بأحدث السماعات”.. كيف صار الغش تجارة أسر وخراب ضمائر في ماراثون الثانوية العامة؟

تحقيق:- آية جمال-حشمت عبد الحارث
حين يتحول ولي الأمر لشريك بالجريمة.
كيف أصبح بعض أولياء الأمور الدافع الأول والغطاء الأخطر لظاهرة الغش.
تفاصيل صادمة عن أدوات الغش الحديثة ومخاطرها الصحية.
كيف يصنع الغش شخصية كاذبة، مريضة، متلاعبة بالمستقبل.
رؤية الطب النفسي لخطورة الظاهرة على المدي البعيد.
من الغش للفساد.. من يعطي الأمان لطبيب أو مهندس نجح بالغش؟
كيف غير التطور التكنولوجي أدوات الغش وأفسد النفوس.
رؤية دينية وقانونية تجرم الفعل، وتؤكد خطورته.
نصوص قانون مكافحة الإخلال بالامتحانات سلاح الدولة الرادع.
لم تعد لجان الامتحانات مجرد مقاعد وأوراق وأسئلة تنتظر إجابة، بل تحوّلت إلى ساحة معركة خفية، تُدار فيها حرب من نوع آخر .. حرب ضد القيم، والضمير، والدين؛ ففي كل عام، يزداد السباق نحو أدوات الغش، فلا يتردد طالب ولا يتراجع بعض أولياء الأمور في البحث عن سماعات دقيقة، وأجهزة متطورة، تساعد على اقتناص درجات زائفة، وسرقة مجهود الآخرين، وتزييف واقع تعليمي منهك.
بين شاب يرتدي سماعة بحجم حبة الأرز، وأب يشتريها له بآلاف الجنيهات، يتهاوى مبدأ تكافؤ الفرص، وتُغتال أمانة العلم، ويتساقط المجتمع ضحية نزوات لحظية .. وما بين ضياع الدين، وانعدام الضمير، يتحوّل الغش من فعل فردي إلى جريمة منظمة، يعاني المجتمع من آثارها لاحقًا؛ مريض غشاش، مهندس خائن، ومعلم زائف..
في هذا التحقيق، نكشف الوجه القبيح لتلك الظاهرة التي خرجت من جدران المدارس، وتسللت إلى عقول البيوت، نبحث عن ضمائر غابت، وأمهات وآباء يباركون الخديعة .. نرصد خطورة الأمر على الصحة النفسية والجسدية، والقيم الدينية والاجتماعية، وعقوبات القانون التي تلاحق العابثين بمستقبل الوطن.
دمار بيوت واضطرابات نفسية تبدأ من لجنة الامتحان
في البداية تقول الدكتورة مي عبد اللاه استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان إن ظاهرة الغش وسيلة تعويضية عن نقص مهارات التحصيل الدراسي أو نقص الوظائف المعرفية التي تمكنه من التذكر أو استعادة المعلومات أو نقص في منظومة قيم الأسرة الناشئ فيها الطالب، وهي ظاهرة مجتمعية تخضع للتشريح السيوسيولوجي للمجتمعات، وهذا أمر محزن ومنبئ عن خطر يهدد منظومة القيم للمجتمع المصري برُمته ، وخاصة اشتراك الأهل في غش أولادهم جريمة لا بد أن تُدرَج في قائمة الجرائم المنصوص عنها في القانون لهدم القيم الأسرية، فالتخطيط لشراء سماعات لحل الامتحان أمر كارثي، مشيرة إلى أنه من ضمن الأسباب المجتمعية لظاهرة الغش هي خصخصة التعليم العالي وارتفاع أسعار الكليات الخاصة فأصبحت الأسرة المصرية تقيسها (أدفع سنة غش في ثانوية عامة بدلا من ست سبع سنوات في كلية خاصة)، لكن أيضا أريد أن أشير إلى أن الأسرة بهذه الحسبة تدفع ثمن بيع كل مبادئ الأسرة وكل ليلة سهرتها في تعب أولادها.
استسهال النجاح… بوابة إلي الإدمان والجريمة
وأوضحت عبد اللاه خلال حديثها لجريدة “اليوم” أن الأمراض النفسية العائدة على الطالب أولهم عدم تحفيز المهارات المعرفية للطالب من تخطيط وإبداع وتسلسل وتحفيز فكل هذه المهارات تستثار مع وجود تحد صادق ، مع الغش ليس هناك تحد ، فأصبح ركود وجمود العقل ووظائفه البديل ، مؤكدة أن ذلك خميرة خصبة لاضطرابات السلوك والاضطرابات الشخصية والتي ينتج عنها شخص متلاعب ، كاذب ، مستغل ، متآمر ، غير ملتزم بعمل أو مهام تسند إليه ، استسهال الرزق و الحصول على الملذات و منها تنتشر الجرائم والإدمانات المختلفة وتناول المتع السريعة ، وانهدام منظومة الزواج و الأسرة ، فانعدمت الدوافع لإقامة بيت مستقر تبذل له النفس كل غال وثمين ، فالأمر حينها يصبح لعبة لأن الدماغ نشأت على المتع اللحظية السهلة التي تمتزج بالحيل والتلاعب وبمباركة الأب والأم ، منوهة أن الطالب نفسه من الممكن أن يصيبه تأنيب الضمير والإحساس بالخزي و الذنب و يتحول لما بعد لاضطرابات قلق واكتئاب وربما محاولات و أفكار انتحارية و أقل ما يحدث شعور بالدونية وعدم الاستحقاق و انخفاض الثقة بالنفس كشخص مسئول نال ما نال بعرق جبينه .
تحذيرات مجتمعية من مخرجات تعليمية مشوه
وتستكمل الدكتورة مي : الغش له نتائج عديدة مستقبلا والتي تتلخص في اضطرابات شخصية واكتئاب وتفشي الإدمان والمتع اللحظية والاندفاعية وجرائم نفسية وبدنية واضطرابات الهوية، لافتة بأن ظاهرة الغش تؤثر على العلاقات الأسرية فذلك الطالب هو مَن سيحتال عليك وعلي باقي أخوته بالكذب حينا والخداع حينا و الغش أحيانا ليحصل على أموال وميراث ومكتسبات و إمضاءات و أختام بالزور في عز مرضك وضعفك ،ولا ننسى فشل الطلاب الذي يظهر على المدى البعيد في تخصصات الطب والهندسة فمن سيعطي الأمان لمهندس ليبني لي بيت يهد فوق رأسي بالغش ؟ هل سأجلب مدرسا لابني ليعلمه الغش ووجهت خلال حديثها أتمنى من المقيمين و المعدين للامتحانات أن تكون مطمئنة متوازنة و أن يكون هناك امتحانات قدرات مؤهلة لكل كلية تعتمد على قياس المهارات لتقلل حدة التوتر و الضغط للأسرة والطالب المصري في الثانوية العامة على اعتبار أنه امتحان العمر و الفرصة الواحدة ، لا تضيقوا واسعا ، كل الفرص تجدد ، الساعي يصل ، وهناك دائما فرصة لنبدأ من جديد و نجرب مجدداً.
تحايل بالتكنولوجيا وتراجع قيم الأمانة والضمير
وأشار الدكتور وليد رشاد، أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن التطور التكنولوجي أدى لتطور أدوات الغش، ويأتي ذلك واضحا من ضمن الاستخدامات الخاطئة للموبيل والكاميرا، بعد أن كان الغش ينحصر في الكتابة على المسطرة والحيطة والورق، مؤكدا أن هذا يفرض نوعا من التطور في المراقبة والمواجهة، فالغش نوع من أنواع التحايل للحصول على درجات بدون وجه حق خاصة في السنوات المصيرية فهي وسيلة حديثة وآلية لتحقيق النجاح، كما أن الأسباب الأسرية والتقنية والثقافية وغياب الرقابة والوازع الديني وتراجع في قيم الأمانة ومراقبة الذات للحصول على النجاح بسهولة فجميعها وسائل تؤدي للغش، ونوه رشاد أن أسباب الغش بسبب أن أغلب الطلاب لديهم اضطرابات سلوكية ممكن أن يمتلكوا المعرفة ولكن قدراتهم الذهنية ضعيفة لعدم التركيز، نتائج الغش مردودها طبيب ومهندس ومعلم لا يستحقون فالتعليم مرتبط بالوظائف ويؤثر على البناء ،موجها عدة نصائح من بينها التقرب والاستعانة بالله سبحانه وتعالى والتركيز والبعد عن التكنولوجيا والمراجعة المستمرة والخلوة منفردا في المذاكرة. ، والبعد عن تشتت الانتباه وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي فهي آلية من ضمن الآليات التي تساعد على تفشي ظاهرة الغش.
