فوز ترامب..هل يقف في وجه محور المقاومة دعمًا للاحتلال؟

في مفاجأة قوية بالانتخابات الأمريكية، قلب المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” الطاولة وتمكن من الفوز بمقعد الرئاسة، وكانت أهم ردود الأفعال على هذا الحدث لدى الاحتلال، فلم يدخر أي مسؤول جهدًا في إعلان الابتهاج بتلك النتيجة، لرجل طالما عرف عنه دعمه المطلق لدولة الاحتلال، حتى قال في أحد تصريحاته: “قاتلت من أجل إسرائيل كما لم يفعل أي رئيس بالتاريخ”.
وكانت اللقطة الأشد لفتاً للأنظار لأحد جنود الاحتلال في غزة، يصرخ ابتهاجاً بفوز “ترامب”، ويفتح نيران مدفعه الرشاش على المناطق الفلسطينية المأهولة احتفالا بالنصر بينما يقول: ” هذا احتفالا بفوز دونالد ترامب، بارك الرب أمريكا بارك الرب إسرائيل”.
ولم يضع رئيس وزراء الاحتلال مزيدًا من الوقت، فسارع بمطالبة الرجل بالدعم والإسناد في رسالة التهنئة، فقال: “عودتكم التاريخية التزام قوي بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأمريكا”.
أما الوزيران الأكثر تطرفًا في حكومته، فقد أعلنا مواقفها على موقع التواصل الاجتماعي (إكس)، حيث قال وزير المالية “بتسلئيل سموتيريتش” نفس جملة الجندي مطلق الرصاص: “بارك الرب إسرائيل… بارك الرب أمريكا”، أما وزير الأمن القومي فقد احتفى بالشخص أكثر من الكيان فقال: ” بارك الرب ترامب”.
وعن الجانب الفلسطيني فقد هنأ “محمود عباس أبو مازن”-رئيس السلطة الفلسطينية- “ترامب”، وأعرب عن ثقته في رعايته للسلام، وأماله أن تدعم الولايات المتحدة في عهده التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.
وقد اختلف السيد “فارس رفيق فحماوي”- عضو المؤتمر الشعبي الفلسطيني- مع رؤية “أبو مازن” في تصريحات خاصة أدلى بها “لليوم”، فقال: “دعيني أستعيد كلمات الرئيس الراحل محمد حسني مبارك: “المتغطي بالأمريكان بردان”، فالعلاقة بين الأمريكان والكيان الصهيوني علاقة إستراتيجية، لذا على خط الجهاد والمقاومة مقاومة مقاومة المشروع الإسرائيلي الأمريكي أو “الإسراميكي”- حسب تسميتي، لأنه مشروع مستمر، لذا علينا العمل لمقاومة ذلك دون أن نتوقف في انتظار شيء جديد”.
يأتي هذا بينما طالبت حركة حماس بوقف الانحياز “الأعمى” من الإدارة الأمريكية والمرشح الفائز للاحتلال- حسب وصفها، والعمل على وقف حرب الإبادة على غزة والضفة الغربية ولبنان، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وأكدت أن موقفها من إدارته سيتحدد على أساس موقفها من تلك الحقوق.
ما بين متفائل بالنتيجة وغير مهتم وآخر شديد التشاؤم تأرجحت التوقعات، لكن للصعود تبعات قد يمكن قراءتها من واقع الخطابات والتصريحات، تجملها فيما يلي:
1. مآلات صعود ترامب
في تصريحات سابقة “لترامب” إبان اندلاع معركة طوفان الأقصى، دأب على تأكيد: أنه لو كان في السلطة بدلا من “جو بايدن”، لما هاجمت حماس إسرائيل، بسبب سياسة “الضغط الأقصى” التي ينتهجها ضد إيران الممولة لحركة حماس.
في خضم السباق الانتخابي الأمريكي، كانت توقعات المستوطنين ومسؤولي الاحتلال ترى في صعود “ترامب” إنقاذ للاحتلال، فانتشرت لافتات تطالب بالتصويت له بعبارة “صوتوا لترامب” وفي خلفيتها علم الاحتلال، وتطالبه برعاية إسرائيل حيث قالت لافتة أخرى: “ترامب… اجعل إسرائيل عظيمة يا ترامب”.
ولم يخب ظن من خطوا اللافتات، فقد حث “ترامب نتنياهو”، قبيل فوزه بمقعد الرئاسة، على: ضرورة “الانتصار في الحرب سريعا”، لرغبته في أن تضع الحرب أوزارها بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات- حسبما نقلت صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية عن مصادر وصفتها بالمطلعة.
وأكد “فحماوي” على الدعم المطلق الذي سيقدمه الرجل للاحتلال في سبيل تحقيق ذلك الانتصار، فقال: “ترامب سيقدم كافة أشكال الدعم العسكري والمادي والاقتصادي، وليس على حساب الخزينة الأمريكية وإنما على حساب أنظمة عربية، لأنه شخص سياسته واضحة بشأن الضرائب والإنفاق الحكومي في بلده، وقد فرض على أنظمة عربية ضخ الأموال له، مثل السعودية التي فرض عليها دفع 450 مليار، لكن أساسه أن تبقى إسرائيل دولة قوية في المنطقة”.
