
- لما أنت هنا؟
- مش عارف، والله ما انا عارف
وقد لا نجد أحدًا يعلم، بما فيهم من يعتقلونه… هكذا كان ملخص قصة طبيب الأطفال، الدكتور “حسام أبو صفية”- المدير المؤقت لمستشفى كمال عدوان- حسب قوله: “بالأساس أنا طبيب أطفال، وبالأساس كنت أدير مستشفى كمال عدوان بشكل مؤقت، وكل شيء بالتنسيق….”.
يسأل مراسل القناة 13 العبرية الدكتور حسام أبو صفية: لماذا أنت هنا؟
يجيب الدكتور: أنا مش عارف، والله مش عارف.
التهمة: طبيب لم يرضَ بإخلاء المستشفى الذي هو مديرها وترك المرضى خلفه . pic.twitter.com/HmZJ8P9K8k
— Tamer | تامر (@tamerqdh) February 19, 2025
وذلك في أحدث ظهور له، أمام عدسة القناة 13 العبرية، مكبل اليدين والقدمين ويبدو عليه الإرهاق والتعب، بعد اعتقال دام 52 يومًا لم يعرف أحد عنه شيئًا بما في ذلك عائلته ومحاميه، إلا من معلومة أعلنها مركز الميزان لحقوق الإنسان منذ 6 أيام: أن الاحتلال حوله للمحاكمة وفقًا لقانون “المقاتل غير الشرعي”.
وندد المركز بذلك الإجراء، الذي من شأنه حرمان “أبو صفية” من معرفة تهمته أو تفنيد أدلتها ومناقشتها، مثلما يحرمه حق الدفاع عن نفسه.
كما ندد بالمعاملة الوحشية والتعذيب الذي أذاقه الاحتلال للطبيب، الذي كافح وحيدا تحت وطأة النيران والتجويع والحصار، ليتم رسالته التي وصِفَت (جريمة) بأمر من الاحتلال، بينما لخصها هو في جملة واحدة قالها في ظهوره بالأمس، بينما يسأله مراسل القناة: هل رأيت أحدا من الأسرى الإسرائيليين؟
فيجيبه بثبات على الرغم من تعثر خطواته، بسبب سحب جنود الاحتلال له بشكل فظ، بينما يثقل قيد يديه وقدميه خطواته دون لسانه، حيث قال بلكنته الفلسطينية: “لا، إطلاقا، أنا شغلي أطفال، أنا ما بعرف إن في مصابين عندي إش هما، أنا في النهاية بوصل رسالة إنسانية، بس أنا ما بعرف إنه في عندي مصابين تم اعتقالهم على الحواجز، إنما الناس اللي كانوا عندي ناس عاديين…”.
الطبيب الأعزل الوحيد المقبوض عليه خال اليدين بمعطفه الأبيض الذي يمارس به عمله، اتهم بأنه مقاتل غير شرعي على صلة بحماس، ليجد من ألقى القبض عليه ذلك المبرر، لارتكاب جريمة الاقتحام العسكري للمستشفى التي يوصفها القانون الدولي بأنها جريمة ضد الإنسانية، ربما وجد في داعميه القدرة على ترويج روايته.
وليكتمل سيناريو المستشفى المسلح، كان سؤال مراسل القناة له: ما تفسيرك لوجود أسلحة لمنظمة حماس داخل المستشفى؟
فكان رد “أبو صفية” الذي ينخر الذبول قسمات وجهه: “المستشفى أصلا فش إلها سور أي أنها تقع في الشارع، وبالتالي كنت أحافظ على المبنى الذي تقدم فيه الخدمات الإنسانية، بحيث ما في حد يدخلها، وكان في تنسيق مع الجيش إنه إحنا نمنع النزوح، يعني إحنا ما كنا نسمح للنازحين بدخول المستشفى”.
ويكتمل مشهد القمع لإنسانية الطبيب، بمشهد خروجه من غرفة داخل السجن، نقش على جدرانها ذلك التهديد المطبوع على ملابس الأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال السبت الماضي: “لن ننسى ولن نغفر”.
الطبيب المكبل على الرغم من أن يديه لم تلمس سلاح، المختفي قسريًا منذ حوالي 52 يومًا، الذي أثار إصرار الاحتلال على إخفاء كل المعلومات عنه تحفظ المنظمات الحقوقية والإنسانية في العالم حتى خرجت مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن، تعلن أن بلادها تواصلت مع الاحتلال بشأنه، استمر في وضع المجرم عتي الإجرام، حتى في إعلان الإفراج عنه.
إذ أعلنت قناة i24 العبرية أمس الأول: أن أسيرا من المزمع الإفراج عنهم في دفعة يوم السبت القادم، هو مدير إحدى مستشفيات القطاع المتهم بالتعاون مع حماس، دون أن تفصح عن هويته، ودون أن تبدو أسباب إخفاء النبأ واضحة، ثم أعلنت ذات القناة مساء أمس: أن ذلك الطبيب هو “أبو صفية”.
لكن قصة الطبيب تكتمل حين يتضح أنه عانى كل ذلك الانتقام، دون أن يكون جرمه إلا رفض التخلي عن واجبه الإنساني في مستشفى كمال عدوان، برفقة طبيب آخر وبعض الممرضين، على الرغم من تهديد الاحتلال لهم بإخلاء المستشفى وترك شمال غزة.
فكانت الإنسانية تنتفض لأجله حتى بعد قرار الإفراج عنه، حيث نظمت “أطباء ضد الإبادة الجماعية” في الولايات المتحدة وقفة داخل الكونجرس الأمريكي مساء أمس- بتوقيت القاهرة- طالبوا فيها بالإفراج عنه وزملاءه الذين يعتقلهم الاحتلال الذين يعتقلهم الاحتلال بطرق غير شرعية، من أبناء الكادر الطبي.