف مياه المدن الساحلية خاصة المحافظات الساحلية لمنع تكرار سيناريوهات الغرق في الشوارع خلال العواصف المطيرة الشديدة
كذلك تتعاون مصر مع دول وخبرات أجنبية مثل هولندا في مجال الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية (ICZM) لضمان أن تكون إجراءات الحماية الساحلية متناغمة مع التخطيط التنموي وعوامل البيئة الطبيعية.
مثل تطوير نظام مراقبة مستمر لارتفاع مستوى البحر وتآكل السواحل، واستخدام بيانات الأقمار الصناعية عالية الدقة لرصد أي تغير طارئ في خطوط الشاطئ أو منسوب الأراضي
*** استراتيجيات التكيف طويلة المدى
أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 في نوفمبر 2021 والتي وضعت رؤية شاملة لحماية كل المناطق المهددة وفي مقدمتها دلتا النيل
توصي الاستراتيجية بتبني حلول مبتكرة مثل الحلول المستنبطة من الطبيعة بدلاً من الاقتصار على الخرسانات التقليدية بالفعل، بدأت هيئة حماية الشواطئ تنفيذ تجارب تغذية للشواطئ بالرمال وإنشاء شعاب صناعية للحد من قوة الأمواج
وتذكر وزيرة البيئة أن الدولة انتقلت من “الحلول الإنشائية التقليدية إلى حلول مستدامة مستمدة من الطبيعة نفسها” في حماية السواحل مثل زراعة أشجار المانغروف في بعض المناطق الساحلية لتعزيز التربة ومصدات الرياح الطبيعية
كذلك تتضمن الخطط تحسين إدارة الموارد المائية في الدلتا لمكافحة تسرب الملوحة؛ حيث تعمل وزارة الري على مشاريع للاستغلال الأمثل للمياه الجوفية وإنشاء مصدّات تحتية لمنع تغلغل ماء البحر في الخزانات الأرضية وعلى الجانب الزراعي
يتم تطوير أصناف محاصيل أكثر تحملًا للملوحة والجفاف لحماية الإنتاج الزراعي في شمال الدلتا.
• التمويل والتعاون الدولي
في قمة المناخ COP27 التي استضافتها مصر عام 2022، قادت مصر جهودًا لإنشاء صندوق دولي للخسائر والأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية وتأمل الحكومة في الاستفادة من هذا الصندوق لتمويل مشروعات تعويض المزارعين عن الخسائر المناخية في مناطق مثل الإسكندرية والدلتا
كذلك حصلت مصر على تمويلات دولية مثل من البنك الدولي وصندوق المناخ الأخضر لدعم مشروعات التكيف الساحلي. ويُذكر أن مصر واحدة من أوائل دول المنطقة التي وضعت قضية آثار تغير المناخ على رأس أجندتها البيئية، حيث بدأت دراسات تقييم هشاشة الدلتا منذ سنوات الثمانينات والتسعينات بالتعاون مع الأمم المتحدة.
باختصار، خطة الدولة المصرية ترتكز على حماية دلتا النيل بدلًا من التسليم بغرقها. فهي تشمل بناء دفاعات ساحلية ذكية، وتطوير نظم إنذار وإدارة أزمات، ودمج بُعد التغير المناخي في التخطيط العمراني والزراعي، مع حشد الدعم الدولي لمواجهة التحدي. وبينما بدأت بعض هذه الجهود تؤتي ثمارها في التقليل من حدة التأثيرات كما حصل في عاصفة الإسكندرية الأخيرة التي جاءت أضرارها أقل من المتوقع بفضل إجراءات الحماية المنفذة مسبقًا تدرك الحكومة أن الكثير ما زال مطلوبًا لرفع قدرة الدلتا على الصمود حتى نهاية القرن.
*** هل هناك مخطط لتهجير سكان المدن الساحلية؟
أثار احتمال اختفاء مدن ساحلية كالإسكندرية مخاوف حول مصير سكانها وما إذا كانت هناك خطة رسمية لنقلهم. حتى الآن، لا توجد أي خطة حكومية مُعلنة لإخلاء أو تهجير قسري منظم لسكان المدن الساحلية بسبب التغير المناخي
. الموقف الرسمي المصري يؤكد التركيز على التكيف في الموقع وتعزيز الحماية بدلًا من الاستسلام لفكرة هجرة جماعية
وزيرة البيئة شددت على أن الحديث عن غرق الإسكندرية والدلتا يتعلق بسيناريوهات علمية لعام 2100، وليس خطرًا وشيكًا في الوقت الحاضر وبالتالي، لا داعي لإثارة الذعر الفوري أو إخلاء المدن الآن، بل يجب العمل الجاد لتجنب الوصول إلى تلك النهاية الكارثية.
