الأدوية المهربة.. تجارة محظورة تهدد الأرواح وتخالف الشرع والقانون

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع الأدوية المهربة، وهي الأدوية التي تدخل الأسواق بطرق غير قانونية ومن مصادر مجهولة دون تصريح من الجهات المختصة، مثل وزارة الصحة.
هذه الممارسة تُعدّ مُحرّمة شرعًا لما فيها من تعريض صحة الناس للخطر وتهديد سلامتهم، فالشريعة الإسلامية تُلزم المسلمين بالحفاظ على النفس البشرية وعدم الإضرار بها، انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
وفقًا لتفسيرات العلماء، فإن وقوع فعل “تُلْقُوا” في سياق النهي في الآية يُشير إلى تحريم أي سلوك يؤدي إلى الهلاك عمدًا، ما لم يوجد مبرر قوي يزيل هذا التحريم وبالتالي، فإن بيع الأدوية المهربة، التي غالبًا ما تكون غير مضمونة الجودة والسلامة، يُشكّل تهلكة حقيقية للأفراد، وهو ما يُناقض مقاصد الشريعة في حماية النفس البشرية.
الغش في الأدوية جريمة أخلاقية ودينية
بيع الأدوية المهربة لا يقتصر على المخاطر الصحية فقط، بل يتعداها ليُعدّ غشًا وتدليسًا على المستهلكين، فالإسلام حرّم الغش بكل أشكاله، وجاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (رواه مسلم).
الأدوية المهربة قد تكون غير فعّالة أو تحتوي على مواد خطيرة، وهو ما يُعرّض المرضى لأضرار جسيمة قد تصل إلى الوفاة.
هذا النوع من الغش يُعتبر جريمة أخلاقية تهدف إلى تحقيق الربح السريع على حساب أرواح الناس، وهو ما يتنافى مع القيم الإنسانية والدينية.
مخالفة القوانين المنظمة وجه آخر للمشكلة
إضافةً إلى الأضرار الصحية والأخلاقية، فإن بيع الأدوية المهربة يُعدّ انتهاكًا صريحًا للقوانين المنظمة لهذا القطاع، وهذه القوانين وُضعت لضمان سلامة الأدوية المتداولة وحماية المستهلكين من المنتجات المغشوشة أو غير المطابقة للمواصفات.
ممارسة الصيدلة من قِبَل غير المختصين تُعدّ أيضًا مشكلة كبرى، إذ يتطلب العمل في هذا المجال خبرة علمية متخصصة ومعرفة دقيقة بتركيبات الأدوية وتأثيراتها.
عدم التزام القوانين المنظمة لهذه المهنة يؤدي إلى عشوائية في تقديم الخدمات الصحية، وهو ما يُفاقم الأضرار الناجمة عن تداول الأدوية المهربة.
الوعي المجتمعي السبيل للحد من الظاهرة
في إطار حملة “اعرف الصح” التي أطلقتها دار الإفتاء المصرية، تم تسليط الضوء على أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الأدوية المهربة وممارسة الصيدلة من قِبَل غير المختصين.
الحملة تهدف إلى تنوير المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة وبيان تحريمها شرعًا، مع التشديد على ضرورة احترام القوانين لضمان صحة وسلامة المواطنين.
تُعد هذه الحملات خطوة مهمة في مواجهة ظاهرة بيع الأدوية المهربة والحد من انتشارها كما تدعو الجهات المعنية إلى تكثيف الرقابة على الأسواق وتشديد العقوبات على المخالفين، مع التركيز على توعية المواطنين بخطورة شراء الأدوية من مصادر غير موثوقة.
بيع الأدوية المهربة وممارسة الصيدلة لغير المختصين ليس مجرد مخالفة قانونية، بل تعدٍّ صريح على القيم الشرعية والأخلاقية.
الحفاظ على النفس البشرية، باعتبارها إحدى أهم مقاصد الشريعة، يقتضي اتخاذ موقف حازم من هذه الظواهر، والوعي المجتمعي وتفعيل القوانين هما الأساس لحماية الصحة العامة وضمان بيئة طبية آمنة ومتكاملة.