أديس أبابا تنتهك إعلان أنقرة.. ماذا وراء العدوان الإثيوبي على الصومال؟

تشهد العلاقات بين إثيوبيا والصومال تطورات دبلوماسية وعسكرية لافتة، بعد أيام من توقيع البلدين برعاية تركية “إعلان أنقرة”، منتصف الشهر الجاري، والذي أفضى إلى ما أسماه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “مصالحة تاريخية” بعد تصاعد التوترات في القرن الإفريقي.
ورغم هذه الجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع بين البلدين، برزت قضايا خلافية جديدة على السطح، ما يضع التزامات الطرفين بموجب الإعلان تحت الاختبار، خصوصًا بعد أن اعتدت إثيوبيا عسكريًا على بلدة دولو الحدودية الواقعة بإقليم جوبالاند الصومالي، والتي تنتشر فيها عناصر عسكرية إثيوبية.
انتهاك “إعلان أنقرة”
أمس الإثنين، نفذ الجيش الإثيوبي، هجومًا على مواقع عسكرية وحكومية صومالية، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين القوات والمدنيين الصوماليين، شملت هذه المواقع مقر الجيش الصومالي، وجهازي والشرطة، وجميعها يقع في مدينة دولو الحدودية التابعة إداريًا لإقليم جوبالاند، وهو إقليم يشهد خلافات سياسية حادة بين الحكومة المركزية في مقديشيو وحكومة الإقليم، تطورت إلى اشتباكات بين الطرفين للسيطرة الكاملة على البلدة.
والاعتداء الإثيوبي وقع بالتزامن مع زيارة وفد صومالي على رأسه وزير الدولة للشؤون الخارجية لأديس أبابا؛ لـ”تعزيز السلام” بين البلدين، وبعد أيام من “إعلان أنقرة” اللي وُصف بـ”المصالحة التاريخية” بين الصومال وإثيوبيا بعد أزمة المنفذ البحري في إقليم صوماليلاند الانفصالي.
وفي أحدث تطورات المشهد، أعربت الحكومة الصومالية عن إدانتها لما وصفته بـ”تصرفات القوات الإثيوبية” في بلدة دولو داخل الأراضي الصومالية.
وفي بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية الصومالية، أدانت الحكومة الفيدرالية الصومالية “بشدة العمل العدواني الصارخ الذي ارتكبته القوات اليوم في بلدة دولو”.
من جهتها، نفت إثيوبيا صحة هذه الاتهامات في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية، واعتبرتها “محاولات من عناصر خارجية وأطراف ثالثة لزعزعة استقرار المنطقة”.
أزمة الممر البحري
تأتي هذه التطورات في سياق أزمة أكبر تتعلق بمذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال (الانفصالي) مطلع 2024، بخصوص الوصول التجاري والعسكري لإثيوبيا الحبيسة إلى البحر الأحمر، بعد أن فقدت هذه الميزة مطلع تسعينات القرن العشرين على إثر انفصال إريتريا عنها.
وأثارت هذه المذكرة احتجاجات من الحكومة الفيدرالية الصومالية، التي ترى في هذه الخطوة انتهاكًا لوحدتها الإقليمية، كما تسببت هذه الأزمة في تعقيد العلاقات الإقليمية، حيث تمثل صوماليلاند منطقة ذات وضع سياسي حساس وغير معترف بها دوليًا.
الدور المصري الإقليمي
في ظل هذه التوترات، سعت مصر تعزيز دورها كلاعب محوري في منطقة القرن الإفريقي، إذ يُنظر إليها كشريك استراتيجي للصومال في مواجهة التحديات الإقليمية، خصوصًا مع تقاطع مصالح القاهرة مع مقديشو في الحفاظ على وحدة الدولة الصومالية واستقرارها وسيادة أراضيها، وهو ما دفعها لإعلان المشاركة في قوة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال، وتوقيع القاهرة اتفاق أمني مع مقديشيو.
كما أن مصر تدرك أيضًا أهمية القضية من زاوية استراتيجية أوسع، حيث تسعى إلى مواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد في المنطقة، والذي يمتد من خلال مذكرات التفاهم مع الكيانات الانفصالية ذات الوضع الخاص مثل صوماليلاند في الصومال.
العودة للمربع صفر
تعقيبًا على هذه التطورات، يرى الكاتب الصحفي والباحث في الشأن الإفريقي، ربيع أبو زامل، إن إثيوبيا تسعى جاهدة إلى عودة مفاوضات “الوصول البحري” إلى المربع صفر، بما يسمح لها بالتملص من مخرجات “إعلان أنقرة”، التي دارت أهم نقاطه الرئيسية حول تأكيد البلدين على الالتزام والاحترام لـ”سيادة كل منهما ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه”، إلى جانب تأمين منفذ بحري للأغراض “التجارية” فحسب لإثيوبيا.
وفي تصريحات لموقع اليوم، أضاف أبو زامل أن إثيوبيا لم تنتظر طويلاً لاختراق اتفاق المصالحة برعاية تركية مع الصومال، ولم تنتظر حتى الفترة الممتدة إلى أواخر فبراير المقبل، وهو الموعد المحدد لبدء مفاوضات فنية تمتد لأربعة أشهر بين مقديشو وأديس أبابا، لتثبت جديتها في احترامها والتزامها بما تم التوافق عليه في أنقرة.
ويعتقد الباحث في الشأن الإفريقي أن العدوان الإثيوبي على الصومال في بلدة دولو ومن قبله أزمة الممر البحري في صوماليلاند، يظهر مدى هشاشة الاتفاقيات الإقليمية التي تكون إثيوبيا طرفًا فيها في منطقة القرن الإفريقي.
فبينما مثلَّ الإعلان خطوة إيجابية نحو تهدئة النزاع الإثيوبي الصومالي، أعادت حكومة آبي أحمد الحديث من جديد حول التحديات المتعلقة بالسيادة والحدود كعقبات رئيسية أمام تنفيذ بنود أي اتفاق يخصها، وفق أبو زامل.
ويتطرق الكاتب الصحفي إلى الموقف المصري من هذه التطورات، مستشهدًا بما ذكره وزير الخارجية بدر عبد العاطي، أمس الإثنين، في مؤتمر صحفي بالقاهرة مع نظيره الصومالي، بأن “البحر الأحمر للدول المشاطئة له، ولا يمكن قبول تواجد أي طرف غير مشاطئ له”.
وبالنسبة لمصر، يرى أبو زامل أن هذه التطورات تأتي في وقت حساس، حيث يتطلب الوضع تعزيز التحركات الدبلوماسية المصرية لدعم وحدة واستقرار الدولة الصومالية، مشددًا على أن وحدة الصومال لا تقتصر على كونها مسألة تخص مقديشو وحدها، بل تتداخل مع مصالح مصر الاستراتيجية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
ويضيف أن الأزمة الحالية تكشف أيضًا عن تعقيدات المشهد في القرن الإفريقي، حيث تستغل حكومة آبي أحمد وضع أرض الصومال، كإقليم يسعى للانفصال؛ لإعادة تشكيل توازنات القوى الإقليمية.
تأسيسًا على ما سبق، يشدد الباحث في الشأن الإفريقي على ضرورة أن تعمل مصر على عدة محاور، يأتي على رأسها، مواصلة دعم الصومال في مواجهة التحديات المحلية والخارجية، ضمن أطر إقليمية ودولية تعزز من سيادته وسلامة أراضيه في وجه التحركات الإثيوبية، ثم مواصلة تعزيز القاهرة حضورها الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي في كافة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والتنموية الخاصة بالصومال.
ويختتم بقوله، إن تجاوز أزمات القرن الإفريقي يتطلب مقاربة شاملة توازن بين احترام السيادة الوطنية لدول الإقليم من جهة، ومن جهة تعزيز التعاون الإقليمي فيما بين هذه الدول، باعتباره أمرًا يصب في مصلحة مصر والإقليم ككل.