مقالات

د.حمدي سعد يكتب: جائزة نوبل فى النصب!!

فى بداية حياتى العملية، كنت أتدرب فى مستشفى خاص كعادة كل أطباء الامتياز، وكان أسفل هذه المستشفى صيدلية يمتلكها صيدلى شاب وسيم جدا، شديد الاهتمام بمظهره، حديثه يأسرك كأنه ساحر!

ترددت على الصيدلية عدة مرات وتجاذبت معه أطراف الحديث وبعد فترة بسيطة من التعارف أخبرنى هذا الصيدلى الشاب أنه إخترع علاج لفيروس سى وأن هذا العلاج فعال بنسبة ١٠٠%، وأنه يريد منى ومن زملائي وباقى أطباء المستشفى أن نقوم بوصف العلاج للمرضى فى الصيدلية أو على الأقل توجيههم للصيدلية وهو سيتصرف معهم. الأمر كان مثيرا للريية، ولم أستطع أن أكلم زملائي فى ذلك، ولكن هذا الصيدلى لم يتوقف عن ملاحقتنا فى دخولنا وخروجنا للترويج لدواءه المزعوم.

بعد عدة أشهر استلمت نيابتى فى قسم الأمراض الباطنة، وتوقفت عن الذهاب للمستشفى الخاص ونسيت هذا الصيدلى وقصته ولم اسمع عنه أى شيء حتى الٱن!!

وفى يوم من الأيام استدعانا جميعا نحن أطباء قسم الباطنة الدكتور عادل عبد العزيز أستاذ الباطنة ورئيس القسم فى ذلك الوقت وهو أحد أعظم الأساتذة الذين تعلمنا منهم، حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية. وبمجرد أن دخلنا مكتبه وجدنا أحد الأشخاص يجلس أمامه بالمكتب وأمامه زجاجة فيها سائل اصفر، وأخرى فيها سائل احمر، وطلب منه الأستاذ أن يشرح لنا ما طبيعة هذا السائل.

شعر هذا الشاب بالفخر الشديد، وعرفنا بنفسه بأنه باحث بكلية كذا ( كلية عملية)، وأنه اخترع علاجا فعالا لمرض السكر وهو عبارة عن هاتين الزجاجتين البائستين على المكتب الذى أمامنا!!.

نظرنا إلى الأستاذ العالم الجليل باندهاش، فقال للشاب هل تريد أى توضيح آخر فقال أنه قضى فى المعمل سنوات ليحضر هذا الدواء وأنه سيحصل به على جائزة نوبل!!!

طبعا لا أستطيع أن أقول لك عزيزى القارئ ماذا فعل به الأستاذ الدكتور عادل عبدالعزيز فطرده شر طردة بعدما فند دعواه تفنيد العالم الجليل لدعوى مدعى نصاب متهافت عديم الحجة.

وبعدما خرج من المكتب مطرودا، قال لنا أستاذنا أنه جمعنا كى نرى بيانا عمليا للنصب باسم العلم، وان أدعياء اختراع العلاجات هم نصابون دجالون مجرمون لأنهم لم يتبعوا الطريق الذى رسمه العلم لاختراع الأدوية والتى من المستحيل أن يقوم به باحث مغمور فى إحدى الكليات التى لا وزن علمى لها، بل أن هذه الأبحاث تجريها مؤسسات بحثية عن طريق فرق من الباحثين المؤهلين والمدربين ويصرف عليها ملايين الدولارات وتنشر أبحاثها فى المجلات العلمية الدولية وتحتفى بنتائجها الهيئات الطبية الدولية، ويتم ذلك كله بعد دراسات معملية وعلى حيوانات التجارب ثم على نطاق ضيق من المرضى لاستكشاف مدى سمية الدواء ثم دراسات على مجموعات أكبر من المرضى لقياس الفاعلية الدوائية، وكل ذلك يتم وفقا للضوابط العلمية العالمية الصارمة التى لا يجرؤ أحد على مخالفتها.

وقال الأستاذ أن من يسلك خلاف هذا الطريق، ويزعم أنه إخترع دواءا، فهو نصاب ومدلس حتى وإن كان حاصلا على أعلى الدرجات العلمية.

تذكرت هاتين الواقعتين رغم مرور ما يقرب من ثلاثين عاما علي حدوثهما بعدما سمعت وشاهدت ما قاله أحد الباحثين الذين أثاروا الجدل على مواقع التواصل بالدعاء على أستاذه بزعم أنه لم يشجعه ويحتفى ببحثه الذى كان سيحصل به على جائزة نوبل!!!!، فى حين أنه وعلى لسانه مكث على درجة معيد ما يتجاوز ١٥ عاما تقريبا!!

إن هذا الباحث لا يقدر قيمة العلم، فلو عرف قدر العلم لكان عرف قدر أستاذه وترحم عليه، فلا يمكن لطالب علم أن يصيب شيئا من العلم إلا من أستاذ، فمن ليس له أستاذ فلا علم عنده وإن إدعاه، فقد قال أهل العلم مقولة خالدة فى هذا الشأن ” من كان إمامه كتابه، غلب خطأه صوابه”.

ولست أدرى ماذا سيكون رد فعل السير الفريد نوبل لو كان عاش أيامنا هذه ورأى كيف يطلب بلطجى أحمق مثل ترامب حائزته للسلام، وباحث مغمور يطلب جائزته للطب، فلربما انتحر الرجل و لكن قبل انتحاره ربما سمعه أحدهم يصدر صوتا اسكندرانيا أصيلا من مؤخرة أنفه!!!

نحن فى ٱخر الزمان حرفيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights