كارنيهات وهمية وصحف مزيفة: كيف تستقطب المواقع غير المرخصة الشباب بوعود زائفة؟

في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد الحاجة إلى الأخبار السريعة، ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من المواقع الإلكترونية غير المرخصة، التي تستغل طموح الشباب في العمل بالمجال الصحفي، حيث تعرض هذه المواقع على الشباب فرصاً مغرية، مثل الحصول على كارنيهات صحفية بمقابل مادي، أو العمل كمراسلين دون أي تأهيل مهني أو قانوني.
«اليوم » بحثت عن هذه الظاهرة، وتبين بأن بعض هذه المواقع، تقدم نفسها على أنها “جرائد إلكترونية” أو “مواقع إخبارية كبرى”، رغم عدم وجود ترخيص رسمي لها من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فهو الجهة المعنية بإصدار التراخيص للكيانات والمؤسسات الإعلامية والصحفية، بل إن بعضها يبث أخباراً وفيديوهات مباشرة دون مراعاة القوانين المنظمة للعمل الصحفي والإعلامي، مما يفتح الباب أمام نشر الشائعات والمعلومات المضللة.
أساليب خادعة للمواقع الإلكترونية غير المرخصة
تستخدم بعض المواقع الإلكترونية أساليب خادعة لاستقطاب الشباب الطامحين للعمل في مجال الصحافة، مستغلة رغبتهم في الحصول على فرصة عمل أو تحقيق الشهرة، ومن بين الأساليب التي تلجأ إليها هذه المواقع:
- الإعلانات الوهمية والمضللة، من خلال نشر إعلانات توظيف براقة تعد برواتب مغرية دون أي متطلبات خبرة أو مؤهلات حقيقية.
- استخدام عبارات مثل “فرصة العمر” أو “انضم لفريقنا الصحفي المميز” لجذب الانتباه.
- استغلال العمل غير المدفوع، وطلب كتابة مقالات “كعينة” بحجة التقييم، ثم استخدامها دون توظيف الكاتب أو منحه أجراً.
- تكليف الشباب بمهام صحفية دون مقابل مادي، مع وعود بفرص مستقبلية قد لا تتحقق.
- بيع الوهم بالشهرة والتأثير، عن طريق الإيحاء بأن العمل معهم سيجعل الصحفي مشهوراً أو مؤثراً في المجال الإعلامي.
- الادعاء بعلاقات قوية مع وسائل إعلام كبرى أو جهات رسمية دون إثبات.
- تشغيل الشباب في بيئة غير مهنية، من خلال عدم وجود عقود عمل رسمية، ما يترك الموظف دون أي حقوق قانونية، وغياب التدريب أو التأهيل الصحفي، مما يؤدي إلى استغلال المواهب دون تطويرها.
- استهداف حديثي التخرج أو الطلاب بحجة منحهم خبرة مهنية.
- فرض مهام متعبة أو غير ملائمة دون تقديم أي دعم حقيقي.
كيف يمكن الحذر من هذه المواقع؟
يقول الكاتب الصحفي مصطفى صابر: ينبغي على الراغبين في العمل بمهنة الصحافة، ضرورة التحقق من سمعة الموقع والشركة قبل التقديم، والتأكد من كون الموقع والصحيفة مرخصة أم غير مرخصة، وطلب عقد عمل رسمي يوضح الحقوق والالتزامات، مع عدم تقديم أي محتوى مجاني قبل التأكد من وجود اتفاق واضح”.
الصحفي والإعلامي وفقاً للقانون

حدد القانون المصري تعريف الصحفي والإعلامي، وفقاً لقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، حيث نص على أن:
- الصحفي هو كل عضو مقيد بجدول نقابة الصحفيين، أي من يكون اسمه مقيداً في جدول نقابة الصحفيين ويمارس المهنة في إحدى الصحف أو المؤسسات الصحفية المعتمدة.
- الإعلامي، هو ايضاً كل عضو مقيد بجداول نقابة الإعلاميين، أي من يكون مسجلاً في نقابة الإعلاميين ويعمل في إحدى الوسائل الإعلامية المرخصة.
ويتضح من ذلك، بكون إصدار بطاقات تعريف صحفية من كيانات غير معترف بها يعد خرقاً للقانون، كما أن ممارسة العمل الصحفي دون تصريح أو تسجيل رسمي يعرض صاحبه للمساءلة القانونية.
دور نقابة الصحفيين في محاربة الكيانات الوهمية

