السيرة النبوية المشرفة.. اصطفاء إلهي وتمهيد لميلاد النبي

اصطفى الله عز وجل النبي محمد ﷺ قبل أن يُخلق، وميّزه بأن جعله أول الخلق نورًا، وآخر الأنبياء بعثةً لم يكن هذا الاختيار عشوائيًا بل كان وفق مشيئة إلهية محكمة حيث أُريد له أن يُولد في أطهر الأنساب وينشأ في أكرم البيوت حتى يكون مهيّأً لحمل أمانة الرسالة الخاتمة.
قال النبي ﷺ في حديثه الشريف:
“إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم.” (رواه مسلم)
النسب الشريف للنبي محمد ﷺ: سلسلة متصلة من الطهارة
إن نسب النبي محمد ﷺ هو أشرف الأنساب فهو من سلالة كريمة لم يكن فيها أي شائبة من سفاح الجاهلية بل كانت أنقى سلالة تنتقل من صلب طاهر إلى رحم طاهر، وصولًا إلى ميلاده المبارك.
نسب النبي محمد ﷺ هو:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ويتصل نسبه بـ إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام مما يجعله امتدادًا لسلسلة من الأنبياء الذين حملوا رسالة التوحيد عبر الأزمان.
الجد الثالث للنبي: عبد مناف بن قصي وأبناؤه الأربعة
يُعد عبد مناف بن قصي الجد الثالث للنبي محمد ﷺ، وكان من كبار سادة قريش كان له أربعة أبناء، كل واحد منهم كان له ذرية شكّلت فروعًا مختلفة داخل قريش:
1. هاشم وهو الجد الثاني للنبي ﷺ ومن ذريته جاءت سلالة بني هاشم.
2. المطلب كان له دور رئيسي في كفالة ابن أخيه عبد المطلب وإحضاره إلى مكة.
3. عبد شمس وهو الجد الأكبر لبني أمية الذين أسسوا لاحقًا الدولة الأموية.
4. نوفل وهو أحد أعيان قريش لكن شهرته أقل من إخوته الثلاثة.
بذلك فإن عبد مناف هو الجد الأكبر للهاشميين بينما تلتقي باقي عائلات قريش معه في نسب بعيد، يصل إلى الجد السابع أو الثامن.
هاشم بن عبد مناف: الجد الثاني للنبي ﷺ وصاحب السيادة في مكة
كان هاشم بن عبد مناف رجلاً ذا هيبة وقيادة تولّى السقاية والرفادة وهما مسؤوليتان عظيمتان تتعلقان بخدمة الحجاج وسقايتهم.
كما أنه كان أول من سنّ رحلتي الشتاء والصيف حيث كانت قريش تسافر في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى بلاد الشام مما عزّز من نفوذهم التجاري.
زواج هاشم في يثرب وولادة عبد المطلب
تزوج هاشم من سلمى بنت عمرو، وهي امرأة شريفة من يثرب (المدينة المنورة حاليًا) هناك أنجبت له ابنه شيبة (الذي سيُعرف لاحقًا بعبد المطلب).
وفاة هاشم في غزة وتركه لابنه في يثرب
عندما وُلد شيبة، كان والده هاشم في رحلة تجارية إلى الشام لكنه لم يعد منها إذ توفي في مدينة غزة بفلسطين ودفن هناك ولهذا سُميت المدينة باسمه “غزة هاشم”.
بذلك، نشأ شيبة يتيم الأب، وتربى بين أخواله في يثرب بعيدًا عن مكة في كنف والدته وأهلها من بني النجار.
المطلب بن عبد مناف: العم الوفي الذي استعاد عبد المطلب
عندما كبر شيبة رأى عمه المطلب بن عبد مناف أن من الواجب أن يعود ابن أخيه إلى قومه في مكة، فذهب إلى يثرب لاستعادته.
عندما وصل المطلب إلى يثرب طلب من والدة شيبة أن تتركه يعود معه إلى مكة لأنه من أشراف قريش ولا ينبغي أن يعيش بعيدًا عن قومه.
في البداية، ترددت والدته، لكنها قررت أن تمنحه حرية الاختيار فقال شيبة:
ألحق بقومي، فأنا ابن أشراف قريش.
وهكذا، غادر الفتى الصغير يثرب برفقة عمه المطلب، متجهًا إلى مكة.
سبب تسميته بعبد المطلب
عندما وصل المطلب إلى مكة ومعه شيبة، ظن أهل مكة أنه عبد جديد اشتراه المطلب، فأطلقوا عليه لقب “عبد المطلب”، رغم أن اسمه الحقيقي كان شيبة.
حاول المطلب تصحيح هذا الاعتقاد، لكنه فشل، وظل اللقب ملازمًا له حتى صار اسمًا معروفًا في التاريخ.
عبد المطلب: زعيم مكة وصاحب المواقف العظيمة
بعد أن شبّ عبد المطلب، أصبح سيد بني هاشم وزعيم مكة، واشتهر بكرمه وحكمته وقوة شخصيته من أبرز إنجازاته:
إعادة حفر بئر زمزم بعد اندثارها لسنوات طويلة.
رعاية الكعبة المشرفة والإشراف على سقاية الحجاج.
التصدي لأبرهة الحبشي عندما حاول هدم الكعبة حيث قال عبارته الشهيرة:
أنا ربّ الإبل وللبيت رب يحميه.
لماذا كان لعبد المطلب دور محوري في السيرة النبوية؟
لقد كان عبد المطلب شخصية عظيمة حملت صفات النبل والكرم والقيادة مما جعل الله يصطفيه ليكون جدًّا لأشرف الخلق وكان له تأثير كبير على أهل مكة مما ساهم في تهيئة البيئة التي وُلد فيها النبي محمد ﷺ.
النسب الطاهر تمهيدًا لبعثة النبي محمد ﷺ
لم يكن اصطفاء الله عز وجل للنبي محمد ﷺ مجرد اختيار عادي بل كان جزءًا من مشيئة إلهية عظيمة حيث أعدّ له نسبًا نقيًا وسلسلة من الأجداد الذين حملوا أمانة الشرف والقيادة.
المراجع:
1. «تهذيب سيرة ابن هشام» لعبد السلام هارون
2. «الرحيق المختوم» لصفي الرحمن المباركفوري
3. «البداية والنهاية» لابن كثير
4. «السيرة النبوية» لابن هشام