تقارير-و-تحقيقاتعرب-وعالم

عام على الطوفان… صمود يبقى من 1973 ليكبل الاحتلال

في مثل هذا اليوم في الساعات الأولى من يوم السابع من أكتوبر عام 2023، كانت المفاجأة الطيبة- التي أعدتها وسهرت عليها قبل أن تنفذها كتائب الشهيد “عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس…

“طوفان الأقصى”… عنوان كبير أطلقه قائد أركان القسام “محمد الضيف” في كلمته صباح ذلك اليوم، معلنا به اقتحام قوات المقاومة لمعسكرات ومستوطنات غلاف غزة، وأسر ما يزيد على 230 إسرائيلي، والاستيلاء على معدات عسكرية وتدمير عدد كبير من الأليات.

أهداف الحرب

خرج “بنيامين نتنياهو” ليعلن الحرب على غزة، متهما المقاومة بتجاوز الخطوط الحمراء بعد هجوم السابع من أكتوبر، معلنا أنه لن يتراجع عن غزة قبل تحقيق عدة أهداف هي: القضاء على حماس، وتحرير الأسرى لدى المقاومة، وتعزيز الردع الإسرائيلي، وما لبث أن أعلن في سبتمبر توسيع أهداف الحرب بإضافة هدف رابع وهو عودة سكان الشمال إلى منازلهم.

لتبدأ تلك الحرب التي دخلتها كتائب المقاومةعلى اختلاف انتمائتها، أمام جيش الاحتلال الذي طالما وصف بأنه “لا يقهر”، مدعومًا بأكبر القوى العسكرية العالمية، فحركت كلا من الولايات المتحدة وإنجلترا مقاتلاتها البحرية إلى البحر المتوسط لضمان دعم الاحتلال، ودفعت ألمانيا بشحنات المساعدات العسكرية للاحتلال، وبالمثل فعلت فرنسا وزادت على ذلك بالدفع بما يزيد على 4 آلاف مقاتل فرنسي للقتال مع القوات الإسرائيلية خلال حربها البرية في قطاع غزة، وكذلك فعلت دول أخرى مثل أوكرانيا وكندا وإثيوبيا…

وعلى الرغم من القوة الجوية المفرطة التي استخدمها الاحتلال في قطاع غزة، والقنابل ذات القوة التدميرية الهائلة، واجتياح غزة الذي جندت من أجله 300 ألف جندي احتياط، ما أوقف عجلة الإنتاج فيها، والدعم الأمريكي المفرط الذي كان أخره ما أقرته إدارة “بايدن” من مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار ونصف، واستخدام القوة العسكرية المفرطة ضد المدنيين، والضغط بالتعطيش والتجويع وتدمير القطاع الطبي، لم يستطع الاحتلال حسم الحرب في غزة لعام كامل، ما يثير التساؤلات حول السبب الذي يقف وراء ذلك، انطلاقا من أهداف الحرب التي أعلنها رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، لتكون الحرب في غزة أطول حروبها على الإطلاق، منذ فرضت نفسها على الأراضي العربية في أربعينيات القرن الماضي.

وبالنظر في تاريخ حروب الاحتلال مع العرب، نجدها حسمت معركتها في حرب عام 1967 في 6 أيام باستخدام سلاح الطيران: حيث فرضت سيطرتها على سماء مصر وسوريا والأردن يوم 5 يونيو، بعد أن دمرت في ضربتها الجوية أغلب ما بحوزة سلاح الطيران في الدول الثلاث، وقضت على معظم القدرات العسكرية لجيوش العرب، لتسهل على قواتها البرية أداء مهامها العسكرية بسهولة ويسر.

بيد أن غزة 2023 لا تمتلك سلاح طيران نهائيًا، وقد استخدم الاحتلال سلاحه الجوي بقوته المفرطة ضد المدنيين، فقتل 41,909 شخص، وأصاب 97,303 آخرين، بالإضافة إلى ما يربو على 20 ألف مفقود، ومع ذلك لم يتمكن من حسم المعركة إلى الآن.

وفي أكتوبر 1973، تمكنت الولايات المتحدة وروسيا من فرض قرار وقف إطلاق النار الذي أقره مجلس الأمن في 21 أكتوبر، بعد 19 يومًا من القتال، نجحت فيها القوات المسلحة المصرية في إيقاف القوات على الضفة الشرقية للقناة، بينما شنت القوات الإسرائيلية بقيادة “أريل شارون” هجمات مضادة، واستولت على مواقع على الضفة الغربية للقناة، وحاصرت الجيش الثالث لكن التدخل الدبلوماسي الأمريكي أوقف الحرب، عبر التوقيع على اتفاقية فض الاشتباك في 24 أكتوبر.

وعلى الرغم من انتهاك إسرائيل قرار وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر، والانتكاسات التي عانى منها المصريون والسوريون بساحة المعركة، حافظوا على استمرار القتال بفضل تصميمهم على مواجهة الهجوم الإسرائيلي المضاد، وهي ذات الصورة في غزة 2023، حيث يرفض مقاتلي المقاومة إعلان الاستسلام، وفي إعلان “أبو عبيدة” الشهر الماضي أكد إعادة المقاومة لهيكلة بنية القسام الداخلية، وضم آلاف المقاتلين لصفوفها لسد الفجوات التي تركها استشهاد بعض المقاتلين في الميدان.

