
تقرير: مروة محي الدين
في أول ظهور له منذ بدء المواجهات في السويداء، والتدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا، رفض الرئيس السوري “أحمد الشرع” خيار الحرب مع الاحتلال، على الرغم من إعلانه أنه لا يخشاها، عاد يؤكد أنه اختار تغليب مصلحة السوريين على الفوضى والدمار.
وذلك في إطار تبريره لخياره في التعامل مع الاحتلال، الذي دأب على الحفاظ عليه منذ صعوده إلى سدة الحكم، الذي تزامن مع استيلاء الاحتلال على كامل هضبة الجولان، وتوغل جيشه في منطقة جبل الشيخ، ثم توجيه ضربات طالت محيط القصر الرئاسي في مايو الماضي، وانتهاء بما حدث في الأيام الأخيرة من قصف محيط القصر الرئاسي للمرة الثانية، وقصف مقر هيئة الأركان، ووزارة الدفاع وغيرها من المواقع الإستراتيجية.
وهي الأحداث التي قابلها الشرع بالاختفاء عن الصورة، حتى فجر اليوم عقب التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار مع الاحتلال، ما فسره محللون بأنه اختباء خشية الاغتيال، الذي دعا إلى تنفيذه أعضاء بحكومة الاحتلال على رأسهم وزير الأمن “إيتمار بن جفير”، كذلك ربط “أسامة حمدي”- الباحث المتخصص في الشأن الإيراني- بين ما وصل إليه الشرع وخيار عدم المواجهة مع الاحتلال، فقال في تصريحات خاصة لموقع “اليوم“: “الشرع يدفع فاتورة الموائمات، والخنوع والخضوع لإسرائيل، متجاهلا أن تكلفة المقاومة أوفر وأسهل من تكلفة المساومة”.
ما يطرح الأسئلة عن الأسباب الحقيقية القابعة وراء الضربة الإسرائيلية، في ظل خيار الموائمة الذي التزم به الرئيس السوري، والأهداف التي يسعى الاحتلال لتحقيقها من هذه الضربة:
أسباب الضربة
بينما رأى مراقبون أن ضرب الاحتلال سوريا هو جزء من سياسية القفز للأمام، التي ينتهجها رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، للهروب من أزماته الداخلية، رفع الاحتلال في تصريحاته المعلنة راية الدروز، معللا ضرباته بحمايته حقوقهم المنتهكة على يد النظام السوري، وأكد أن تركاته تأتي في إطار “التزام أخلاقي وأمني” بالدفاع عنهم.
وتوعد رموز حكومة الاحتلال بزيادة الضربات، ما لم تتوقف الهجمات على الدروز، الذين تجمعهم بهم روابط وثيقة، وقد وقف “نتنياهو” يباهي بنصره، حيث تمكن من تحقيق مبتغاه، فلم يتوقف إطلاق النار إلا باستخدامه القوة، التي أجبرت الجيش السوري على الانسحاب من السويداء إلى دمشق، تاركا تأمين المحافظة للجان من الدروز أنفسهم.
وقد فسر “حمدي” ذلك في تصريحاته، فأرجع أسباب العدوان الإسرائيلي، لعدم تمكنهم من إبرام اتفاق مع “الشرع”، فقال: “خلال الأيام الماضية أراد الشرع التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل في أذربيجان، التي تملك إسرائيل نفوذا كبيرا فيها، وعلاقات قوية مع نظامها السياسي، وحاولت الأخيرة فيها جر الرئيس السوري نحو التطبيع معها، والتوسع في اتفاقات إبراهام، لكنه قابل ذلك بالرفض، إذ يرى الوقت غير مناسب للتطبيع، لاسيما في ظل رفض قطاع كبير من الشعب السوري ومليشياته للتطبيع”.
وتابع: “لكنه حاول إبرام اتفاق أمني معهم، يتم بمقتضاه وقف الهجمات الإسرائيلية على سوريا، ويلتزم الاحتلال بموجبه باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، وتنسحب من منطقة جبل الشيخ، فرفضت سلطات الاحتلال ذلك، مصرة على إطلاق يدها في الداخل السوري، وحماية الدروز وعدم السماح ببناء دولة مسلحة ذات طابع ديني على حدودها، ومن هنا وقع الشقاق وحدث ما رأيناه من غارات إسرائيلية وتهديدات باغتياله شخصيا وإسقاط نظامه”.
لما رفض الحرب؟
في خطابه فجر اليوم، علل الرئيس السوري رفضه للحرب المفتوحة مع الاحتلال، بأنها ستكون على حساب الدروز من أبناء سوريا وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، ومن هنا تم تغليب المصلحة الوطنية على كل خيار، وقد أكدت الرئاسة التركية التي كانت وسيطا فاعلا في اتفاق وقف إطلاق النار أن تحركات الاحتلال “تهديد لكامل المنطقة”.
وفي هذا الإطار، قال “حمدي”: “سوريا الآن في مرحلة بناء، وتحتاج لمليارات الدولارات لبناء الدولة وبنيتها التحتية وشبكات الكهرباء، وإعادة إعمار المؤسسات السورية، لذا فالشرع الأن أبعد من يكون عن الحرب، والدخول في مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل، كما أنه يبدو أنه لا يملك السيطرة الكاملة على مليشياته التي أساءت للدروز، وارتكبت أفعال إذلال لهم”.
لغم طائفي يمزق سوريا
“إسرائيل تحاول تمزيق سوريا، وسعت تحويل سوريا إلى ساحة فوضى غير منتهية”… هكذا وصف “الشرع” في خطابه تدخل الاحتلال في سوريا، مؤكدا أن استهداف الاحتلال للمنشآت الإستراتيجية الحكومية والمدنية، كان بهدف “تقويض جهود مواجهة الفصائل الخارجة عن القانون”.
في إشارة واضحة لمحاولات الاحتلال اللعب على وتر الطائفية المتأزم في سوريا، وهو الملف الذي سعى “الشرع” لاحتوائه، فعاد في خطابة يؤكد على حماية الدولة للدروز، وحفظ حقوقهم وحريتهم، ووعد بمعاقبة من أساء إليهم، حتى وعد بطرد من وصفهم “بالمجموعات الخارجة عن القانون من السويداء”.
وحول تلك الأزمة، قال “حمدي”: “الملف الطائفي في سوريا هو لغم قابل للانفجار في سوريا، ومن هنا يرغب الشرع في تبني خطاب تصالحي، في تلك الفترة الانتقالية، ولكن إساءة مليشياته للدروز فتح للاحتلال ذريعة للتدخل”.
وصعد من مخاطر تأجيج الوضع الطائفي في سوريا، فأضاف: “وسوف يكون الأداة لتقسيم سوريا لعدة دويلات، حيث يترك الجنوب السوري وبه الدروز لإسرائيل، بينما تخصص للأكراد دولة منزوعة السلاح بتوافق تركي، لاسيما وقد أقنعت أنقرة الأكراد بترك السلاح، ويكون الشرع حاكما لمناطق ذات أغلبية سنية في سوريا، وقد يستخدمه الغرب في النزاع مع حزب الله اللبناني، عبر منطقة طرابلس اللبنانية، ذات الأغلبية السنية، التي بدأ يطالب بها فعليا، حيث يدعي تبعيتها التاريخية لسوريا، في محاولة أمريكية- إسرائيلية لوضعه على خط المواجهة مع حزب الله في صراع سني شيعي”.
وهكذا بينما مضى “الشرع” في سياسة الموائمة، وإمساك العصا من المنتصف، والبعد عن خيار المواجهة المباشرة، لم يرض الاحتلال إلا ببسط قوته على سوريا، للحصول على أكبر المكاسب فيها، وإضعاف الدولة وتفتيتها حتى لا تكون لها قائمة، دون النظر لأية اعتبارات أخرى.