مقالات

عماد نصير يكتب: حرب أكتوبر ومنظومة الرياضة والتعليم والفن


كلما حلت علينا ذكرى انتصارات أكتوبر، ذاك الحدث العظيم الذي غير وجه مصر في التاريخ الحديث، ولا مبالغة في ذلك؛ نجد من ينظر إليه على أنه يوم “عطلة رسمية”، أو “مجرد ذكرى حرب” انتصرنا فيها، وما أكثر انتصارات مصر قديمًا وحديثًا.

بالتالي لا يعي البعض أو يستوعب ما يتوجب علينا عمله في تلك المناسبة، فلم نقدر لذكرى أكتوبر قدرها الذي تستحقه.
بالرجوع إلى ما قبل أكتوبر بسنوات قليلة، تصدمنا أحداث “النكسة والهزيمة” التي منيت بها الجيوش العربية، فيما بات يعرف بنكسة 1967م، والتي غابت فيها القوة العربية على أكثر من جبهة، فغرس العدو مخالبه في جسد الوطن العربي في أكثر من موضع.

وكان لمصر فيها نصيب كبير حيث فقدنا على إثر ذلك شبه جزيرة سيناء، والبالغ مساحتها 61 ألف كم، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين تقريبًا، من هنا تبدو حتمية اتخاذ القرار بخوض الحرب واسترداد الكرامة.

من منظور تنموي معاصر، وبعيدًا عن الشعارات المأثورة التي اعتادت الأُذن سماعها، وإن كانت صحيحة 100%، ككسر شوكة العدو وتحجيم نفوذه في المنطقة، وإعادة تقييم معايير القوى على أسس العقيدة القتالية والروح والانتماء للأرض، إلى جانب إرغامه على المعارك الدبلوماسية والتفاوض من منطلق القوة التي منحها النصر للدبلوماسية المصرية، إلا أن استعادة سيناء كانت حتمية تنموية أيضاً، فأرض سيناء بمثابة شريان اقتصادي لمصر ككل، فهي تزخر بالمناجم والفحم والغاز الطبيعي والرمال البيضاء والسوداء والشواطئ والطبيعة الخلابة التي أقيمت عليها العديد والعديد من المنتجعات السياحية، والتي احتلت على خارطة السياحة الخارجية والداخلية مكانة الريادة، ناهيك عن المقاصد السياحة الدينية الكثيرة والمتعددة كمسار رحلة العائلة المقدسة، وجبل موسى ودير سانت كاترين، وغيرها الكثير من المزارات التي تعد مصدراً لا ينضب للدخل القومي.

جيل الأبطال صنع التاريخ والمجد، وغرس في نفوس الأجيال المتعاقبة بذرة العزة والكرامة، إلا أن إنماء ورعاية تلك البذرة يستوجب منا مزيدا من الاهتمام، كل من خلال موقعه، فما زالت هناك فجوة فكرية بين الحدث وصناعه من جهة والجيل الحالي من جهة أخرى، لذا بات الأمر لزاماً أن يتم تلقين إنجازات حرب أكتوبر كمساق دراسي وعلمي بشكل أوسع، فتخرج من أذهان النشأ عن كونها حرب مضت، إلى كونها ملحمة نعيش على فضائلها حتى الآن، ولولاها لكانت العديد من الأمور قد تغيرت.
على وزارة التربية والتعليم أن تقدم جرعة علمية أكبر وأكثر عمقاً، لنبني وعيا طلابيا يفهم الأمر بشكل أكبر وانتماءً أوسع، وأن لا يقف الأمر على فصل في كتاب يضم معلومات عامة عن الحرب دون الدخول في تفاصيل تنمي روح النخوة وحب الوطن والحرص على صونه.

كما أن وزارة الشباب والرياضة عليها دور كبير، فدورها لا ينحصر في ممارسة الرياضة فقط، بل كونها الجهة المدنية الأكثر احتكاكا بفئات عمرية مختلفة بعد وزارة التربية والتعليم، ما يستوجب اضطلاعها بمسؤولية توعوية كبيرة، من خلال الأنشطة الرياضية التي تقدمها.

الدراما المصرية التي دائمًا ما نتشدق بريادتها وقوتها الناعمة وما إلى ذلك من شعارات، لديها دور غائب منذ عقود، فعجز وغياب الدراما السينمائية والتليفزيونية التي تتناول ملحمة أكتوبر واضح وجلي، ولا يكاد أحدنا حين الحديث عن أي من الأعمال التي تناولت الحرب إلا يقول “حفظت الفيلم”، ولعل ذلك مرده إلى هجر المنتجين للأعمال التي لا تحقق مردوداً مادياً من وجهة نظرهم، وهنا يبرز دور شركات الإنتاج، فلابد لها من إعادة النظر في إنتاج أعمال ضخمة تعيد “لسينما الحرب” زهوتها ورونقها، وإن كانت حقاً هى القوة الناعمة ولسان الشعب وانعكاسا لصورته، فمن هنا يكبر حجم دورها ويصبح لزاماً على القائمين على تلك الصناعة، أن يجعلو للدراما التاريخية او العسكرية التي تتناول الحروب، مكاناً على خارطة صناعة الدراما، وهو أمر وطني من الطراز الأول، فكسب المال يأتي بالطبع في مراحل متأخرة بعد كسب الوطن والإسهام في رفعة شأنه، من خلال توعية النشأ من أبنائه.

قد يقول قائل إن تناول انتصارات أكتوبر يكفيها عدد من الأعمال الدرامية، وهذا أمر فيه نظر، إلا أن ما تعج به سيناء من مزارات تاريخية وسياحية ودينية تستدعي منا الكثير والكثير من خطط الإنتاج الدرامي للتعريف بها، كنوع من أنواع السياحة الخارجية والداخلية، وهذا كله يصب في صالح الترويج لانتصارات أكتوبر المجيدة، والتي لولاها ما كان لنا أن نكتب هذه السطور، ولا أن نرفع هاماتنا احتفالا بإنجاز العسكرية المصرية في معركة استراد الأرض والكرامة.
نلقاكم في قعدة عرب أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى