الأزهر: سفراء الاتحاد الأوروبي يشيدون بدور المؤسسة في تعزيز التعايش والسلام

كتب: مصطفى على
في مشهد يعكس عمق التقدير العالمي للأزهر الشريف كمؤسسة دينية وعلمية عريقة، استقبل فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم الأربعاء، وفدًا رفيعًا من سفراء وممثلي دول الاتحاد الأوروبي، داخل أروقة الجامع الأزهر، برئاسة السيدة أنجلينا أيخهورست، سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، وعدد من سفراء دول أوروبا المعتمدين لدى مصر.
وشهد اللقاء مناقشات موسعة حول دور الأزهر في دعم قيم التعايش والحوار بين الأديان والثقافات، حيث أكد وكيل الأزهر أن ترسيخ مفاهيم التسامح والتفاهم بين الشعوب على اختلاف معتقداتهم يأتي في صدارة أولويات الأزهر الشريف، انطلاقًا من رسالته العالمية التي يتبناها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر.
وثيقة الأخوة الإنسانية.. ثمرة اللقاء التاريخي بين الأزهر والفاتيكان
خلال كلمته أمام الوفد الأوروبي، سلط الدكتور الضويني الضوء على وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي تُعد من أهم ثمار التعاون بين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، موضحًا أن الوثيقة تشكل مرجعية دولية لنبذ الكراهية والعنصرية، وقد تم اعتمادها من قبل الأمم المتحدة كيوم عالمي للأخوة الإنسانية.
وأشار وكيل الأزهر إلى أن هذه الوثيقة لم تكن مجرد إعلان نظري، بل مثّلت تحركًا عمليًا نحو إرساء قواعد العيش المشترك، وإنصاف الفقراء والمهمشين، وتعزيز التضامن الإنساني بين شعوب الأرض كافة، مؤكدًا أن الأزهر يواصل دوره في هذا المجال من خلال مبادرات داخلية وخارجية تعكس التزامه بهذا النهج.
التعليم الأزهري.. سفراء الوسطية في ربوع العالم
وأوضح الضويني أن الأزهر الشريف يستقبل سنويًا أكثر من 40 ألف طالب وافد من مختلف دول العالم، يتلقون علوم الدين والدنيا في معاهد وجامعات الأزهر، ليعودوا سفراء للسلام والتسامح في مجتمعاتهم، يحملون المنهج الأزهري الوسطي المعتدل.
كما أشار إلى أن الأزهر لا يكتفي باستقبال الطلاب، بل يرسل عشرات المبعوثين إلى دول متعددة لنشر الفكر الوسطي، إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية متقدمة للأئمة والدعاة من شتى بقاع الأرض في “أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ”، التي تهدف إلى إعداد كوادر دينية قادرة على مواجهة التحديات الفكرية والمعاصرة بأسلوب علمي ومستنير.
مؤتمرات عالمية ومبادرات وطنية لتعزيز الحوار والسلام
وأكد وكيل الأزهر أن الأزهر الشريف كان سبّاقًا في تفعيل الحوار بين الشرق والغرب من خلال مشاركته في مؤتمرات دولية كبرى، من أبرزها مؤتمر “الشرق والغرب” الذي أقيم في البحرين عام 2022، والمؤتمر العالمي للسلام في عام 2017 بالقاهرة، والذي جمع بين الإمام الأكبر والبابا فرنسيس، وعدد كبير من القيادات الدينية حول العالم.
وفي الداخل المصري، أطلق الأزهر بالتعاون مع الكنيسة القبطية مشروع “بيت العائلة المصرية”، كأنموذج فريد لتجسيد التلاحم بين مكونات المجتمع المصري، حيث يعمل على حل النزاعات المجتمعية وترسيخ مبدأ المواطنة والوحدة الوطنية، وقد توسع المشروع ليشمل 15 فرعًا في محافظات الجمهورية المختلفة.
تمكين المرأة في الأزهر.. نموذج يحتذى به
وفي معرض حديثه عن حقوق الإنسان في الإسلام، شدد الدكتور الضويني على أن الأزهر الشريف يولي اهتمامًا خاصًا بقضايا المرأة، مؤكدًا أن الإسلام كرّم المرأة ومنحها مكانة عالية، وهو ما انعكس على تمكين المرأة داخل المؤسسات الأزهرية، حيث شغلت العديد من المناصب القيادية.
وقد تُوّج هذا النهج بفوز الأزهر بالمركز الأول في “جائزة التميز الحكومي 2022” ضمن فئة “تكافؤ الفرص وتمكين المرأة”، مما يعكس الجهود الفعلية التي تبذلها المؤسسة الأزهرية لتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة على أرض الواقع.
سفراء الاتحاد الأوروبي: الأزهر شريك عالمي في مواجهة الكراهية والتطرف
من جانبهم، عبّر سفراء الاتحاد الأوروبي عن بالغ تقديرهم لدور الأزهر الشريف في نشر ثقافة الحوار والاعتدال، مثمنين إسهاماته في محاربة خطاب الكراهية ومواجهة التطرّف، ومشيدين بالمبادرات التي يتبناها الأزهر للتقريب بين الشعوب وتعزيز السلم المجتمعي.
وأكد الوفد أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى الأزهر كمؤسسة رائدة تتقاطع أهدافها مع أهداف المجتمع الدولي في تعزيز قيم العيش المشترك، وتكريس روح الاحترام المتبادل بين أتباع الديانات المختلفة، معتبرين أن ما يقوم به الأزهر يمثل حجر زاوية في دعم جهود السلام العالمي.
جولة داخل الجامع الأزهر.. بين التاريخ والحاضر
واختتم اللقاء بجولة ميدانية للوفد داخل أروقة الجامع الأزهر، أحد أعرق المعالم الإسلامية في العالم، حيث اطّلع السفراء على الطراز المعماري الفريد، وشاهدوا الأنشطة العلمية والشرعية التي تُقام في رحابه، من دروس علوم القرآن والتجويد إلى حلقات الشرح في رواق العلوم الشرعية واللغة العربية.
كما استمع الوفد إلى شرح مفصل حول تاريخ الجامع، ودوره في تخريج علماء وأئمة منذ أكثر من ألف عام، وشاهدوا عن قرب كيفية سير الدراسة التقليدية الحديثة داخل الجامع، وقاموا بالتقاط الصور التذكارية، والتفاعل مع الطلاب الوافدين الذين يعكسون تنوع الخلفيات والثقافات داخل الأزهر.
حضور علمي رسمي يعكس الاهتمام المؤسسي
رافق الوفد الأوروبي في جولته كل من الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، حيث قدّما شرحًا وافيًا للأنشطة التعليمية والدعوية التي يضطلع بها الأزهر من خلال رواقه وطلابه، مؤكدَين أن الأزهر سيظل منارة للعلم والدين والانفتاح الفكري والروحي.
الأزهر.. رسالة حضارية تتجاوز الحدود
تأتي هذه الزيارة ضمن سلسلة من اللقاءات والفعاليات التي تنظمها مؤسسة الأزهر لتعزيز جسور التواصل مع العالم الخارجي، وتأكيدًا على أن الأزهر لا يمثل فقط مرجعية دينية إسلامية، بل هو أيضًا مؤسسة إنسانية ذات طابع حضاري، تعمل من أجل سلام العالم، وتبني على أرض الواقع نموذجًا فريدًا من التعايش والوئام بين مختلف الأعراق والديانات.