
:القدماء المصريون أجادوا زراعته وتصنيعه
:مصر تنافس عالمياً في الجودة وحجم الإنتاج
:8 محافظات مصرية فقط تعرف زراعة الكتان
:الاهتمام بالمحصول يؤمن دخل قومي كبير
تحقيق: عماد نصير
تعد زراعة الكتان واحدة من المشروعات الاقتصادية الرائدة في أكثر من إقليم بالقطر المصري كلل، ويرجع ذلك للعديد من الاعتبارات من بينها دخوله كأحد المصادر القوية لاستخراج الزيوت، واقتحامه بقوة عالم الموضة.
لا تقف استعمالات الكتان بمشتقاته عند هذا الحد، بل هناك العديد من الاستخدامات في مجالات الموضة وصناعة الملابس والأقمشة والمنسوجات، وصناعة الأثاث والأخشاب “الحبيبي”، ما يضعه ضمن قائمة المحاصيل ذات العوائد الطموحة والمضمونة، كون كافة مشتقاته تدخل في صناعة مختلفة، وبالرغم من كونه بهذه المكانة، إلا أنه يزرع الكتان في 8 محافظات فقط على مستوى الجمهورية، ولا تتوفر آليات تصنيعه سوى في محافظة الغربية والشرقية والقليوبية فقط.
تاريخ زراعة الكتان في مصر.
الكتان من اقدم محاصيل الألياف التي استعملها المصري القديم في صناعة ملابسه، وقد وجدت المنسوجات الكتانية في مقابر قدماء المصريين و التي يرجع تاريخها إلي آلاف السنين، وكان يمثل نشاطًا اقتصاديًا هائلاً، وهو أمر تم إثباته عبر العديد من النقوش والبرديات القديمة، حتى أنه تم إدخاله كمكون رئيسي في ووسائل التحنيط وحفظ موتاهم.
فوائد اقتصادية وصناعات مُتعددة:
محصول الكتان يتم الاستفادة التامة من كل جزء فيه، فلا شيء تالف أو هالك أو غير قابل للاستخدام أو إعادة التدوير، بدءًا من الجذور مرورًا بالساق وانتهاء بالأوراق والثمار، حيث يتم استخراج الألياف من ساق الكتان، لتدخل ضمن العديد من الصناعات، تختلف بحسب نوعها ودرجة نعومتها وطولها، منها “قلوع المراكب الشراعية” والمنسوجات، الأقمشة”، فيما تختلف أوجه الاستفادة من البذور، والتي يعتمد عليها قطاع عريض، من الباحثين عن برامج الريجيم والحميات الغذائية الصحية كغذاء مُباشر، نظرًا لاحتوائها على “الأوميجا 3″، فيما تُعد أحد العلاجات الشائعة لمرضى داء “السُكري”، فضلاً عن كونها مصدر الزيت “الحار”، ضيف المائدة المصرية الدائم.
كما تمتد استخدامات مُخلفات البذور بعد عصرها في صناعة ”الكُسب” وهو واحد من أهم الأغذية الحيوانية، وهناك جوانب أخرى لاستخدام الكتان، والتي قد لا يعرفها الكثيرون منا، لعل أبرزها دخوله في صناعة أوراق النقد “البنكنوت”، فضلاً دخول مشتقاته في مُستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والشعر.
كما ان متوسط حجم إنتاجية الفدان، والتي تتراوح ما بين 5 إلى 5.5 طن قش، فيما يصل مُعدل البذور ما بين 400 إلى 500 كجم، و نسبة الاستخلاص تختلف من صنف لآخر.
سلالات وأصناف:
“اليوم” التقت الاستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم رئيس المكافحة البيولوجية بالمركز القومي للبحوث، للوقوف على عوامل نجاح محصول الكتان، وسبل تطوير إنتاجيته.
في لبداية يقول عبدالرحيم: هناك العديد من الأصناف التي فاقت جودتها، وتم الاعتماد عليها في الزراعة، من بينها “جيزة 9، 11، 12” بالإضافة لـ”سخا 5، 6″، وهي أصناف يتم تطويرها بشكل دوري، لتُلائم التغيرات المُناخية، والأطوار الجديدة من المُسببات المرضية التي تطفو على السطح كل لحظة.
الأراضي التي تجود فيها زراعة الكتان:
يضيف د محمد عبدالرحيم قائلاً: الكتان محصول شتوي في المقام الأول، علاوة على بعض الأجواء الدافئة والحرارة، لإتمام مُعاملات النمو بالشكل الطبيعي بنهاية الموسم، كما أن زراعة محصول الكتان تجود بالأراضي الطينية الخفيفة أو الرملية الثقيلة، وهو محصول يتحمل درجات مُلوحة بشكل مقنن، وذلك للحصول على النمو الخضري والإنتاجي المناسب لتكون الثمار مؤهلة للدخول في العديد من الصناعات، وذلك بالوصول إلى عرض السيقان الأمثل، يتراوح ما بين 1 إلى 1.5 مل، للحصول على ألياف مُناسبة لأغراض صناعة الأقمشة والمنسوجات، وطول سيقان يتراوح ما بين 1 إلى 1.5 متر، وفقاً للنوع والتربة ونوعية التسميد.
