عندما يصبح العمل فخاً قاتلاً..بالصور | مصطفى عبدالنبي شهيد لقمة العيش وضحية الإهمال في مطعم أثينا بأسيوط
كتب /محمد أحمد هادي
في إحدى زوايا حي بسيط بأسيوط، كان مصطفى عبدالنبي، طالب في الصف الثاني الثانوي الصناعي، يحلم بمستقبل أفضل له ولأسرته. ابن الأسرة البسيطة، مصطفى، كغيره من الشباب في عمره، لم يكن يشغل باله سوى رغبة واحدة: أن يرفع من شأن عائلته ويخفف من معاناتهم المالية. وعلى الرغم من معارضة والده، خرج مصطفى للعمل في مطعم أثينا، آملاً في أن يسهم بعمله في تحسين وضع أسرته.

لكن الأحلام اصطدمت بواقع قاسٍ داخل جدران المطعم كان مصطفى يعاني من ظروف العمل الصعبة والإهمال المستشري، إذ حكى لوالده في مرات كثيرة أن إدارة المطعم تمنع العمال من الأكل، في تحدٍ صارخ لأبسط حقوق الإنسان. وفي اللحظات الأولى من دخوله إلى مستشفى الإيمان، وهو يعاني من جراح الحريق الذي اندلع بسبب تسرب الغاز، كان مصطفى يصرخ طالبًا كوب ماء ليخفف من عطشه، لكنه لم يجد من يستجيب لندائه.

مصطفى قضى أيامه الأخيرة في قسم العناية المركزة بمستشفى الإيمان، يصارع الموت، حتى أسلم الروح متأثراً بجراحه في الحريق الذي هز أسيوط يوم وقوع الحادث. والده، الذي ظل بجانبه طوال فترة علاجه، لم يستطع أن يخفف عن ولده آلامه، وهو الذي كان يأمل أن يعيده إلى بيته سالماً.
الأسرة المكلومة لا تطالب بشيء سوى العدالة، العدالة لمصطفى الذي ضحى بحياته في سبيل لقمة العيش،، والده وأسرته يناشدون الرأي العام، السادة المسؤولين، النيابة العامة، ورئاسة الجمهورية، بالتحقيق في ملابسات وفاة ابنهم مصطفى.
الحديث عن الإهمال لا ينتهي هنا؛ فالمطعم الذي أودى بحياة مصطفى لم يكن يمتلك رخصة تشغيل سليمة، ولا كان يتبع إجراءات السلامة الأمنية المطلوبة. فإهمال صاحب المطعم، الذي تجاهل تحذيرات العمال بشأن تسرب الغاز، كان السبب المباشر في حدوث الكارثة،، ما يزيد من فداحة المأساة هو أن هذا الإهمال لم يكن سراً، بل كان جزءًا من الواقع الذي عاشه مصطفى وزملاؤه كل يوم.

إن قصة مصطفى عبدالنبي ليست مجرد حكاية لشاب ذهب ضحية الإهمال، بل هي دعوة لكل من لديه سلطة وقدرة على التغيير للتحرك فورًا لمحاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال المتكرر، وإعادة النظر في إجراءات السلامة المتبعة في أماكن العمل، لكي لا يتحول حلم كل شاب إلى كابوس يطارد أسرته مدى الحياة.
موت مصطفى بهذه الطريقة ليس مجرد حادث مأساوي؛ إنه جريمة في حق الإنسانية. كيف لشاب في مقتبل العمر، خرج لكسب لقمة عيشه بعرق جبينه، أن يلقى حتفه وسط ألسنة اللهب، ضحية للإهمال والجشع؟ كيف يمكن أن يتحول مكان العمل إلى فخ قاتل، يدفع فيه الأبرياء حياتهم ثمناً لغياب الضمير واهتمام المال على حساب الأرواح؟
مصطفى لم يمت فقط بسبب تسرب غاز؛ مات بسبب غياب الرقابة، مات بسبب استهتار صاحب المطعم بحياة الناس، مات بسبب نظام لا يحمى أبسط حقوق الإنسان في بيئة عمل آمنة. الموت بهذه الطريقة ليس قضاء وقدراً، إنه نتيجة حتمية لثقافة الإهمال التي تبتلع حياة الأبرياء كل يوم في صمت.

ما حدث لمصطفى هو تذكير صارخ لنا جميعاً بأن هناك من يدفع الثمن غالياً نتيجة عدم التزام البعض بالقوانين. هل يعقل أن تكون حياة إنسان بهذه الرخص؟ هل يُعقل أن يُترك شاب في ريعان شبابه ليواجه الموت وحيدًا، في غرفة عناية مركزة، بينما الجناة طلقاء؟ هذا موت بلا معنى، موت بلا كرامة، موت يصرخ في وجوهنا جميعاً ليوقظ ضمائرنا.
إن هذا الحادث يجب أن يكون نقطة تحول، يجب أن يتحرك كل من يملك ذرة من ضمير ليضع حداً لهذا الإهمال القاتل. لن نسمح بأن يموت مصطفى عبثاً، ولن نقبل أن يتكرر هذا السيناريو مع أي شاب آخر. الآن، وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن نرفع أصواتنا ونطالب بالعدالة لمصطفى ولكل من فقد حياته بسبب إهمال الآخر.