حين يعض المستوطن يد الجيش الإسرائيلي.. الطاعون يخرج من البيت!

في تحول لافت وغير مألوف، وجه المستوطنون الإسرائيليون نيران غضبهم هذه المرة نحو الجيش الذي طالما وفر لهم الحماية والغطاء في الضفة الغربية المحتلة.
فبينما تتواصل اعتداءاتهم اليومية ضد الفلسطينيين، شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق تمثل في هجمات عنيفة استهدفت جنود الجيش الإسرائيلي أنفسهم، في مشهد يعكس تصدعًا متسارعًا داخل معسكر الاحتلال. بل يمثل لحظة فارقة في العلاقة بين المؤسسة العسكرية واليمين المتطرف الذي طالما حظي بدعم ضمني من الدولة.
فالسلاح الذي استخدم لعقود في قمع الفلسطينيين، بدأ الآن يرتد على أصحابه، ما يثير تساؤلات جوهرية حول قدرة إسرائيل على ضبط المستوطنين، ومستقبل المشروع الاستيطاني برمته. فهل نحن أمام تصدع داخلي عميق في بنية الاحتلال؟ أم أن الدولة العميقة ستتدخل لإعادة المستوطنين إلى بيت الطاعة؟
قائد الكتيبة خائن
بدأت شرارة الأزمة الأخيرة مساء الجمعة، عندما حاول عشرات المستوطنين اقتحام قاعدة “لواء بنيامين” العسكرية شمال شرقي رام الله.
ورفع بعضهم لافتات كتب عليها “قائد الكتيبة خائن”، بينما اعتدوا على الجنود بالحجارة ورذاذ الفلفل، وخربوا مركبات عسكرية. والجيش الإسرائيلي أكد في بيان وقوع أعمال شغب، مشيرًا إلى أن قواته تعاملت مع الموقف بالتعاون مع الشرطة.
وبحسب مصادر عسكرية إسرائيلية، فإن الاعتداء جاء بعد إصابة فتى مستوطن (14 عامًا) برصاص جندي، بينما كان يشارك في رشق مركبة عسكرية بالحجارة. وتبين لاحقًا أن الضابط ظن خطأ أن الهجوم نفذه فلسطينيون.

منشآت تحرق.. واتهامات بالتحريض
ولم تقتصر المواجهات على محيط القاعدة العسكرية؛ فقد أضرم مستوطنون متطرفون النار في منشأة أمنية تابعة للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية ليل الأحد، في خطوة اعتبرتها جهات أمنية تصعيدًا خطيرًا وغير مسبوق.
والجيش أكد أن الضابط تصرف وفق القواعد، لكن الحملة الإعلامية التي شنها المستوطنون ضدّه، واتهامهم له بـ”القتل”، تسببت في موجة غضب اجتاحت معسكرات اليمين المتطرف، الذي بات يوجه سلاحه نحو من كان يظنه حليفًا.
كاتس يتوعد
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ترأس اجتماعًا أمنيًا عاجلًا بعد الأحداث، وتعهد بإنهاء ظاهرة العنف ضد الجيش. معلنًا عن تشكيل هيئة مشتركة تضم الشرطة والجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) للتعامل مع هذا التهديد المتصاعد.
غير أن هذا التصعيد يأتي في ظل انتقادات لكاتس نفسه، الذي كان قد ألغى قرارات اعتقال إداري لمستوطنين متورطين في العنف ضد الفلسطينيين. بدعوى أن ذلك “ليس إرهابًا”. واليوم، يعود ليتوعد الجناة بعد أن وصل السهم إلى صدر المؤسسة العسكرية.
“شباب التلال”.. رأس الأفعى
توجّه أصابع الاتهام مباشرة إلى تنظيم “شباب التلال”، الذي يعد أبرز جماعة استيطانية متطرفة. ظهرت في أواخر التسعينيات بدفع من وزير الطاقة في حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، أرئيل شارون، وسرعان ما تحولت إلى ذراع ميدانية تضرب الفلسطينيين وممتلكاتهم بلا هوادة.
أفراد هذا التنظيم لا يتبعون حزبًا سياسيًا، ويعيشون في بؤر عشوائية منتشرة في التلال. وينفذون هجمات بالليل والنهار، شملت حرق بيوت، واقتحام قرى، وقتل فلسطينيين، بل وحتى إحراق المساجد والكنائس.
واليوم، هم أنفسهم يعتدون على الجنود الإسرائيليين، ويرشونهم بالفلفل، ويحطمون آلياتهم العسكرية. بل يحرقون منشآت أمنية. كل ذلك بدعوى أن الجيش “يتراخى” في الدفاع عنهم أو “يخونهم”، كما كتبوا في شعاراتهم الأخيرة.
من يحاسب من؟
صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية انتقدت ازدواجية المعايير في تعامل الحكومة مع العنف. مشيرة إلى أن المؤسسة السياسية والعسكرية تجاهلت هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين. لكنها سارعت إلى التنديد عندما وُجهت الضربات إلى الجنود الإسرائيليين.
وقالت الصحيفة إن حالة الإفلات من العقاب، والتواطؤ السياسي، شجّعت المستوطنين المتطرفين على الشعور بالحصانة، حتى باتوا يتجرؤون على مهاجمة من يفترض أنهم حُماتهم.
تنظيمات أخرى في الظل
لا يقتصر الأمر على “شباب التلال”، فهناك جماعات مثل “جباية الثمن”، و”نحالا”، و”أمان”، و”تمرد”، وجميعها تنشط تحت غطاء أيديولوجي ديني وقومي متطرف. وتنفذ عمليات منظمة ضد الفلسطينيين، وقد بدأت الآن توجه نيرانها أيضًا ضد الجيش والشرطة.
أما “كتيبة نيتساح يهودا”، وهي وحدة عسكرية مخصصة للجنود المتدينين وتخضع لتوجيه الحاخامات، فقد ارتبط اسمها مؤخرًا بانتهاكات واسعة في الضفة، وسط اتهامات بأنها تعمل وفق أجندات دينية لا عسكرية.
ترمب يلغي العقوبات
وكانت إدارة بايدن قد فرضت عقوبات على هذه التنظيمات وأفرادها، لكن الرئيس دونالد ترمب ألغى تلك العقوبات بعد عودته إلى البيت الأبيض، ما زاد من حدة الانتقادات الدولية لإسرائيل.
وفي المقابل، أعلنت بريطانيا وكندا ودول أخرى فرض قيود على وزراء متطرفين إسرائيليين مثل بن غفير وسموتريتش.