تاتو وقصات شعر وألفاظ غريبة.. من المسؤول عن فوضى المظهر العام في المجتمع؟

بات التقليد الأعمى ظاهرة تسيطر على الشباب دون وعي بعضها يتمثل في الموسيقى الصاخبة، اللباس الغريب ورسومات التاتو، و قصات الشعر الأكثر غرابة، الألفاظ الدخيلة بين كل جملة وأخرى ربما تكون هذه السلوكيات تحمل في ظاهرها مسمى الموضة ومواكبة الحداثة، يلهثون ورائها دون معرفة أصولها ولا الهدف من اتباعها.
تشمل الظاهرة كذلك استعراضات للرقص والفيديوهات المخلة للحياء وغيرها، هذا ما يسمى بالتقليد الأعمى أو ما نستطيع أن نطلق عليه التقليد المذموم ؛ ولكن هل يرى المقلد أن التقليد شىء مكروه أم يراه حرية شخصية ما لم يضر به أحد؟
وما حكم الدين من ذلك؟ وما وجهة نظر المختصين في هذه الظاهرة؟ التحقيق التالي يجيب عن كل تلك الأسئلة..
التقليد الأعمى ومخالفة المألوف
التقليد هو محاولة التشبه بالآخرين في الأقوال أو الأفعال أو أسلوب الكلام أو أسلوب الحياة، وهو نوعان:
النوع الأول: له غاية نبيلة سامية، وهو ما يسمى بالتقليد المطلوب أو المباح ، وهذا النوع من التقليد هو النوع النافع الذي يجلب الخير الوفير والعمل الصالح للإنسان ، ومن أمثلة ذلك تقليد الأمم الأخرى في علومها المتقدمة وابتكاراتها و صناعاتها التي تكون سبباً في تحسين الحياة وتسهيلها ، وأما النوع الثاني من التقليد فهو التقليد الأعمى أو ما يمكن أن تسميته التقليد المذموم المكروه أو المحرم في الإسلام ، وهو التقليد واتباع من لا يستحق أن يكون قدوة حسنة وقدوة يحتذى بها ، وهذا التقليد هو الذي يوصل الناس إلى الهاوية.
مابين الاستقلال والانقياد
أريد أن أنقذ نفسي، هذا ما تراه منال ، طالبة في كلية الخدمة الإجتماعية، قائلة : “بالنسبة لي ، التقليد أمر مذموم، وأحاول أن أمتلك شخصية مستقلة، بفكري وعاداتي، وأحاول أن أنقذ نفسي من تلك الاتجاهات والظواهر الغربية التي أصبحت شائعة بين شباب هذا الجيل.
وتقول حبيبة، إحدى المراهقات: “أسعى دائمًا إلى التشبه بمطربي المفضلين، أحفظ كلمات أغانيهم ورقصاتهم، بل أؤديها أمام المرآة في غرفتي ، وأقوم بتسجيل فيديوهات التيك توك ، غير مبالية بانتقادات عائلتي ، أنا شغوفة بالأغاني، ولا يهم كيف تكون، هل هي صافية أم لا، أو كيف تكون كلماتها”.
وأضاف مصطفى شاب في مطلع العشرين: “إن التقليد لنجومي المفضلين لا يعتبر تقليداً أعمى، بل أراه تعبيرا عن حبي الكبير لهم، وهذا أمر يخصني وحدي ما دام لا يسبب ضرراً أو أذى لأحد.
وتقول ليلى، ربة منزل تبلغ من العمر 39 عاماً، إن الشخص الذي يقلد وينسخ تصرفات الآخرين “نسخ ولصق” لا يتمتع بشخصية مستقلة، لأنه لو كان يتمتع بشخصية مستقلة لكان قد بدأ يفعل ما يناسبه ويعمل لصالحه.
وأضافت: إن الناس فيما بعد ينفرون من الشخص الذي يقلد لأنه من الواضح أنه يتبنى سلوكاً لا يناسبه ولا يسعى إلى خلق أسلوب فريد خاص به.
خروج عن المألوف
يقول أستاذ علم النفس دكتور محمود عبدالعزيز إن أسباب ودوافع هذه الظاهرة كثيرة ومتشعبة أهمها الفراغ الديني والفكري والعاطفي الذي يجعل الشخص مشتتاً فكرياً.
يضيف: وبالتالي يقوم بالتقليد دون أدنى تفكير بمجتمعه أو ما يناسبه، والمقلد عموماً شخصية قد تكون أقرب إلى الاضطراب النفسى تشكو من النقص وعدم الثقة بذاتها، قلقة وغير مستقرة تبحث عن ذاتها من خلال الآخرين ولا يمكنها أن تنظر في أعماقها لتكتشف مواقع القوة والضعف بل تهرب إلى التفكير السطحي والكسب السريع والإطراء من الآخرين.
ويشير إلى أن غياب الدور الرقابي من قبل وسائل الإعلام والأسرة والتوجيه والإرشاد من أهم أسباب ظاهرة التقليد الأعمى، مضيفاً أن الطفل أكثر تأثيراً من البالغ الراشد لأن معلوماته وخبراته قليلةوعندما يكبر فهو يصبح أقل تأثرًا وأكثر تأثيراً واستقلالية.
يتابع: التقليد بالمعنى المرضي يعني التأثير الشديد بالآخرين والبحث عن تقليدهم في الملبس والشكل والهيئة وطريقة الكلام والمشتريات وغيرها دون أن يكون في ذلك مصلحة حقيقية أو نفع أو ملائمة لشخصية الإنسان وظروفه الخاصة.