وبينما أعلنت حكومة الاحتلال: أن تدمير القدرات العسكرية لحماس هو الهدف الأول الأهم، وعلى الرغم من إعلانهم قتل 17 ألف مقاوم فلسطيني، أشارت تقارير لوسائل إعلام عالمية من بينها “بي بي سي”: أن حركة حماس استطاعت إعادة تنظيم صفوفها وتجنيد مقاتلين جدد، حيث تمكنت نصف كتائب القسام من إعادة بناء قدراتها العسكرية شمال ووسط قطاع غزة.

كذلك لم يتمكن العدو من الوصول إلى “يحيى السنوار ومحمد الضيف”، ما دفع حكومتهم للتكهن بموتهم أو هروبهم خارج القطاع، حتى أنها اصطحبت عددا من الجثث من القطاع أواخر الشهر الماضي، وأجرت ليها تحاليل الحمض النووي (DNA) للتأكد من وفاة “السنوار”، وهي المحاولة التي باءت بالفشل حيث أكدت النتائج أن أي من تلك الجثث لا تتبعه.

أما عن العتاد الحربي فكان “أبو عبيدة” الأصدق في ذلك، ومازالت القسام تحتفظ بقدراتها العسكري، وقد أعلنت اليوم في ذكرى الطوفان قصف مدينة تل أبيب بصواريخ “المقادمة 90- M90″، حيث سقطت الصواريخ في تل أبيب وبات يام وحولون وكفار حباد” وقد اندلعت فيهم الحرائق وسجلت 4 إصابات نتيجة الصواريخ، وتوقفت الملاحة الجوية في مطار “بن جوريون” بفعل صواريخ القسام، حتى غيرت إحدى الطائرات مسارها بعد أن منعتها الصواريخ من الهبوط، كذلك دوت صافرات الإنذار بمستوطنات غلاف غزة- وقت كتابة هذا التقرير.

وصرحت مصادر بجيش الاحتلال لصحيفة “إسرائيل هيوم”: أن كتائب القسام لازال لديها صواريخ بعيدة المدى… وفي هذا ما ينفي كليا صدق حديث سلطات الاحتلال بأنها على وشك إنهاء مهمتها في غزة بعد القضاء على معظم قدرات المقاومة، ذلك أن المقاومة مازالت تعمل وتوجع الاحتلال، ومازال شعب غزة صامدًا خلفها، ولعل في ذلك الصمود ما يحطم الغرور الصهيوني الذي يصر على أن يقتل الأخضر واليابس في غزة.

وفي ذات الإطار لم يتمكن الاحتلال من تحقيق الهدف الثاني لحربه، حيث لم يستعد أكثر من ثمانية أسرى أحياء وقرابة 37 جثة لأسرى أموات، ومازال هناك 101 أسير في يد المقاومة حتى الآن.

الخسائر العسكرية

وعن خسائر الاحتلال العسكرية في 1967، كان التفوق العسكري- الذي حققه بالضربة الجوية الأولى يوم 5 يونيو- عامل الحسم الذي أنهى المعركة في أيام معدودة، حيث كانت الخسائر العربية لا تحصى أمام الخسائر الصهيونية التي لا تذكر، حيث قتل ما بين 650- 800 جندي إسرائيلي، وأصيب 2000- 2500 آخرون، ولم يقع في الأسر لدى الجيوش العربية سوي ما بين 15- 20 جنديًا.

وفي المقابل خسرت الجيوش العربية في الدول الثلاث المقاتلة من 15- 25 ألف شهيد، و ما بين 40- إلى 45 ألف جريح، وأسر من 4- 5 آلاف جندي، وذلك بخلاف 61 ألف جندي تم احتسابهم في عداد المفقودين.

أما في أكتوبر 1973، خسر الاحتلال قرابة 2656 قتيل، وأصيب أكثر من 7250 جندي، ووقع 508 جندي أخرين بين أسير ومفقود، مقابل استشهاد أكثر من 8500 عربي من العسكريين وللمدنيين معظمهم سوريين، وإصابة 19 ألف و 549 من العسكريين والمدنيين.

ولعل تصاعد خسائر الاحتلال ما سهل فرض وقف إطلاق النار عبر اتفاقية فض الاشتباك، أما في غزة 2023 فحسب آخر إعلانات جيش الاحتلال عن حصيلة ضحاياه منذ 7 أكتوبر، قتل 728 جنديًا وضابط وأصيب 4576 آخرين، بالإضافة إلى إصابة 15 ألف عسكري باضطرابات ما بعد الصدمة، عاد 82% منهم إلى المعارك في غزة، وكذلك أكثر من 750 مفقود، مقابل قتلهم قرابة 42 ألف مدني معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة ما يربوا على 97 ألف مدني آخرين، واحتساب ما يربو على 20 ألف شخص في عداد المفقودين جميعهم من المدنيين… 

وعلى الرغم من كل ما سبق وخسارة جيش الاحتلال لمئات المعدات العسكرية، وخسارة الرأي العام العالمي الثائر ضد دمويته ومجازرها ضد المدنيين، تصر حكومتهم على عرقلة وقف إطلاق النار في كل مرة يعلن الوسطاء عن التوصل لاتفاق جديد، إذ لم تتكبد بعد ما يجبرها على الرضوخ لاتفاق تهدئة، ومازال صمود المقاومة يكبلها فلا هي حسمت المعركة فتنهيها ولا هي رضخت لاتفاقات فتوقفها وتستعيد أسراها، كما أن الحسابات السياسية لحكومتها، تجعل بقاء الحرب هدفًا في حد ذاته “لنتنياهو”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى