“مساجد لها تاريخ”.. و”اليوم” تحيي سيرة مسجد السيدة سكينة في سلسلتها المميزة
"مساجد لها تاريخ".. و"اليوم" ترصد رحلة مسجد السيدة سكينة بين الماضي والحاضر

تقرير : أحمد فؤاد عثمان
ضمن سلسلة “مساجد لها تاريخ”، تواصل جريدة وموقع “اليوم” رحلتها في توثيق كنوز العمارة الإسلامية، حيث تسلط الضوء على مسجد السيدة سكينة، أحد أروع المساجد التي تحمل عبق آل البيت وتاريخًا حافلًا بالروحانية والجمال، ليبقى شاهدًا على صفحات مضيئة من التراث الإسلامي.
مساجد لها تاريخ | مسجد السيدة سكينة..
في قلب القاهرة الفاطمية، حيث تتداخل الأزقة العتيقة مع عبق التاريخ، يتربع مسجد السيدة سكينة رضي الله عنها، أحد أبهى الشواهد على ارتباط المصريين العميق بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. هنا، تتلاقى العمارة الإسلامية المهيبة مع روحانية المكان، ليصبح المسجد مزارًا يفيض بالسكينة والمحبة.
اضغط هنا لمشاهدة المزيد
ميلادها ونشأتها بين المجد والشرف
وُلدت السيدة سكينة بنت الإمام الحسين بن علي عام 47 هـ في المدينة المنورة، وترعرعت في بيت النبوة، وسط بيئة تموج بالعلم والتقوى. ورثت عن أبيها الفصاحة، وعن جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة والعطاء، وعن أمها السيدة الرباب جمال الخُلق ورقة القلب.
شخصية فريدة ومكانة سامية
لم تكن السيدة سكينة مجرد حفيدة للنبي، بل كانت علمًا من أعلام عصرها، مرجعًا للأدباء والشعراء، وصوتًا قويًا في قول الحق. تميزت بالذكاء الحاد، والقدرة على إدارة الحوارات والمناظرات، حتى أصبحت قدوة للنساء في قوة الشخصية مع عفة اللسان.
مأساة كربلاء وبطولتها الأسطورية
شهدت السيدة سكينة فاجعة كربلاء عام 61 هـ، ورأت بعينيها استشهاد والدها وأهل بيتها. وبرغم قسوة المأساة، وقفت ثابتة تُلقّن العالم دروسًا في الصبر واليقين، لتصبح قصتها رمزًا للتضحية والوفاء.
وفاتها ومقامها في القاهرة
انتقلت السيدة سكينة إلى جوار ربها عام 117 هـ. وتعددت الروايات حول مكان دفنها، لكن المصريين يؤمنون أن مقامها الشريف يقع في حي السيدة زينب، حيث شُيد المسجد تخليدًا لذكراها، ليكون منارة روحية لا تنطفئ.
المسجد في بداياته وتطوره عبر العصور
- البدايات: كان المقام في الأصل ضريحًا صغيرًا يحيط به سور، يزوره المريدون وطلاب البركة.
- العصر الفاطمي: أضيفت القبة والزخارف الحجرية البديعة، وبدأت مراسم الاحتفال بذكرى السيدة سكينة.
- العصر المملوكي: شهد المسجد توسعة كبيرة، مع إضافة منبر خشبي محفور بأدق الزخارف.
- العصر الحديث: خضع المسجد لعمليات ترميم شاملة، مع توسعة ساحته وإضافة إضاءات حديثة، مع الحفاظ على الطراز التاريخي.
عمارة بديعة وروحانية غامرة
يخطف المسجد الأنظار بقبته الخضراء المزخرفة، وأعمدته الرخامية اللامعة، ونقوشه القرآنية التي تحيط بجدرانه. وتضفي الإضاءة الداخلية الخافتة إحساسًا بالسكينة، بينما تفوح رائحة البخور التي ترافق تلاوة القرآن من أركانه.
روايات شعبية حول المقام
يحكي كبار السن في الحي أن زوار المسجد يجدون في المكان راحة نفسية وطمأنينة فريدة، وأن الدعاء عند مقام السيدة سكينة مستجاب بإذن الله. ويروون أن المسجد كان ملاذًا للفقراء والمحتاجين، وأن أبوابه لم تُغلق في وجه أحد يومًا.
أجواء المولد.. ليلة من نور ومحبة
عند حلول ذكرى مولد السيدة سكينة رضي الله عنها، يتحول المسجد وساحته إلى لوحة فنية مضيئة. تتزين الشوارع المحيطة بالفوانيس الملونة، وتُعلّق الزينة القماشية المطرزة بعبارات المديح، بينما تفوح رائحة البخور والمسك في الأجواء.
تصدح مكبرات الصوت بالأناشيد والمدائح النبوية، ويجتمع المئات من الزائرين من مختلف المحافظات، رجالًا ونساءً وأطفالًا، في أجواء روحانية تغمرها السعادة. تنتشر حلقات الذكر، وتُوزع الأطعمة والمشروبات على الحاضرين في مشهد يعكس الكرم المصري الأصيل.
وفي الليل، يزداد المكان بهاءً مع إضاءة القبة الخضراء للمسجد، فتتلألأ كجوهرة في قلب القاهرة، وكأنها تُخبر الزائرين أن حب آل البيت باقٍ ما بقيت القلوب عامرة بالإيمان.
مركز للعلم والخير
إلى جانب دوره كمسجد للصلاة، يُقيم المكان حلقات تحفيظ القرآن، ودروس العلم الشرعي، ويشارك في الأعمال الخيرية، فيظل عامرًا بالخير الذي أحبته السيدة سكينة طوال حياتها.
مزار خالد في قلوب المصريين
اليوم، يبقى مسجد السيدة سكينة شاهدًا حيًا على تاريخ عريق، وحب متجذر في وجدان المصريين لآل بيت النبي. فهو ليس مجرد بناء حجري، بل ذاكرة حية تنبض بالروح والإيمان.