ولعل تلك هي المآلات المتوقعة لصعود “ترامب” التي تحدث عنها “فحماوي” في تصريحاته “لليوم”، فقال: “الإدارات الأمريكية على اختلافها منذ عام 1917 إدارات متصهينة منذ حكومة “نلسون”، فعلاقتهم بالكيان الصهيوني علاقة استراتيجية حامية له، لذا أتوقع أن تظل في عملها لخدمة الكيان الصهيوني وتثبيته على أرض إسرائيل، وهو ما لم يكن ليتغير لو صعدت منافسته”.
جعل ترامب من نفسه رسولا للسلام في تصريحاته، فكتب ترامب في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي (إكس): خلال إدارتي كان لدينا سلام في الشرق الأوسط، وسيحل السلام مرة أخرى قريبا جدا.
وفي تصريح آخر قال: إنه يريد أن يرى عودة الشرق الأوسط إلى سلام حقيقي- سلام دائم، وسوف نحقق ذلك على الوجه الصحيح حتى لا يتكرر الأمر كل 5 أو 10 سنوات.
لكن “فحماوي” لم يره كما يقدم نفسه، بل توقع أن يزيد جرأته في دعم الاحتلال، بشكل يصل إلى محاولة محو الوجود الفلسطيني، فقال: “بالنسبة لترامب فقد قال في تصريحات سابقة أن إسرائيل دولة صغيرة يجب أن تتوسع، والسؤال هو :أين تتوسع؟، بالطبع توسعها لن يكون إلا على حساب الأردن ومصر وسوريا ولبنان، نعم لا يستطيع جيش العدو دخول عمق مصر وبلاد الشام الآن، لكن ترامب يريد أن تبقى إسرائيل الدولة القوية بالمنطقة، فهو صاحب فكرة يهودية الدولة وصاحب فكرة نقل السفارة الأمريكية للقدس، وبالتالي سيمضي قدمًا في تلك السياسة، وقد قال: “إنه سينهي الحرب لينشر السلام بالعالم”، لكنه لا يقصد إلا سلام الكيان الصهيوني”.
2. وقف إطلاق النار
“وقف الحرب…” هو تلك العبارة الرنانة التي أجاد “ترامب” اللعب بها في حملته الانتخابية، وفي محاولة لكسب أصوات الجالية العربية في الولايات المتحدة، ركز على لبنان التي تعد جاليتها أكبر الجاليات العربية هناك، فأسهب في وعود إنهاء الحرب في لبنان، فقال في تصريح في خضم معركته الانتخابية: سأحل المشكلات التي سببتها كامالا هاريس وجو بايدن وأوقف المعاناة والدمار في لبنان.
ولم يأت على ذكر حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال في غزة والضفة الغربية، وكأنها ليست طرفا في الحرب أو السلام المزعوم في الشرق الأوسط، مافسره “فحماوي” في قوله: “ترامب قال في تصريحاته عن الحرب: إن وضع نهاية للحرب ينبغي أن يكون في إطار انتصار إسرائيل، لذا لن يلجأ لوقف إطلاق النار إلا إذا استطاع مع نتنياهو تحقيق إنجاز استراتيجي بالنصر على المقاومة- لا سمح الله، أو بفرض الشروط الإسرائيلية على المقاومة، فهو يريد نصر للكيان الصهيوني أولا ومن ثم وقف إطلاق النار”.
وصعد أحد المصادر الأمريكية في تصريحاته (لإسرائيل اليوم) بتوقعات دعمه للاحتلال في الحرب في غزة: بأن الرجل قد يؤيد ويدعم عمليات تكميلية للاحتلال في غزة، عقب انتهاء الحرب.
3. دخول الحرب الإقليمية
بتواتر الحديث عن توجيه إيران ضربة عسكرية للاحتلال، لاحت في الأفق بوادر الحرب الإقليمية، بيد أن “ترامب” وعد في تصريحاته أنه سيمنع اندلاعها، فقال: سأضع حدًا للفوضى في الشرق الأوسط، وسأمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة.
وقد نفى “فحماوي” صحة تلك الصريحات، فقال: “أعتقد أن ذلك من أجل الدعاية الانتخابية، فقد قال في تصريحات سابقة: لن أدخل حروب إلا إذا فرضت عليِّ، إذًا ترك الباب مفتوحًا أمام تنفيد تصريحاته”.
وأضاف مؤكدًا على احتمالات دخول “ترامب” الحرب دون خطوط حمراء: “فعليا يمكن أن يقدم على دخول الحرب، لاسيما إن وجد أن إسرائيل لا يمكنها تحقيق النصر، وإن دخل الحرب سيكون ذلك أمام محور المقاومة بالكامل، بل وقد يتخطى كل الخطوط الحمراء الدولية التي تحرص على منع دخول حرب إقليمية، بيد أنه إذا دخل الحرب فهو الخاسر، فالدولة العميقة بأمريكا لا تريد الحرب الإقليمية”.
توقعات وتخوفات جميعها تدور حول الرجل، الذي صعد منذ يومين إلى مقعد الحاكم الأمريكي، لتكمل صورته التي طالما تحدث عنها الشارع السياسي، باعتباره “الرئيس الأمريكي الأكثر إثارة للجدل”، لكن أيها سيصدق في قضية على الرغم من ثبوت عدالتها، لا تجد من ينتصر لها حتى أقرب الأقربين، وهذا ما سيصدق عليه الرجل مع الساعات الأولى لاستلامه منصبه.
تعليق واحد