حشمت عبد الحارث يكتب: ضحايا الإصلاح التعليمي
أعزائي مدرسي الجيولوجيا وعلم النفس واللغة الفرنسية .. الذين تبدل مصيرهم بين ليلة وضحاها، كانوا بالأمس ينبضون بالحياة، ينسجون الأحلام في عقول الصغار، ويغرسون فيهم بذور العلم والإبداع.. لكن اليوم، جُردوا من أدواتهم التي عشقوها، ورحلوا إلى زوايا منسية من النظام التعليمي، حيث لم يعد هناك مكان لما كانوا يعتقدون أنه قلب التعليم.. _هؤلاء المدرسون لم يكونوا مجرد ناقلي معرفة فقط، بل كانوا صانعي حياة، محبّين لرسالتهم التي قضوا العمر في تدريسها و رسم تفاصيلها .
هؤلاء الذين وصفهم البعض اليوم بأنهم أشبه بالأشجار التي اقتُلعت من جذورها، تركت في العراء دون مأوى بعدما كانت تعطي الظل والثمار لكل من يلجأ إليها.
الذين ينظر إليهم البعض وكأنهم أصبحوا بلا قيمة في نظر النظام الحديث، وكأن خبراتهم التي تراكمت على مدى السنين أصبحت بلا معنى، لم يعد هناك من يقدر تعبهم، أو يثمن عطائهم، نتيجة تغيير القوانين واختلاف المواد التي كانت تمثل لهم مصدر الفخر والسعادة، إنهم الآن يواجهون الفراغ، ويكافحون للبحث عن معنى جديد في عالم لم يعد يعترف بقيمتهم.
هؤلاء المدرسون الآن بحاجة إلى أكثر من مجرد كلمات تعاطف؛ إنهم بحاجة إلى عودة القيمة لما كانوا يقدمونه، بحاجة إلى أن يُدرك المجتمع أن المواد ذاتها ليست ترفاً، بل ضرورة لتشكيل أجيال قادمة قادرة على فهم الحياة بكل أبعادها، لعل أشد ما يؤلم هؤلاء “الأساتذة” ليس فقط فقدان الوظيفة أو المنصب، بل استهزاء البعض بهم، وأيضًا فقدانهم للغرض الذي كان يدفعهم للاستمرار كل صباح.
لا تتركوا هؤلاء المدرسين وحيدين في معركتهم ضد النسيان. اعترفوا بأن ما قدموه وما يقدمونه هو أكثر من مجرد مواد دراسية؛ إنه رسالة، وتواصل عميق مع الإنسان، مع الروح، مع الأحلام التي كانت تزهر في قلوب أطفالهم.. و التعاطف معهم ليس مجرد شعور، بل هو واجب على كل من يعرف قيمة وقدسية رسالة التعليم.