حجم حصة مصر عالمياً من محصول الكتان:
بدورها أوضحت د. أماني الرفاعي رئيس قسم بحوث الألياف في معهد بحوث المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية، أن مصر تُعد من الدول المنتجة للكتان، حيث يزرع في محافظات مثل كفر الشيخ والدقهلية، ولكن إنتاج مصر يُعتبر صغيراً مقارنة بالدول الكبرى المنتجة للكتان مثل الصين، فرنسا، وروسيا. تركز مصر على إنتاج الكتان طويل التيلة، المميز في صناعة الأقمشة عالية الجودة، إلا أن مساهمتها في السوق العالمي ضئيلة مقارنة بالمنتجين الكبار.
وفيما يتعلق بمحددات القيمة التسويقية محلياً وعالمياً، قالت أن المعايير المحلية تتعلق بجودة التيلة وطولها، ومدى توفر المحصول وإنتاجيته، إضافة إلى الكفاءة في عمليات التصنيع المحلي، وأخيرا الطلب المحلي على المنتجات النهائية (مثل المنسوجات).
أما على صعيد التنافس عالميا أوضحت الرفاعي أن هناك محددات أخرى منه الطول والقوة وتكاليف الإنتاج والشحن، إلى جانب المنافسة مع الدول الكبرى المنتجة في إطار متطلبات السوق مثل الاستخدامات الصناعية، والمنسوجات الفاخرة.
حجم التجارة من إجمالي الدخل القومي:
يُساهم الكتان بنسبة صغيرة في الناتج القومي الإجمالي لمصر، حيث إن التركيز الأكبر ينصب على محاصيل أخرى مثل القطن. ومع ذلك، الكتان يُعتبر محصولًا تصديريًا رئيسيًا لبعض الدول الأوروبية المستخدمة له في صناعات الأقمشة، الزيوت، والبلاستيك الحيوي. البيانات الدقيقة تختلف حسب السنة، ولكن القيمة التسويقية للكتان المصري لا تزال أقل من إمكانياته التنافسية بسبب ضعف التكنولوجيا الزراعية والصناعية.
واختتمت الرفاعي قولها مؤكدة على أن تعزيز التنافسية، يمكن لمصر من خلال التركيز على تحسين التكنولوجيا الزراعية والصناعية، وتنويع استخدامات الكتان، مثل الصناعات الطبية والبيئية.
المساحة المُنزرعة بمحصول الكتان:
يصل إجمالي المساحة التي تزرع بمحصول الكتان سنوياً، إلى ما يزيد عن 30 ألف فدان، بمتوسط سعر 100أالف جنيه للطن وارتفاع ثمن الطن المُصنع الى 500 ألف جنيه وينتج الفدان الى ما يقرب من 4-5 طن.
أخطاء وتوصيات خاصة:
يشير عبدالرحيم إلى العديد من الأخطاء الواجب تلافيها أثناء عملية الري، ويقول: يجب التوقف عن إجراء معاملات الري الخاصة بمحصول الكتان، قبل الوصول للنضج بفترة زمنية لا تقل عن 15 يومًا، للحيلولة دون حدوث أي خسائر، وبالتالي نصل للنضج التام والذي يعرف من خلال تحول الكبسولات إلى اللون الأصفر الباهت، ما يعني ضرورة تنفيذ معاملات الحصاد، فورًا ودون إبطاء، وعدم انتظار ظهور باقي العلامات، الدالة على نضج المحصول الكتان، وهي أمور يخطئ البعض في حساباتها، وبالتالي انفراط عقد بذور الكتان وما يترتب عليه من خسائر اقتصادية.
صور المقاومة الناجحة:
يشير عبدالرحيم إلى عدة عوامل لضمان إنتاج عالي الجودة وموسم ناجح، من بينها ضرورة التبكير في الزراعة، الاعتدال في الري، عدم الإفراط في التسميد الآزوتي و العناية بالتسميد الفوسفاتي، كما أن ما يعرف بصدأ الكتان، هو مرض تشتد الإصابة به في مناطق شمال الدلتا، مثل كفر الشيخ ومحافظة البحيرة، نظرا لتوافر الظروف الملائمة للمرض وهي الرطوبة العالية والحرارة المنخفضة، مؤكداً على أن الطريقة المثلى لمقاومة هذا المرض هي زراعة الأصناف المقاومة والمعتمدة.