يؤكد أن سر تأثر الشباب في كل ما هو جديد يرجع إلى طبيعة هذه الفئة الإجتماعية والمرحلة العمرية فالشاب بطبيعته إنسان حركي حيوي ومزاجي أيضاً يحب التغيير والتجديد في كل شيء ولا يميل إلى السكينة ولا يهنأ بالهدوء ، لذا تراه دائم البحث عن الجديد الخارج عن المألوف والمتمرد على القواعد الثابتة الرتيبة، كسراً للروتين وتأكيداً لحضور الذات الطامحة إلى الظهور بالصورة الجميلة المتفردة اللافتة بل المدهشة.
معالم غير واضحة
يقول دكتور احمد زين أستاذ علم الإجتماع أن السبب الرئيسي وراء هوس تقليد الشباب للغرب هو أن حضارتنا العربية أصبحت معالمها غير واضحة لهم.
يضيف: أصبح الإعلام بوسائله المختلفة لا يسلط الضوء إلا على الحضارة الغربية كما أنه يروج لها علي أنها أساس ومظهر كل تقدم، فأصبح رأسها في عقول الشباب أن كل ما هو غربي فهو دليل على التمدن والتقدم، لذا أصبح الشباب الخاصة المراهقين منهم يعزفون عن مطالعة وتقليد كل ما يمس بالأصل العربي وأخذوا يقلدون الغرب في جميع سلوكياتهم مما أدى إلى خلل حقيقي في أفكارهم و إلي جانب هذه السلوكيات التي تمكنت من أحشاء المجتمع يوجد أيضاً سلوكيات خفيه تحفر في باطن الأجيال الحالية والقادمة لأجل أن تذهب بهم إلى الهاوية مثل تعاطي الحشيش بأنواعه والحبوب المخدرة المختلفة ولا شك أن هناك أطفال تقوم بتعاطى المخدرات جراء مشاهدتها لبعض المقاطع السينمائية التي تعرضها السينما لكيفية تعاطي المخدرات بكل التفاصيل ابتداء من شرائه وحتى تعاطيه.
تابع: تعتبر هذه الموجة من السلوكيات لیست حريات شخصية بل موجه من التمييع والانحطاط السلوكي التي تهدف إلى إسقاط شخصياتهم ورجولتهم وحتى الشذوذ الجنسي بدأت تنتشر ظواهره بين الشباب والجميع يعلم بأن ظاهرة الشذوذ ظاهرة غريبة يمارسها المجتمع الغربي بكل فئاته مما يوحي بمدى تبني سلوكيات خاطئة لأي فعل حتى وإن كان مخالف للدين والعادات والتقاليد والمعتقدات العربية.
التقليد والتبعية
«إنا جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون».. هكذا يبدأ الشيخ محمد، إمام وخطيب ومدرس بالمعهد الأزهري جوابه عندما سأل عن أدلة من القرآن الكريم تذم التقليد والتبعية، وهنا ينهى القرآن عن التبعية والتقليد للذين لا يعلمون.
ودلل على ذلك بحيث النبي صلى الله عليه وسلم « من تشبه بقوم فهو منهم ويوم القيامة يُحشر معهم كما يُحشرون» وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من تشبه بغيرنا وينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب والمشركين ويكمل حديثه بأنه أدلة القرآن والسنة كثيرة لا حصر لها، وتلك نصوص قرآنية ونبوية مفادها أنه لا يجوز بل يحرم تقليد عادات وتقاليد وملبس من تختلف ثقافاتهم عنا، خصوصاً إن كانت تلك العادات تصطدم مع الشريعة الإسلامية.
ويضيف: أن الإسلام نهى عن التقليد والتبعية حتى يكون للفرد منا شخصيته المستقلة، لأن المتبع يلغي شخصيته بتقليده غيره، فالمتبع يرى ببصر من يتبع، ويسمع بأذن من يتبع، ويفكر بعقل من يتبع، فأعظم مصيبة أبتليت بها الأمة اليوم هي التبعية وتقليد أهواء الذين لا يعلمون والتبعية والمقاومة أضعفت روح المقاومة عند شباب المسلمين وبثت في نفوسهم الضعف والذلة، ولو نظرنا في تاريخ الأمة الإسلامية لتعجبت من أمجادها وعلو مكانتها لأنها كانت متمسكة بالقرآن والسنة النبوية، ما كانت تقلد غيرها من الأمم، ولو نظرنا لحال الأمة اليوم لوجدت الأمجاد قد ذهبت وحلت مكانها الهشاشة النفسية والضعف”.
لأن المقلد يلغي وجوده بتقليد غيره ويقضي على كيانه، فالشباب والشابات اليوم أشربت قلوبهم بحب التقليد والتبعية للغرب في مظاهرة وسلوك حياته.
القضاء على ظاهرة التقليد الأعمى
أكدت دكتور النفسية منة فكري « إن ظاهرة التقليد الأعمى خطيرة يتعرض لها المجتمع وخاصة الأجيال الحالية التي تنقاد بكل سهولة خلف ما هو غير مألوف وكل هذه السلوكيات الخاطئة تعد جريمة يرتكبها الشباب في حق أنفسهم وفي حق المجتمع والوقوف بوجهها هي مسئولية الحكومة بكل أجهزتها إلى جانب وضع السياسات التربوية والتعليمية والمجتمعية للحد من تلك الظواهر التي سببت ولا تزال تسبب في ضياع شبابنا وضياع مستقبلهم».
ترى هل يقنع الشباب بأن التقليد خلق مذموم سيؤدي به إلى الهاوية أم سيظل مستمر في سيره كالقطيع من الأغنام وراء حاديه!