ويضيف شريبة استاذ التخطيط وإدارة الأزمات
رغم عدم وجود مخطط مباشر لتهجير السكان، فإن الدولة تتبع نهجًا استباقيًا لتقليل تمركز السكان في المناطق الأكثر عرضة مستقبلاً
وأبرز إجراء في هذا الصدد هو بناء مدن جديدة خارج نطاق الدلتا الساحلية.
أوضح أن أحد أسباب إنشاء 16 مدينة عمرانية جديدة متكاملة بعيدًا عن وادي ودلتا النيل هو “تشجيع الناس على التوسع خارج الوادي
وتقليل الكثافة السكانية في المناطق المهددة فحاليًا يقطن نحو 80-90% من سكان مصر في الشريط الضيق لوادي النيل والدلتا ولذلك تسعى الدولة عبر مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، ومدينة العلمين الجديدة على الساحل المرتفع، ومدينة المنصورة الجديدة
ويودي ذلك لخلق بدائل سكنية واقتصادية تستوعب النمو السكاني بعيدًا عن الأراضي المنخفضة. هذه المدن الجديدة ليست مخصصة حصرًا كملاذ مناخي، لكنها جزء من رؤية تنموية أشمل تأخذ في الاعتبار أيضًا تحديات المناخ.
وبهذا يمكن اعتبارها خطة غير مباشرة لتوزيع السكان على نطاق جغرافي أكثر أمنًا على المدى البعيد
ويشير شريبة أن الأولوية هي حماية المدن القائمة وعدم التخلي عنها. فالإسكندرية على سبيل المثال، بدلاً من التفكير في إجلاء سكانها، يجري استثمار المليارات الآن في تدعيم بنيتها التحتية ضد السيول وارتفاع البحر وكذلك الحال في مدن كرشيد ودمياط وقرى كفر الشيخ الساحلية حيث تنفذ أعمال تدعيم للسدود الترابية وحواجز الأمواج
. ويُذكر أن أجهزة الدولة تُفنّد بين حين وآخر شائعات عن اختفاء مدن بأكملها، مؤكدةً أن التعامل يتم علميًا عبر خطط التكيف وليس عبر التخلي عن تلك المدن. على سبيل المثال، خلال مناقشات مجلس الشيوخ المصري عام 2021 حول تغير المناخ، استعرضت الحكومة استعداداتها ونفت أن تكون الإسكندرية “أكثر المناطق تعرضًا” مقارنة ببقية الدلتا، مشددة على استمرار الجهود لحمايتها
*** سيناريوهات تكون فيها الهجرة الداخلية أمرًا واقعًا
أي أن بعض السكان قد يختارون طوعًا الانتقال من مناطق تتكرر فيها الفيضانات أو يصبح العيش فيها صعبًا. وستعمل الدولة حينها على استيعاب هؤلاء ضمن خطط التنمية الإقليمية مثال ذلك: توجيههم نحو المدن الجديدة أو مناطق أخرى أكثر أمانًا لكن حتى تاريخه،
الموقف الرسمي واضح لا تهجير قسري ولا خطة لإخلاء مدن ساحلية قائمة مثل الإسكندرية أو بورسعيد أو رشيد.
هناك خطة مواجهة تركز على التحصين والبناء للمستقبل. لتجنب السيناريوهات الكارثية يتطلب العمل على محورين متوازيين
الأول هو إجراءات الحماية والتكيف التي تنفذها الدولة كالمشروعات الساحلية ونظام الإنذار المبكر
والثاني هو التخطيط العمراني الاستباقي عبر المدن الجديدة وتوزيع التنمية جغرافيًا
باختصار، مصر لا تنوي ترك مدنها تغرق أو تهجير أهلها قسرًا، وإنما تسابق الزمن لتفادي الأسوأ. السيناريوهات العلمية – مهما كانت سودواية – ليست حتمية الوقوع إذا جرى تداركها بالسياسات الرشيدة.
وفي الحالة المصرية، هناك اعتراف رسمي بخطر ارتفاع البحر على دلتا النيل ووصفه بأنه “من أخطر التحديات” التي تواجه البلاد يقابله تحرك حكومي وخطط وطنية طموحة لتعزيز صمود الدلتا وسكانها
نجاح هذه الجهود في العقود المقبلة سيحدد ما إذا كانت نبوءات غرق الإسكندرية والدلتا بحلول 2100 ستصبح واقعًا أم مجرد تحذيرات لن تتحقق. وما بين التفاؤل الحذر والتشاؤم العلمي
يبقى الأكيد أن مصير دلتا النيل يرتبط بمدى استعدادنا اليوم لمواجهة تحديات الغد.