هل لحم الجمل ينقض الوضوء؟ الإفتاء تحسم الجدل الفقهي

تقرير: مصطفى على
مع دخول عيد الأضحى المبارك وارتفاع معدلات التضحية بالإبل “الجِمَال” بين المصريين، عاد الجدل الفقهي السنوي ليتصدر منصات التواصل الاجتماعي والإعلام، وتحديدًا التساؤل المتكرر: “هل أكل لحم الجمل ينقض الوضوء؟”.
السؤال الذي يبدو بسيطًا في مظهره، يخفي وراءه جدلًا علميًا بين المذاهب الإسلامية واختلافًا فقهيًا طويل الأمد، مما دفع دار الإفتاء المصرية لتجديد الإجابة وتوضيح الرأي الشرعي بمختلف اتجاهاته.
رأي دار الإفتاء: لحم الجمل لا ينقض الوضوء
في توضيح مباشر حسم فيه أحد أوجه الخلاف، قال الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، مؤكدًا أن مجرد تناوله لا يُعتبر من نواقض الطهارة.
وأوضح ربيع أن المسألة فيها سعة شرعية، ولا ينبغي تحويلها إلى سبب للجدال أو التشكيك في العبادات، خاصة مع قدوم عيد الأضحى وكثرة تناول لحوم الإبل ضمن الأضاحي.
خلاف المذاهب: أحاديث نبوية تدفع للاجتهاد
من جهته، أضاف الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، مزيدًا من التفصيل على هذه المسألة، موضحًا أن هناك بالفعل خلافًا فقهيًا بين العلماء، نابعًا من تعدد الأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن.
وأشار الشيخ عويضة إلى أن بعض الأحاديث النبوية الصحيحة قد فُهم منها أن أكل لحم الجمل ينقض الوضوء، ومنها حديث جابر بن عبد الله، وحديث البراء بن عازب، وحديث أسيد بن حضير، رضي الله عنهم، والتي جاء فيها أن رسول الله ﷺ أمر بالوضوء بعد أكل لحوم الإبل.
وقال: “بناءً على هذه الأحاديث، ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى وجوب الوضوء بعد تناول لحم الجمل، وعدّه من نواقض الطهارة”، مؤكدًا أن هذا الرأي ما زال قائمًا لدى المذهب الحنبلي إلى اليوم.
جمهور العلماء: الوضوء غير واجب بعد أكل الجمل
في المقابل، أوضح الشيخ عويضة أن جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعية والمالكية والحنفية، يرون أن تلك الأحاديث ربما تكون منسوخة، مستندين في ذلك إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار”، أي أن ما يُطهى بالنار لا يُوجب الوضوء بمجرد أكله.
وأكد أن هذا الحديث اعتُبر مرجحًا لدى الجمهور لإسقاط ما قبله، ومن هنا استقر مذهب الجمهور على أن أكل لحم الجمل لا يُوجب إعادة الوضوء، إلا إذا حدث ناقض آخر من نواقض الطهارة المعروفة.
مذهب الشافعي: بين القديم والجديد
ومن الجوانب التي عرضها الشيخ عويضة في شرحه، هو تغير رأي الإمام الشافعي نفسه بين مرحلتي “القول القديم” و”القول الجديد” في مذهبه.
ففي الرأي القديم، اتفق الشافعي مع رأي الإمام أحمد على وجوب الوضوء من لحم الجمل، لكنه تراجع في مذهبه الجديد، الذي استقر عليه تلاميذه في مصر والحجاز، ليؤكد عدم وجوب الوضوء بعد أكل لحم الإبل.
وقد تبنّى الإمام النووي هذا الرأي في شرحه المعتمد على مذهب الشافعية، مرجحًا القول بعدم انتقاض الوضوء، ما لم يوجد دليل قطعي يُوجب خلاف ذلك.
الفتوى المعاصرة: الخروج من الخلاف مستحب
وفي خلاصة دار الإفتاء، أشار الشيخ عويضة إلى أن المسألة خلافية مشروعة، وأن من توضأ بعد أكل لحم الجمل فوضوؤه صحيح ولا يُنكر عليه، ومن أخذ برأي الجمهور فلا حرج عليه أيضًا، لأن المسألة محل اجتهاد ولا تمس العقيدة أو القطعيات.
وأكد أن الخروج من الخلاف مستحب، أي أن من احتاط لنفسه وتوضأ يكون قد اختار الأَولى، لكن لا ينبغي اتهام من لم يتوضأ بالتقصير أو إبطال صلاته.
وختم بأن الطهارة شرط أساسي لصحة الصلاة، وأن الوضوء يبقى دائمًا مطلبًا للتقرب من الله وتجديد العهد بالعبادة، بعيدًا عن التنازع الفقهي الذي قد يشتت المسلمين في أيامهم المباركة.
الخلاف لا يُفسد للعبادة طهارتها
في النهاية، تظل هذه المسألة نموذجًا حيًا لرحابة الفقه الإسلامي، الذي أتاح مساحة واسعة للاجتهاد، وتعددت فيه الآراء بتعدد الأدلة وفهمها، مما يدل على ثراء التراث الفقهي لا تعارضه.
فلا ينبغي أن يتحول الخلاف إلى مادة للانقسام أو التجريح، خصوصًا في أيام العيد، حيث يتقرب المسلمون إلى الله بذبح الأضاحي وإحياء السنن، ويتوجب أن تكون الروح السائدة هي القبول والتسامح والتقدير لاجتهاد العلماء، لا تحقير أقوالهم أو التشكيك في عبادات الناس.