في قبضة الوزير.. تطوير التعليم بين الطموح والمركزية
تعديل قانون التعليم بعد 44 عامًا يفتح آفاقًا جديدة للتعليم المهني والتكنولوجي

تحقيق: فاطمة الزناتي
بعد مرور أكثر من أربعة عقود على صدور قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، جاءت التعديلات الجديدة لتعيد رسم خريطة التعليم في مصر، من خلال ربطه بسوق العمل، واستحداث مسارات مهنية وتكنولوجية. خطوة رحّب بها البعض بوصفها تأخرت كثيرًا، بينما أثارها آخرون بوصفها تمنح وزير التعليم سلطات واسعة تثير مخاوف من تغوّل المركزية على حساب المشاركة المؤسسية. فهل نحن أمام تطوير حقيقي؟ أم مركزية خطرة قد تعيدنا إلى الوراء؟
تحديث منظومة التعليم قبل الجامعي
يأتي هذا التعديل في إطار خطة شاملة لتحديث منظومة التعليم قبل الجامعي، بما يشمل تحسين جودة المخرجات التعليمية، والتركيز على تأهيل الطلاب علميًا ومهاريًا.
التعليم التكنولوجي وربطه بسوق العمل
كما يولي المشروع اهتمامًا خاصًا بمسارات التعليم التكنولوجي والتقني وتكنولوجيا الأعمال، لمواكبة التطورات المستقبلية، وتعزيز الشراكة بين المؤسسات التعليمية وقطاعات الإنتاج، بما يدعم الاقتصاد الوطني ويربط التعليم باحتياجات السوق محليًا وعالميًا.
الدكتور/ تامر شوقي
قانون قديم.. وعصر جديد
في ذات السياق، وفي تصريح خاص لجريدة “اليوم”، أكد الدكتور تامر شوقي، الخبير التربوي وأستاذ التقويم التربوي بجامعة عين شمس، أن التعديلات التي أُدخلت على قانون التعليم كانت ضرورة ملحّة لعدة أسباب، أولها أن القانون الحالي رقم 139 لسنة 1981 مضى عليه نحو 44 عامًا، وهي فترة طويلة شهدت تطورًا متسارعًا في العلوم والمعارف والتكنولوجيا، مما يجعل من غير الملائم استمرار العمل بالقانون بصيغته القديمة.
فتح الباب أمام تخصصات مثل النجارة والخراطة والسباكة يحقق التوازن مع التعليم الأكاديمي.
مسارات جديدة.. وفرص واقعية
وأضاف تامر شوقي أن من أبرز دواعي التعديل هو ظهور مسارات تعليمية جديدة في مصر، خاصة في مجال التعليم التقني والتكنولوجي، مثل مدارس التكنولوجيا التطبيقية، والتي لم تكن موجودة سابقًا، حيث كان النظام مقتصرًا على التعليم الثانوي العام والفني فقط. لذا كان من الضروري إدراج هذه المسارات في القانون الجديد.
وأشار شوقي أيضًا إلى استحداث مسار جديد في الثانوية العامة وهو “مسار التعليم المهني”، الذي يلائم الطلاب الذين لا يفضلون النمط الأكاديمي التقليدي ويميلون إلى الجوانب العملية، مثل تخصصات السباكة، والنجارة، والخراطة.
لماذا كان إصدار القانون الجديد ضرورة؟
ويُتيح هذا المسار للطلاب تعلُّم مهن تعتمد على المهارات اليدوية، ما يسهم في إعدادهم لسوق العمل بشكل أفضل. ولهذه الأسباب، كانت الحاجة ملحّة لإصدار قانون جديد يواكب متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية.
صلاحيات الوزير.. تطوير أم انفراد بالقرار؟
وقال شوقي ، تتعلق المادة رقم 26 من القانون بتحديد وزير التربية والتعليم للمواد الأساسية والاختيارية في الثانوية العامة بعد موافقة المجلس الأعلى للجامعات ومجلس التعليم ما قبل الجامعي. ورغم أن هذه المادة لم تختلف جذريًا عن سابقتها، إلا أن هناك نقطتين تحتاجان إلى توضيح. الأولى هي عدم ذكر المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار، الذي يتولى وضع سياسات التعليم. الثانية تتعلق بضرورة وجود ضوابط واضحة تحدد المواد الأساسية والاختيارية، بما يضمن عدم تغييرها بشكل متكرر مع كل وزير.