سماعات بحجم حبة الأرز… وأضرار تصل لثقب طبلة الأذن
وفي نفس السياق ، أوضحت الدكتورة مروة خلف كامل، استشاري السمع والاتزان بمستشفى سوهاج الجامعي، أن سماعات الغش هي أجهزة حجمها صغير جدا يتم إدخالها بدرجة عميقة داخل الأذن حتى لا ترى ، لها طريقتان العمل عن طريق البلوتوث أو عن طريق شريحة نانو إليكترونية، وكل طالب يتم فحصه عن طريق منظار الأنف والأذن بواسطة الطبيب ومن هنا يمكن رؤية السماعة بوضوح ، مشيرة لوجود طريقة ثانية عن طريق العصا الإلكترونية التي تكشف عن أي جهاز معدني قبل دخول الطالب اللجنة ، كما يوجد برامج كاشفة للبلوتوث تحدد مكان الاستخدام بدقة عن طريق الهواتف المحمولة، أما إذا كانت تعمل عن طريق شريحة يصعب اكتشافها لأنه يحتاج جهاز مكبر للموجات الصوتية، وتتلخص الأضرار في حدوث التهابات أو تقرحات في قناة الأذن الخارجية أحيانا ، مع الإصابة بحساسية من المكونات التي صنعت منها السماعة حول مكانها في الأذن، ولو تم إدخالها بدرجة عميقة ممكن تؤدي لحدوث ثقب في طبلة الأذن.
شرعا وقانونا الغش جريمة تسقط المجتمعات
ويضيف الشيخ محمد حسني رئيس الإدارة المركزية بمنطقة سوهاج الأزهرية، أن الله حملنا بعدة أمانات ومنها أمانة العلم فهو أعظم شيء في الوجود ، ولذلك أعطاه الله سبحانه وتعالي للأنبياء، وقال ﷺ: “من غش أمتي فليس مني” » [أخرجه مسلم]، فقد خرج من الدائرة ، فعلم الله ينبغي على أصول صحيحة فيعبر الطالب عما فهمه وذاكره حتي يتمكن من أن يكون في الغد عالما حقيقيا يفيد العالم ، فما بني على باطل فهو باطل، مؤكدا أن الغش في الامتحانات محرم ، ويهدر الحقوق ويهدم مبدأ تكافؤ الفرص كما أنه يؤثر بالسلب على مصالح الأمة والفرد، موجها رسالة بأن ولي الأمر له دور مهم في ذلك فهو بفعلته هذه يربي أبناءه على هدم المجتمعات في الغد وهذا ما ينتظره العدو لهدم الأمة فالغش في العلم جرم يرتكبه الطالب أو المعلم الذي يساعده على ذلك.
عقوبات تصل للحبس 7 سنوات ومصادرة الأجهزة
وكشف محمد السيد فزاري ، محام بمحاكم مجلس الدولة والإدارية العليا، عن عقوبة الغش في الامتحانات بأنها تم تحدديها بقانون مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات رقم 205لسنة 2020م، عقوبات كبيرة ومغلظة على جرائم الغش أو الشروع فيها ، حيث نصت المادة الأولى للقانون على الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على سبع سنوات وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، على كل من طبع أو قام بنشر أو إذاعة أو ترويج بأي وسيلة لأسئلة الامتحانات وأجوبتها، مع الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، لمن يقدم على طبع أسئلة الامتحانات بهدف الغش ، وحذر فزاري الطالب في حالة الغش بحرمانه من أداء الامتحان في الدور الذي يؤديه، والدور الذي يليه في نفس العام، ويعتبر الطالب راسبًا في جميع المواد، في حالة ارتكب غشًا أو شرع فيه، كما يحرم الطالب من أداء امتحانات المواد اللازمة للمعادلة في حالة الامتحانات الأجنبية، وفقًا للنظام المصري (دورين متتالين).
كما نصت المادة الثانية على غرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، كعقاب للطالب، في حالة حيازة أجهزة هاتفية أو غيرها من وسائل الاتصال أثناء انعقاد الامتحان، التي تساعده على الغش، ولم يكتف القانون بالغرامة، بل تقضي المحكمة أيضًا بمصادرة جميع الأجهزة المضبوطة، كما نصت المادة الثالثة بقانون عقوبات الغش على التالي إلغاء القرار بالقانون رقم 101 لسنة 2015 الخاص بمكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات أثناء انعقادها.