مجلس حكماء المسلمين: استهداف كنيسة دير اللاتين جريمة ضد الإنسانية

تقرير: مصطفى علي
في تصعيد جديد لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، أصدر مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بيانًا شديد اللهجة أدان فيه الاعتداء الوحشي على كنيسة العائلة المقدسة “دير اللاتين”، والذي أسفر عن سقوط عدد من الضحايا بين قتيل وجريح من الأبرياء الذين احتموا ببيت من بيوت الله.
وأكد المجلس أن هذا الهجوم يمثل جريمة مكتملة الأركان، وانتهاكًا صريحًا وفاضحًا لجميع القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، التي تُحرّم بشكل قاطع استهداف دور العبادة والمقدسات، وتحظر التعدي على المدنيين العزّل، مهما كانت الظروف.
كنيسة دير اللاتين.. ملاذ للنازحين يتحوّل إلى ساحة دم
الهجوم على كنيسة العائلة المقدسة إحدى أقدم الكنائس الكاثوليكية في غزة لم يكن مجرد حادث عرضي أو أضرار جانبية كما يحاول الاحتلال تبريره، بل جاء ضمن سلسلة ممنهجة من الاعتداءات على المقدسات الدينية والمؤسسات الإنسانية، في سياق سياسة ترهيب تستهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتفريغ غزة من سكانها.
ووفقًا لشهادات محلية، كانت الكنيسة تؤوي أسرًا مسيحية ومسلمة نزحت من بيوتها بفعل القصف العشوائي، قبل أن تُستهدف بشكل مباشر، مما أدى إلى استشهاد عدد من الأبرياء بينهم نساء وأطفال، وتدمير أجزاء من مبنى الكنيسة التاريخي.
شيخ الأزهر: الصمت الدولي يُغذّي المذبحة
فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين، شدد في البيان على أن الصمت الدولي تجاه هذه الجرائم لم يعد مقبولًا، بل بات تواطؤًا غير مباشر مع القاتل، مضيفًا:
“إن استمرار هذا العدوان دون رادع، وغياب المحاسبة الدولية، يشجّع الاحتلال على التمادي في جرائمه، سواء بحق المسلمين أو المسيحيين، وعلى حدٍّ سواء.”
وأشار فضيلته إلى أن استهداف الكنائس لا يقل خطورة عن استهداف المساجد، بل هو اعتداء على جوهر الإنسانية جمعاء، ورسالة خطيرة تنذر بانهيار ما تبقى من القيم الأخلاقية على مستوى العالم.
دعوة إلى تحرّك دولي عاجل: حماية المقدسات وإنهاء العدوان
وفي ضوء تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، جدّد مجلس حكماء المسلمين دعوته إلى المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمنظمات الحقوقية والدينية في العالم، إلى التحرّك الفوري والعاجل لوقف هذا المسلسل الدموي.
وطالب المجلس بضرورة:
حماية المقدسات الدينية من المساجد والكنائس على حدّ سواء.
السماح الفوري بإدخال المساعدات الإغاثية والدوائية إلى سكان غزة المحاصرين.
محاسبة الاحتلال على جرائمه بحق المدنيين الأبرياء.
تمكين الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف
المجلس: ما يحدث في غزة إبادة لا يمكن تبريرها
كما أكد المجلس أن ما يتعرض له المدنيون في غزة هو إبادة جماعية لا لبس فيها، تتنافى مع جميع المعايير الإنسانية، وتكشف عن وجه الاحتلال الحقيقي الذي لا يحترم دينًا ولا قانونًا، داعيًا كل أحرار العالم إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وعدم الرضوخ للضغوط السياسية التي تحاول تبرير هذه الجرائم.
وفي ختام البيان، حذّر مجلس حكماء المسلمين من أن استمرار استهداف المدنيين ودور العبادة في غزة لن يؤدي سوى إلى تعميق جراح المنطقة، وإشعال صراع ديني جديد، قد يتجاوز حدود فلسطين ليهدد السلم العالمي بأكمله.
خلفيات دولية: هل من تحرّك فعلي لحماية دور العبادة؟
رغم إدانات خجولة صدرت من بعض المنظمات، لم يُسجَّل حتى الآن تحرّك دولي جاد وفعّال لحماية الكنائس والمساجد في قطاع غزة، ما يعكس فشلًا أخلاقيًا فادحًا في تطبيق القانون الدولي الإنساني، ويطرح تساؤلات كبرى عن ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع القضايا الإنسانية، خاصة حين يكون الضحايا فلسطينيين.
وقد سبق للأزهر الشريف، عبر بيانات متكررة، أن حذّر من مغبة تحويل الصراع إلى حرب على المقدسات، مطالبًا جميع الأديان برفع صوتها ضد هذه الجرائم، دون تفرقة.
صوت الضمير العالمي.. هل يسمع العالم صراخ أطفال غزة؟
بين أنقاض الكنائس، وتحت ركام المساجد، وفي خيام النزوح وأسرّة المستشفيات، يقف الأطفال والنساء في غزة شهودًا على صمت العالم وازدواجية معاييره ومع كل صاروخ يسقط، ومع كل بيت يتهدم، ينهار جزء من الضمير الإنساني.
يبقى السؤال الأبرز: هل سيبقى مجلس حكماء المسلمين وحده في الميدان؟ أم ستتحرّك مؤسسات العالم لردّ الاعتبار للعدالة الإنسانية، قبل فوات الأوان؟
فإن استهداف كنيسة العائلة المقدسة في غزة ليس حادثًا معزولًا، بل هو جزء من مشهد دموي مستمر منذ سنوات، يصر الاحتلال فيه على استباحة كل ما هو مقدس، بينما تظل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية معلقة في رقاب العالم أجمع.