الهيكلة الإدارية والقرارات الوزارية
وفيما يخص قرار وزير التعليم بشأن هيكلة المرحلة الثانوية دون موافقة المجلس الأعلى للجامعات، أوضح الدكتور شوقي أنه لا يوجد دليل على عدم الأخذ برأي المجلس. فالقانون يتطلب استشارة المجلس الأعلى للجامعات ومجلس التعليم ما قبل الجامعي، ومن المتوقع أن الوزير قد حصل على موافقة المجلس. كما أشار إلى أن القضاء المصري يراعي القوانين واللوائح قبل إصدار أي قرار، مما يضمن الالتزام بالقانون.
تأثير المواد التعليمية على الطلاب
وأكد الدكتور تامر شوقي أن القرار لن يؤثر سلبًا على ضغط المذاكرة على الطلاب، إلا أن الأهم هو توافق المواد التي يحددها الوزير مع قدرات وميول الطلاب في كل شعبة أو مسار. يجب أن تكون المواد متناسبة مع احتياجات الطلاب لضمان تحقيق النجاح الأكاديمي والمهني.
الدكتور/عاصم حجازي
رؤية تربوية متنوعة.. وآراء متباينة
قال الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية – جامعة القاهرة، إن القرارات التعليمية الأخيرة جاءت استجابة ضرورية لمتطلبات العصر الحديث، ومواكبةً للتغيرات السريعة والمتلاحقة التي تستدعي استجابة مرنة من النظام التعليمي.
تعزيز المرونة والتنافسية
وأوضح دكتور حجازي، أن هذه القرارات تهدف إلى منح التعليم، وخاصة الثانوية العامة، قدرًا أكبر من المرونة، بما يعزز من القدرة التنافسية للنظام التعليمي المصري، ويجعله أكثر توافقًا مع طموحات الطلاب المختلفة والمتنوعة.
مد سن الإلزام ضرورة عصرية
وأشار إلى أن مد سن الإلزام لـ 12 سنة أصبح ضرورة ملحة في ظل التغيرات المعرفية والمهنية؛ فالطالب لم يعد بإمكانه تحصيل المهارات والمعارف الأساسية المطلوبة في تسع سنوات فقط، كما أولت القرارات اهتمامًا متزايدًا بالتعليم التكنولوجي والمهني، مما يسهم في ربط التعليم بأهداف التنمية المستدامة، ويعزز من جودة المنظومة التعليمية، ويساعد في معالجة قضايا مجتمعية هامة مثل البطالة والهجرة غيرالشرعية.
أهمية دور القطاع الخاص
وشدد الدكتور عاصم حجازي، على أهمية إشراك القطاع الخاص في دعم العملية التعليمية، لما له من دور كبير في تطوير التعليم الفني والتكنولوجي، إلى جانب دعم التعليم العام.
استمرار خدمة المعلمين المحالين للمعاش
وأضاف أن استمرار المعلمين المحالين إلى المعاش حتى نهاية العام الدراسي يساهم في استقرار العملية التعليمية، ويضمن تحقيق الأهداف التربوية دون خلل، مع حفظ حقوق الطلاب في التعليم الكامل.
حوكمة الجمعيات التعاونية التعليمية
وأكد حجازي، أن حوكمة المدارس المنشأة من خلال الجمعيات التعاونية التعليمية خطوة مهمة لضمان جودة التعليم وتحقيق الأهداف التي وضعتها الوزارة.
تشجيع الابتكار من خلال المدارس التجريبية
وأشار دكتور عاصم، إلى أن السماح بإنشاء مدارس وبرامج تجريبية يمثل تشجيعًا واضحًا على الابتكار، ويعزز من التنافسية، مما ينعكس على جودة التعليم ومخرجاته.
ومن بين أبرز القرارات أيضًا، إدخال مواد أساسية وأخرى اختيارية في الثانوية العامة، وهو ما يتيح للطلاب اختيار ما يناسب ميولهم وقدراتهم، ويخفف من الضغوط الدراسية، ويجعل التعلم أكثر متعة ومعنى، كما يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على الدروس الخصوصية ومحاولات الغش.
تمكين الوزير مع ضمان الرقابة المؤسسية
وأشار الدكتور عاصم حجازي، حديثه إلى أن القرارات منحت وزير التربية والتعليم الحق في تقديم رؤيته لتطوير التعليم، على أن تُعتمد بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي والمجلس الأعلى للجامعات، وهو ما يضمن التوازن بين المرونة والتطوير من جهة، والاستقرار والانضباط من جهة أخرى، بما يخدم نمو النظام التعليمي وتقدمه بشكل مستدام.
الدكتور/ مجدي حمزة
أهمية وضوح القرارات التعليمية
أكد الدكتور مجدي حمزة الخبير التربوي والتعليمي ، على أهمية أن تكون القرارات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم واضحة ومحددة، خاصة بعد الأحداث الأخيرة والارتباك الذي شهدته. وأشار إلى أن القرارات الأخيرة التي اتخذها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بالتعاون مع وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، حددت عدد سنوات التعليم الأساسي بـ 12 سنة، تليها الدبلومات التي تمتد لسنتين وثلاثة وخمسة سنوات. ورغم أن هذه القرارات ليست جديدة، فإن التعديلات التي شملت إضافة نظام الخمس سنوات تعكس مزيداً من الدقة والوضوح مقارنة بما كان عليه الوضع سابقاً.
تأثير القرارات على المعلمين والطلاب
وأوضح الدكتور مجدي حمزة أن هذه القرارات تحمل تأثيرات إيجابية على كل من المعلمين والطلاب من الناحية التربوية، حيث تساعد الطلاب على التركيز بشكل أكبر على مستقبلهم أثناء هذه المرحلة العمرية. ومع ذلك، أشار إلى أن الصلاحيات الجديدة التي تم منحها ليست فعالة بما يكفي وتحتاج إلى مزيد من الضوابط.
ضرورة توزيع الصلاحيات
وحذر من أن تركيز جميع القرارات في يد وزير التربية والتعليم فقط يشكل خطراً، حيث يجب أن يكون للمجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي والمجلس الأعلى للتعليم والابتكار دور فعال في عملية اتخاذ القرار. إن إسناد جميع الصلاحيات للوزير دون الرجوع إلى المجلس الأعلى يعد خطأ تربوياً واضحاً.
مقارنة مع السياسات العالمية
وأشارحمزة إلى أن هناك دولاً متقدمة تتمتع بسياسات تعليمية واضحة، حيث لا توجد سياسة تعليمية مرتبطة بشخص الوزير فحسب، بل هي سياسة دولة شاملة. وبالتالي، يجب أن يكون دور الوزير هو تنفيذ هذه السياسات بدلاً من تحديد استراتيجيات التعليم بمفرده.
أهمية وجود استراتيجية واضحة في التعليم
وعبر الدكتور مجدي حمزة عن أهمية عدم منح الوزير صلاحيات مطلقة في اتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بوزارة التربية والتعليم. إذ يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة للدولة تحدد الإطار العام لسياسات التعليم، حيث يكون دور الوزير هو تنفيذ هذه الاستراتيجية، وليس اتخاذ قرارات قد تضر بمصالح الوزارة أو الطلاب.
المخاطر المحتملة من الصلاحيات المطلقة للوزير
وحذر الدكتور مجدي حمزة من المخاطر المرتبطة بإعطاء الوزير صلاحيات مطلقة في اتخاذ القرارات. فقد تحدث حالات سابقة أدت إلى اتخاذ قرارات تتعارض مع مصلحة التعليم والطلاب، مما يعكس ضرورة وجود منظومة متكاملة تحدد سياسات التعليم بدلاً من الاعتماد على رؤية فردية.
