دار الإفتاء: خطوات عملية لتحصين النفس من الفتن

في زمن تعاظمت فيه الفتن، وتنوعت مظاهرها بين الشهوات والشبهات، تبرز الحاجة الملحة للبحث عن سبل تحصين النفس وحمايتها. وفي هذا السياق، أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال شغل الكثيرين: كيف أهذب نفسي وأحفظها من الفتنة في هذا العصر؟
جاءت الإجابة عبر فتوى صادرة برقم “8395”، حيث قدمت الدار مجموعة من الإرشادات العملية التي تساعد الإنسان على الثبات في مواجهة الفتن، وتجنب الوقوع في مكائد النفس والشيطان.
الاعتصام بالله أساس التحصين
أشارت دار الإفتاء إلى أن تحصين النفس يبدأ بالاعتصام بالله سبحانه وتعالى، إذ أكدت أن الإنسان إذا أراد مقاومة الفتن، فعليه أن يكون عبدًا طائعًا ومخلصًا لله، متوكلًا عليه في كل أموره، مستعينًا به في مواجهة التحديات، ومحذرًا من الاغترار بالطاعات مهما كثرت. واستشهدت الدار بقول الله تعالى:
> ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: 101].
الاعتصام بالله يعني أن يظل المؤمن دائمًا في حالة لجوء إلى الله بالدعاء، والاعتماد عليه في كل أموره، وعدم الاتكال على النفس أو القوة الذاتية وحدها.
أدوات تزكية النفس وتهذيبها
استعرضت الفتوى عددًا من الوسائل التي يمكن أن يعتمد عليها المسلم لتزكية نفسه وتهذيبها، ومنها:
1. الإكثار من ذكر الله:
أشارت دار الإفتاء إلى أن المواظبة على ذكر الله تعزز حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلب المؤمن، وتمنحه الطمأنينة النفسية والقوة الروحية لمواجهة الفتن.
2. قراءة القرآن الكريم:
أكدت الفتوى أن قراءة القرآن وتدبر معانيه تعد من أهم وسائل تزكية النفس، حيث يعمل القرآن على توجيه الإنسان إلى الخير، ويعينه على مواجهة وساوس النفس والشيطان.
3. التفقه في الدين:
العلم بأمور الدين ومعرفة الحلال والحرام يرفع من وعي المسلم، ويزيد من قدرته على تمييز الحق من الباطل.
4. صحبة الصالحين:
ركزت الفتوى على أهمية اختيار الصحبة الصالحة، حيث إن مخالطة أهل الخير تقوي الإيمان، وتدعم الإنسان في التزامه بالطاعات.
5. الحرص على أداء الفرائض واجتناب الكبائر:
شددت دار الإفتاء على ضرورة التمسك بأداء العبادات الأساسية كالصلاة والصيام، والابتعاد عن الذنوب لا سيما الكبائر التي تُضعف صلة العبد بربه.
التوبة وتجديد العلاقة مع الله
أكدت الفتوى أن الخطأ والذنب ليسا نهاية الطريق، بل إن اليأس من رحمة الله هو أعظم الذنوب. حثت دار الإفتاء على المبادرة بترك الذنوب فورًا، وتجديد التوبة بإخلاص، مشيرة إلى أن الله سبحانه وتعالى فتح أبواب التوبة للجميع دون استثناء.
واستشهدت بقول الله عز وجل: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].
وأوضحت الدار أن ذكر الله من أعظم وسائل تنقية النفس من الذنوب، إذ يساعد المؤمن على استعادة صفاء قلبه ويقوي إرادته لمواجهة الفتن.
المحاسبة المستمرة للنفس
من بين الإرشادات التي قدمتها دار الإفتاء، شددت على أهمية أن يخصص المسلم وقتًا يوميًا لمحاسبة نفسه تلك المحاسبة تعينه على مراجعة أخطائه وتصحيح مساره، مما يساعده على السير بثبات في طريق الاستقامة.
الثقة برحمة الله وعدم اليأس
اختتمت الفتوى بالتأكيد على ضرورة الثقة برحمة الله وعدم الاستسلام لليأس مهما كثرت الذنوب فالله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، يغفر لهم إذا أخلصوا في التوبة، وجعل لهم في كل طاعة فرصة لتعويض ما فاتهم من خير.
رسالة الإفتاء للمسلمين
بهذه التوجيهات، دعت دار الإفتاء المصرية المسلمين إلى استحضار هذه القيم والمعاني في حياتهم اليومية، والتحلي بالصبر والثبات، مشيرة إلى أن التحصين من الفتن يحتاج إلى إرادة قوية وسعي مستمر نحو الطاعة. فالعصر مليء بالتحديات، لكن مع الاعتصام بالله والاستعانة به، يصبح الإنسان قادرًا على مواجهة أي فتنة بثقة وإيمان.