إسلام عبد الرحيم يكتب: سلاح خفي لا يطلق الرصاص لكنه مدمّر

في عصر تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المعلومة تنتشر بسرعة فائقة تفوق القدرة على التحقق من صحتها، وبينما يمكن لهذه الوسائل أن تساهم في نشر الوعي والمعرفة، إلا أنها في المقابل قد تتحول إلى ساحة خصبة لانتشار الشائعات، التي تمثل خطرًا حقيقيًا على استقرار المجتمعات وتماسكها، فالشائعة ليست مجرد خبر غير مؤكد، بل قد تكون أداة فتّاكة لبث الفتنة، وزعزعة الأمن، وتدمير السمعة، وتضليل الرأي العام.
الشائعة تكمن خطورتها في أنها تنتشر بسرعة هائلة، خصوصًا عندما تتعلق بموضوع حساس أو مثير للاهتمام، وغالبًا ما يكون من الصعب تكذيبها أو السيطرة عليها بعد انتشارها.
ما يجعل الشائعات أكثر خطورة في زمننا الحالي هو وسائل التواصل الاجتماعي، التي وفرت بيئة مثالية لنقل المعلومات دون رقابة أو تحقق، فبضغطة زر، يمكن لأي شخص أن يرسل خبراً كاذباً إلى آلاف المتابعين، في دقائق معدودة، دون أن يتحمل أي مسؤولية مباشرة.
الآثار السلبية للشائعات
1. إثارة الفتنة والبلبلة
الشائعات تؤدي إلى زعزعة الثقة داخل المجتمع، وتزرع الشك بين أفراده. فعندما تنتشر إشاعة حول أزمة سياسية أو اقتصادية، يمكن أن تسبب حالة من الذعر الجماعي، وتدفع الناس إلى اتخاذ قرارات غير منطقية، مثل تخزين المواد الغذائية أو سحب الأموال من البنوك.
2. تشويه السمعة والإساءة للأبرياء
كم من أشخاص تضررت سمعتهم بسبب شائعات لا أساس لها من الصحة؟ فالتشهير بشخص أو مؤسسة قد يؤدي إلى خسائر نفسية، واجتماعية، ومهنية جسيمة، وقد لا تنفع الاعتذارات أو التوضيحات لاحقًا في إصلاح الضرر.
3. إضعاف الروح الوطنية
في الأوقات الحساسة مثل الأزمات الصحية أو الأمنية أو الكوارث الطبيعية، تُستخدم الشائعات أحيانًا كأداة لتقويض الثقة في المؤسسات الرسمية، ونشر الإحباط بين المواطنين، مما يُضعف تماسك المجتمع وقدرته على مواجهة التحديات.
4. الإضرار بالاقتصاد
الشائعات المتعلقة بالشركات، أو أسعار السلع، أو الاقتصاد الوطني قد تؤدي إلى تقلبات في الأسواق، وخسائر مالية فادحة، سواء على مستوى الأفراد أو الدولة.
دور القانون في مكافحة الشائعات
العديد من الدول سنت قوانين صارمة لمكافحة الشائعات، وخصوصًا تلك التي تنتشر عبر الإنترنت، فقد تصل العقوبات إلى السجن أو الغرامات المالية، في حال ثبت أن شخصًا ما نشر معلومات كاذبة تسببت في إضرار بالمصلحة العامة أو بالأفراد.
كما تتابع الجهات المختصة في كثير من البلدان منصات التواصل الاجتماعي وتتحقق من صحة المعلومات المتداولة، وتصدر البيانات الرسمية لنفي الإشاعات وتقديم الرواية الدقيقة.
دور الفرد في محاربة الشائعات
مكافحة الشائعات ليست مسؤولية الجهات الحكومية فقط، بل هي مسؤولية كل فرد في المجتمع، ويمكن للفرد أن يلعب دورًا محوريًا من خلال:
التثبت من صحة الأخبار قبل مشاركتها.
الاعتماد على مصادر رسمية وموثوقة للمعلومات.
توعية من حوله بخطورة الشائعات.
الإبلاغ عن الصفحات أو الحسابات التي تنشر أخبارًا كاذبة.
في نهاية المطاف، الشائعة سلاح خفي، لكنه شديد الفتك، لا يطلق الرصاص، لكنه قد يُدمّر العلاقات، والمؤسسات، والأوطان. ومع تطور وسائل النشر وانتشار المعلومات، أصبحت المسؤولية مضاعفة على كل فرد أن يكون واعيًا ومتيقظًا، لا مجرد ناقل للمعلومات، إن مواجهة خطر الشائعات واجب وطني وأخلاقي، يتطلب وعيًا جماعيًا وإرادة حقيقية لصون المجتمع من التفكك والفوضى.