التحديات المتعلقة بمد سن المعاش للمدرسين
وناقش الدكتور مجدي حمزة موضوع مد سن المعاش للمدرسين، مشيراً إلى أنه قرار سابق لأوانه ولا يمكن الحكم عليه بصورة دقيقة في الوقت الحالي. ويعتبر أن التجربة وحدها كفيلة بإثبات فعالية أو عدم فعالية هذا القرار، وخصوصاً في ظل ظروف تقاعد بعض المعلمين في أوقات الإجازات.
الحلول الجذرية لمشكلة عجز المدرسين
وأوضح الدكتور مجدي حمزة أن الحلول المؤقتة لسد عجز المدرسين ليست كافية، وأن الحل الجذري يجب أن يكون من خلال معالجة مشاكل العجز من جذورها. وأكد على ضرورة اتخاذ قرارات مدروسة ومسبقة تتعلق بالتعليم، بحيث تكون هذه القرارات مصاحبة لرؤية مستقبلية وشاملة من قبل الدولة وليس مجرد استجابة لتوجهات فردية.
ضرورة التنسيق بين الجهات المعنية
وشدد الدكتور مجدي حمزة على أهمية التنسيق بين مختلف الجهات المعنية عند اتخاذ قرارات تتعلق بالتعليم، حيث يجب أن تكون هذه القرارات مستندة إلى دراسات شاملة وأن تتماشى مع السياسات العامة للدولة. إن ذلك يضمن أن تكون قرارات التعليم فعالة ومستدامة ولا تعكس فقط رؤية الوزير الشخصية.
أهمية العقل الجمعي في اتخاذ القرارات
وأكد الدكتور مجدي حمزة على ضرورة أن تكون القرارات التعليمية ناتجة عن جهود جماعية، حيث إن التفكير الجماعي الذي يتضمن مجموعة من الأفراد ذوي الرؤى المختلفة يكون أكثر فاعلية من الاعتماد على قرار فردي. لذا، ينبغي على الوزير التشاور مع المجلس الأعلى للتعليم قبل اتخاذ أي قرار لضمان توافق السياسات التعليمية مع مصالح الطلاب ووزارة التربية والتعليم بشكل عام.
الأستاذة / داليا الحزاوى
رأي المجتمع.. صوت أولياء الأمور
أشارت داليا الحزاوي، مؤسسة ائتلاف أولياء أمور مصر والخبيرة الأسرية، إلى الجهود المستمرة للدولة في تحديث منظومة التعليم لتتماشى مع رؤية مصر 2030.
وتابعت الحزاوي أن مد خدمة أعضاء هيئة التعليم الذين يبلغون سن التقاعد حتى نهاية العام الدراسي في أغسطس سيساهم في استقرار العملية التعليمية بالمدارس.
تطوير التعليم الفني
وأوضحت الحزاوي أن التعديلات الخاصة بالتعليم الفني ستساهم في مواءمة نظام التعليم الفني مع متطلبات سوق العمل، مما سيحفز العديد من الطلاب على الالتحاق به.
مرونة تطوير التعليم الثانوي
وذكرت الحزاوي أن منح مرونة للوزير في تطوير منظومة التعليم الثانوي، بالتشاور مع المجلس الأعلى للتعليم ما فوق الجامعي والمجلس الأعلى للجامعات، يعد خطوة إيجابية نحو تحسين العملية التعليمية.
وأكدت الحزاوي على أهمية اعتماد مناهج الدراسة في الثانوية العامة على ميول واتجاهات الطلاب، مما سيساهم في تخفيف معاناة الطلاب من النظام القديم.
مناشدة للحوار المجتمعي
وناشدت الحزاوي وزارة التربية والتعليم بضرورة إجراء حوار مجتمعي بحضور ممثلين لأولياء الأمور عند اتخاذ القرارات المهمة، مع توفير خط ساخن لتلقي الشكاوى.
“بين تطوير مطلوب وتأخّر طويل، وبين صلاحيات مرنة وتخوّف من التفرد بالقرار، تظل عملية إصلاح التعليم معركة توازن دقيقة بين الت
حديث وضمان المشاركة المؤسسية. ويبقى السؤال: هل سننجح هذه المرة في بناء تعليم يُواكب العصر، أم سنتعثّر في دوامة القرارات الفردية؟”