تقارير-و-تحقيقات

الشباب وفرص العمل: تحديات وآمال

يمثل شباب مصر نسبة كبيرة من سكان البلاد، حيث يعدون العمود الفقري لمستقبل مصر، ومع زيادة أعداد الخريجين سنويًا من الجامعات والمعاهد، تواجه مصر تحديًا كبيرًا في توفير فرص العمل المناسبة لهؤلاء الشباب، حيث تتداخل هذه القضية مع مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يجعلها واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع المصري اليوم.

وكشف تقرير حكومى صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع أعداد الخريجين خلال عام2023، بنسبة 10.6%، حيث شهد العام السابق تخرج 738.1 ألف شاب، مقابل 667.4 ألف خريج عام 2022، وجاء خريجى الجامعات الحكومية في المركز الأول من حيث العدد مستحوذين على 67.1% من إجمالى خريجى التعليم العالى بنحو 495.6 ألف خريج، وفى المركز الثانى جاء خريجى المعاهد العليا الخاصة بعدد خريجين بلغ 124.9 ألف خريج بنسبة 16.9% من إجمالي خريجي التعليم العالي عام 2022.

تحديات سوق العمل

يعتبر الحصول على فرصة عمل مناسبة بعد التخرج من الجامعة المصرية في ظل هذه الأيام من التحديات الكبرى التي يواجهها الشباب المصري، فعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة لتحسين الوضع الاقتصادي وفتح باب التعيينات ببعض الجهات الحكومية كمسابقة التربية والتعليم 30 ألف معلم سنوياً، وكذلك مسابقة البريد المصري، إلا أن العديد من الشباب يجدون صعوبة في العثور على وظائف تتناسب مع تخصصاتهم الأكاديمية ومهاراتهم في ظل تواجد عجز في الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، حيث تبرز عدة عوامل كمحركات لهذه الأزمة، من بينها:

التخصصات الأكاديمية غير الملائمة لاحتياجات السوق.. يعاني الشباب المصري من فجوة كبيرة بين ما يتعلمونه في الجامعات وبين احتياجات سوق العمل، فالكثير من التخصصات الأكاديمية التقليدية بالكليات النظرية لم تعد توفر فرص العمل الكافية، مما يدفع الكثير من الخريجين للعمل في مجالات بعيدة عن دراستهم أو البقاء عاطلين عن العمل، وهذا ما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،
خلال افتتاحه مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية، منتقداً استمرار الإقبال على كليات «الآداب والحقوق والتجارة»، حيث نصح الأهالي بإلحاق أبنائهم بالكليات التكنولوجية، التي يحتاجها سوق العمل، وقال السيسي مخاطباً أولياء الأمور: «قاعدين كلكم تدخلوا ولادكم (كليات) آداب وتجارة وحقوق، مع كل التقدير… هيشتغل إيه؟». وأضاف: «الابن يبقى زعلان مني وزعلان من الحكومة يقول ما بتشغلوناش ليه؟».

وطلب الرئيس السيسي من أولياء أمور الطلبة في المراحل التعليمية المختلفة ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية، أن يشجعوا أبناءهم على الالتحاق بالمجالات التكنولوجية الحديثة، التي تدر على ذويها وعلى الدولة مليارات الدولارات سنوياً.

ومع زيادة عدد الجامعات والكليات في مصر، يرتفع عدد الخريجين سنويًا إلى ما يقترب من800 ألف خريج، مما يزيد من الضغط على سوق العمل الذي يعاني بالفعل من قلة الفرص مقابل زيادة الخريجين وذلك بسبب:

  1. البطالة المقنعة: يلجأ الكثير من الشباب إلى العمل في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم أو قدراتهم بسبب قلة الفرص المتاحة، مما يؤدي إلى ما يسمى بـ “البطالة المقنعة”، حيث يعمل الفرد في وظيفة ليست بالضرورة ملبية لطموحاته أو قادرة على تحقيق أهدافه المهنية.
  2. نقص المهارات العملية: رغم الحصول على شهادات جامعية، يفتقر العديد من الشباب إلى المهارات العملية التي يحتاجها السوق، وتعود هذه الفجوة إلى التركيز على التعليم النظري في الجامعات، مما يجعل الكثير من الخريجين غير مستعدين بشكل كامل للاندماج في سوق العمل.

الجهود المبذولة لتحسين الوضع

على الرغم من هذه التحديات، تبذل الحكومة المصرية جهودًا مكثفة لتحسين فرص العمل للشباب بعد التخرج، وتشمل هذه الجهود:

المبادرات الحكومية والخاصة: أطلقت الحكومة عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز ريادة الأعمال وتشجيع الشباب على إنشاء مشاريعهم الخاصة، مثل مبادرة ” الأكاديمية الوطنية للتدريب ” ومبادرة “تمكين الشباب ” و” حياة كريمة” و”مبادرة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة”.

التدريب المهني والتأهيل: بدأت العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة في توفير برامج تدريبية للشباب لتأهيلهم لمتطلبات سوق العمل، مثل مبادرات التدريب على المهارات الرقمية والتكنولوجية، خاصةبرامج الأكاديمية الوطنية للتدريب، وبرامج الجامعات وما تقدمه من برامج تساعد على تأهيل الشباب للقيادة.

تعزيز التعاون بين الجامعات والشركات: تعمل الحكومة على تعزيز التعاون بين الجامعات والشركات لتقديم برامج تدريبية ومهنية للطلاب والخريجين، مما يساعدهم على اكتساب الخبرات العملية المطلوبة.

    آفاق المستقبل

    بالرغم من الصعوبات، هناك آمال كبيرة بأن يتمكن الشباب المصري من تجاوز التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة، وذلك لتعزيز روح الابتكار وريادة الأعمال لدى الشباب المصري، إلى جانب المبادرات الحكومية والخاصة، من إمكانية تحسين الوضع في المستقبل، كما أن التحولات الرقمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم توفر فرصًا جديدة قد تساعد في خلق بيئة عمل أكثر مرونة وتنوعًا.

    يظل موضوع فرص العمل للشباب المصري بعد التخرج من الجامعات مسألة معقدة تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية، فالنجاح في حل هذه المعضلة سيعني تحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة، لضمان استقرار ونمو المجتمع المصري ككل.

    مقالات ذات صلة

    زر الذهاب إلى الأعلى
    Verified by MonsterInsights