قرية شبراملس قلعة صناعة الكتان:
هي واحدة من أبرز وأهم قرى مركز زفتى بمحافظة الغربية، نشاطها التجاري الأول والأبرز هو زراعة وتصنيع محصول الكتان، كما أنها تنتج وحدها الحصة الأكبر محليا، كونها تملك أكثر من 30 مركز تصنيع أو ما يعرف بـ “تروبيل”، وهي أجهزة باهظة التكاليف يتم تصنيعها واستيرادها.
ينخرط شباب القرية والعديد من القرى بل والمراكز المجاورة في موسم تصنيع محصول الكتان، والذي يبدأ من مرحلة الحصاد وحتى خروج المنتج في صورته الأخيرة على هيأة خيوط جاهزة لتدخل في صناعة النسيج، والعديد من الصناعات الأخرى، لتتنافس شبراملس في جودة منتجها “الهند والصين وفرتسا وبلجيكا وإيطاليا”، كونهم المنتج والمنافس الأبرز عالمياً، وتشعر القرية بانتعاش اقتصادي في موسم الكتان الذي يمتد لبضعة شهور منئ المرحلة الأولى وحتى أخر مراحل تصنيعه، كونه يحتاج إلى عمالة كثيفة، كما أن العوائد المادية تكون مرضية بشكل كبير، كون اليومية تتراواح ما بين 350:400ج للعامل الواحد.
الكتان هو عصب حياة الأهالي:
يقول الحاج “ماجد أبودنيا” من أهالي شبراملس وأحد الخبراء في زراعة وتصنيع الكتان: أعمل منذ عقود في زراعة وتصنيع الكتان، كما هو حال العديد من أهالي القرية، إلا أن الخبرة والثقافة الفردية هي التي تحدد امتيازات أحدنا على الآخر، والزراعة مدارس، فمنا من يزرع سنف مثل “بولشو” مثلاً ويحصل منه على إنتاجبة عالية، بينما تجد آخرين يزرعون أصنافاً أخرى مثل “إريتا، أرامز، لازيتا، وغيرها، وكل مزارع يعتمد على درايته وخبرته الشخصية وقوة الأرض الي يزرع فيها.
ويضيف أبودنيا: سعر طن “الصنعة” أو شعر الكتان الجاهز للتصنيع، يتراواح في السنوات الأخيرة ما بين 350:380 ألف جنيه، وربما يزيد أو يقل وفق العرض والطلب، إلا أن عود الكتان لا يوجد فيه جزء دون فائدة، فمنها ما يدخل في صناعة الأعلاف، وإنتاج الزيوت كالبذور، وصناعة الأثاث والحبال وغيرها الكثير من الصناعات الهامة.
تحديات كبيرة تواجه زراعة الكتان:
من جهته يقول النائب محمد المرشدي، رئيس شعبة الغزل والنسيج، أن زراعة الكتان تواجه تحديات كبيرة، كما أنها تعاني الانكماش مؤخراً وبصورة ملحوظة، لا سيما في محافظة الغربية، والتي تعد أكثر محافظات مصر زراعة وتصنيعاً لمحصول الكتان دون منافس.
كما لفت المرشدي إلى أن هناك إقبال على منتجات الكتان المصري، بسبب جودته العالية حيث تستورد من مصر، العديد من صور منتجات الكتان، سواء كانت على هيئة ألياف أو غزول أو حتى منتجات نسيجية جاهزة، مصنوعة وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بلجيكا، المملكة المتحدة، دول شرق آسيا، الصين، اليابان، دول الشرق الأوسط، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، وهناك توسع مستمر في انتشار المنتجات المصرية المصنوعة من الكتان.
عوائد اقتصادية واعدة:
بدوره أكد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن سعر طن الكتان المصنع قارب 500 ألف جنيه، مما يجعله أحد المحاصيل ذات العائد الاقتصادي الكبير، علماً بأنه ما يقارب 30 ألف فدان من الكتان تمت زراعتها، بزيادة 7 آلاف عن 2022م، وينتج الفدان الواحد ما بين 4 إلى 5 أطنان، حتى وصلت المساحة إلى إلى 48 ألف فدان مؤخراً.
من قنا إلى الغربية:
أحد العمال في المراحل الأولى للكتان يدعى “أحمد فاضل” وهو من محافظة قنا يقول: كانت زيارتي الأولى لشبراملس قبل سنوات بصحبة صديق لي، تعرفت فيها على مراحل العمل بالكتان، وأعجبتني الأجور، كما ان القرية هادئة وجميلة، وأصبحت لا أفوت موسم إلا وآتي إلى هنا للعمل، وهناك الكثيرين مثلى من قرى ومحافظات مختلفة يعملون في الكتان كلً حسب خبرته ومهارته.