نقابة الصحفيين، باعتبارها الجهة المسؤولة عن حماية مهنة الصحافة وتنظيم العاملين فيها، تسعى جاهدة إلى التصدي لهذه الكيانات الوهمية عبر:
- رصد ومتابعة المواقع غير المرخصة التي تدعي أنها مؤسسات صحفية.
- إبلاغ الجهات المختصة عن المخالفات التي ترتكبها هذه الكيانات.
- التوعية عبر حملات إعلامية تكشف حقيقة هذه الجهات الوهمية.
- التنسيق مع الجهات الأمنية لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد منتحلي الصفة الصحفية.
رأي الجماعة الصحفية
يرى الصحفيون المحترفون أن انتشار هذه الكيانات يضر بالمهنة ويفقد الصحافة مصداقيتها، خاصة أن بعض الشباب الذين يحصلون على هذه “الكارنيهات” الوهمية يستخدمونها لتحقيق مكاسب شخصية، مثل دخول أماكن رسمية والتعامل مع الجهات الحكومية على أنهم صحفيون، ما قد يتسبب في مشكلات أمنية وقانونية.
ويؤكد الصحفيون أن الصحافة مهنة ذات قواعد صارمة، تعتمد على المصداقية والتدريب والالتزام بميثاق الشرف الصحفي، وأن من يريد العمل فيها يجب أن يسلك المسار القانوني الصحيح، سواء من خلال الدراسة الأكاديمية أو الالتحاق بجهات معتمدة.
ما هو الحل؟
لمواجهة هذه الظاهرة، يطالب عدد من الصحفيين النقابيين،من أعضاء الجمعية العمومية بضرورة اتخاذ عدة خطوات، منها:
- تشديد العقوبات على الجهات غير المرخصة التي تصدر كارنيهات صحفية وهمية أو تمارس العمل الصحفي دون ترخيص.
- إطلاق حملات توعية تستهدف الشباب، توضح لهم الطرق القانونية للعمل في الصحافة، وتبين خطورة التعامل مع هذه الكيانات.
- تعزيز دور نقابة الصحفيين في مراقبة السوق الإعلامي والإبلاغ عن المخالفين.
- التنسيق مع الجهات الأمنية لغلق المواقع غير القانونية ومعاقبة المسؤولين عنها.
دور النقابات الفرعية في المحافظات
تلعب النقابات الفرعية بالمحافظات دوراً مهماً في مواجهة هذه الظاهرة على مستوى المحافظات، حيث تقوم بـ:
- إبلاغ الجهات الأمنية والمحلية عن أي كيانات غير مرخصة تدّعي العمل الصحفي.
- التواصل مع الشباب لتوعيتهم بالمسار الصحيح لممارسة المهنة.
- تنظيم دورات تدريبية للصحفيين الجدد لتأهيلهم مهنياً وقانونياً.
وفي خطوة هامة لحماية مهنة الصحافة، أعلنت اللجنة النقابية للصحفيين بمحافظة سوهاج عن اعتزامها اتخاذ إجراءات قانونية ضد جميع منتحلي صفة الصحفي في المحافظة، خاصة بعد رصد وجود عدد من المواقع والصحف تعمل في نطاق المحافظة بدون ترخيص من المجلس الأعلى.
وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس تشهد فيه المحافظة تزايداً ملحوظاً في حالات النصب والاحتيال تحت مسمى الصحفي، حيث يستغل البعض اسم الصحافة كغطاء لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما يشكل تهديداً لأمن المجتمع وأخلاقيات المهنة.
وتؤكد اللجنة النقابية للصحفين بسوهاج،
برئاسة الكاتب الصحفي خالد حسن، أنها الممثل الوحيد للنقابة العامة للصحفيين في المحافظة، طبقاً للقانون والدستور، موضحةً أن دورها لا يقتصر على تنظيم شؤون الصحفيين وحمايتهم، بل يتعدى ذلك إلى دور رقابي هام في مكافحة ظاهرة انتحال الصفة الصحفية، فاللجنة تتعاون بشكل وثيق مع الجهات الأمنية والقضائية لملاحقة منتحلي صفة الصحفي، خاصة أولئك الذين يستخدمون هذه الهوية في ترويج الأخبار الزائفة، أو في أعمال احتيالية ضد المواطنين.
الصحافة مهنة تقوم على المصداقية والالتزام بالقانون، ويجب حمايتها من الدخلاء الذين يستغلون الشباب لأغراض تجارية أو غير قانونية، لذلك الحل يكمن في الوعي، والتشريعات الرادعة، والتنسيق المستمر بين النقابات والمؤسسات الرسمية لمكافحة الكيانات الوهمية التي تهدد مستقبل المهنة ومصداقيتها.