الذرة الشامية في مصر: محصول استراتيجي في مواجهة تحديات متعددة
تعد الذرة الشامية من المحاصيل الاستراتيجية الهامة في مصر، حيث يعتمد عليها قطاع كبير من المزارعين، ليس فقط لتلبية احتياجات السوق المحلي من الغذاء والأعلاف، بل أيضاً كمصدر دخل رئيسي للعديد من الأسر الزراعية، وفي ظل تزايد الطلب على الذرة في السنوات الأخيرة، سواء لاستخدامها في الأعلاف الحيوانية، أو كمدخلات في بعض الصناعات الغذائية، تبرز أهمية تحليل واقع إنتاج هذا المحصول من حيث تكاليف الزراعة وأسعار البيع والعوائد للفلاح.
التكاليف المرتبطة بزراعة الذرة الشامية
قال السعيد الشبراوي استاذ أمراض النباتات بمعهد بحوث امراض النباتات: ” تتأثر تكلفة زراعة الذرة الشامية في مصر بعدة عوامل، بدءا من تكلفة البذور، التي تعتمد على الأصناف المحسنة والمتوفرة في السوق المحلي، وصولاً إلى الأسمدة والمبيدات، التي تمثل جزءا كبيراً من التكاليف”، مشيراً إلى إنتاجية الذرة بشكل كبير تعتمد على جودة البذرة وعلى جودة التربة وتوافر مياه الري.
يضيف عاطف محمود أحد ملاك الأراضي الزراعية قائلاً : ” ترتفع تكلفة العمالة الزراعية خاصة في مراحل الزراعة والحصاد، قد تصل أجرة العامل ل250 جنيهاً، وهناك ايضاً زيادة وتقلبات في أسعار الأسمدة والمبيدات.. وهذا ما يزيد من عبء التكاليف ويجعل الكثير من المزارعين يبحثون عن حلول بديلة لتقليل التكاليف، مثل الاعتماد على الأسمدة العضوية أو تطوير طرق جديدة للري الموفر للمياه”.
أسعار البيع والعوائد
تشهد أسعار بيع الذرة الشامية في السوق المصري اليوم، تبايناً ملحوظاً، حيث تتأثر الأسعار بشكل مباشر بكمية العرض والطلب، وكذلك بالأسعار العالمية للذرة، والتي ترتبط بتقلبات الأسواق الدولية وأسعار النفط، وبالمواسم التي يتراجع فيها الإنتاج المحلي، وقد تشهد أسعار الذرة ارتفاعًا تدريجياً نتيجة استيراد كميات إضافية لتلبية الاحتياجات المحلية.
حالياً، يبلغ متوسط بيع طن الذرة الشامية في السوق المصري بحوالي 12,500 جنيه 13,000 جنيه مصري، وهو سعر قابل للتغير وفقاً للظروف الاقتصادية والموسمية، وهذا السعر، قد يبدو غير جيد بالنسبة للبعض، حيث أن الفلاحين يشيرون إلى أنه لا يوازي في بعض الأحيان التكاليف المرتفعة التي يتحملونها خلال الموسم الزراعي.
إنتاجية الفدان للفلاح المصري
تختلف إنتاجية الذرة الشامية من فدان لآخر بحسب جودة البذرة ونوع التربة ومستوى الرعاية الزراعية، ويبلغ متوسط إنتاجية الفدان الواحد من الذرة الشامية حوالي 3 إلى 4 أطنان في الظروف المثالية، ومع ذلك، قد تتراجع هذه الأرقام في حالة وجود أي معوقات مثل نقص المياه أو انتشار الآفات الزراعية.
وخلال تفقد عدسة ” اليوم الإخباري” لأحد محاصيل الذرة الشامية بسوهاج، فإن العديد من الفلاحين يعبرون عن قلقهم من تراجع هامش الربح، حيث أن الزيادة في تكاليف الإنتاج تقلل من العائد الصافي للفلاح، وخاصة مع تقلب أسعار البيع بين التجار، كما شهد هذا العام انتشار الآفات الزراعية لمحصول الذرة الشامية، وهذا ما أضر بإنتاجية المحصول للمزارعين، كما زاد من حدة تكاليف استخدام المبيدات والأسمدة للمحصول.
تحديات زراعة الذرة الشامية في مصر
قال المهندس الزراعي نادر أبو سيف: ” تواجه زراعة الذرة الشامية في مصر تحديات كبيرة، منها التغيرات المناخية والارتفاع في درجات الحرارة، وكذلك ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات” مضيفاً بأن المنافسة مع المحاصيل الأخرى، مثل الأرز والقمح، تجعل من الصعب على الفلاحين اختيار الذرة كمحصول أساسي.



وأوضح بأن مشكلة محصول الذرة الشامية لهذا العام ليس سببها جودة البذور، مفسراً السبب في ذلك يرجع إلى الارتفاع في درجات الحرارة التي أثرت على إنتاجية المحصول بسبب انتشار الآفات الزراعية.
الجمعيات الزراعية واستراتيجيات دعم الفلاحين وزيادة الإنتاج
لمواجهة هذه التحديات، يطالب المزارعون بضرورة تعزيز الدعم الحكومي للفلاحين، سواء من خلال تقديم البذور المحسنة بأسعار مدعومة، أو تقديم دعم مالي مباشر لتغطية تكاليف الإنتاج، وكذلك تفعيل دور الجمعيات الزراعية في توفير تدريبات تقنية للفلاحين تمكنهم من فهم طبيعة المحاصيل التي يزرعونها، وكيفية التعامل مع التغيرات المناخية التي تضر بالنبات، وايضاً التعرف على أحدث أساليب الزراعة، التي تساهم في تقليل استخدام المياه وزيادة الإنتاجية، مثل أنظمة الري الحديث أو الزراعة الحافظة، وتتطلب زراعة الذرة الشامية كذلك تحسين أساليب التسويق الزراعي، لضمان وصول المحصول بأسعار عادلة للأسواق المحلية والدولية.
وفي النهاية، يظل محصول الذرة الشامية في مصر من المحاصيل الهامة التي تلعب دوراً كبيراً في تلبية احتياجات السوق المحلي وتعزيز دخل الفلاحين، ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية والمناخية التي تواجه الفلاحين تتطلب حلولًا مبتكرة واستراتيجيات دعم متكاملة من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي الزراعية، لضمان استمرار هذا المحصول في تقديم الفائدة المرجوة للفلاحين والاقتصاد الزراعي المصري.