الأزهر ودوره المحوري في مكافحة الفكر المتطرف

الأزهر الشريف، المؤسسة الإسلامية العريقة، يواصل لعب دوره كحارس للوسطية ومصدر إشعاع فكري وديني يمتد عبر قرون.
ومع تصاعد موجات العنف والتطرف باسم الدين عالميًا، تعاظم دور الأزهر في التصدي لهذه الظاهرة، متبنياً رؤية شاملة تجمع بين معالجة الأسباب الفكرية والاجتماعية للتطرف واستخدام الوسائل الحديثة للوصول إلى جمهور عالمي، خاصة فئة الشباب.
مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف بات رمزًا لهذه الجهود، إذ يجمع بين البحث العلمي والابتكار التكنولوجي للتصدي لخطاب الكراهية، ويعمل على نشر الصورة الحقيقية للإسلام كدين سلام وتسامح.
مرصد الأزهر: أداة فاعلة لمكافحة التطرف عالميًا
أنشئ مرصد الأزهر في عام 2015 كاستجابة مباشرة للحاجة الملحة إلى جهة متخصصة ترصد وتواجه الفكر المتطرف على الصعيدين المحلي والدولي يتألف المرصد من فرق متخصصة تعمل على مدار الساعة لمتابعة الأنشطة الإعلامية للجماعات المتطرفة وتحليلها.
مهام المرصد الأساسية
1. الرصد والتحليل: يقوم المرصد بمتابعة كل ما يصدر عن الجماعات المتطرفة من بيانات ومحتويات إعلامية بهدف فهم أيديولوجياتها.
2. تفكيك الخطاب المتطرف: يعمل فريق من الباحثين على تحليل خطاب الكراهية وتفنيده باستخدام الأدلة العلمية والنصوص الإسلامية الصحيحة.
3. إصدار تقارير توعوية: تُنشر تقارير ودراسات دورية باللغات المختلفة تهدف إلى توعية المجتمع بخطر التطرف وكيفية مواجهته.
لغات متعددة لجمهور عالمي
يعمل المرصد بـ 13 لغة، منها الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإسبانية، والصينية، ما يتيح له الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمعات المختلفة وتُركز الفرق اللغوية على قضايا تخص المناطق الجغرافية التي تستهدفها الجماعات المتطرفة، مما يساهم في بناء استراتيجيات فعّالة لمواجهة هذه الأفكار.
الإعلام والتواصل الاجتماعي: سلاح مزدوج في المعركة الفكرية
يدرك الأزهر أن الجماعات المتطرفة تعتمد بشكل كبير على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها واستقطاب الأفراد، لذا أصبح المرصد يعتمد بشكل كبير على هذه الوسائل في معركته ضد التطرف.
استراتيجيات المرصد على منصات التواصل
1. التوعية الرقمية: نشر مقاطع فيديو ومقالات ترد على الشبهات المثارة بلغات متعددة، مما يضمن وصول الرسالة إلى جمهور واسع.
2. الرد الفوري: فريق متخصص يتابع المنصات المختلفة للرد على استفسارات المستخدمين ومواجهة محاولات التشكيك في القيم الإسلامية.
3. حملات إلكترونية: إطلاق حملات توعوية مثل “الإسلام دين السلام”، و”لا للإرهاب باسم الدين”، التي تركز على نشر قيم التسامح وتوضيح المفاهيم المغلوطة.
نماذج نجاح
في عام 2022، أطلق المرصد حملة إلكترونية بعنوان “شباب ضد التطرف”، استهدفت توعية الشباب بمخاطر الفكر المتطرف وكيفية مواجهته حققت الحملة تفاعلًا كبيرًا، حيث تجاوز عدد المشاهدات 10 ملايين على منصات التواصل المختلفة، مما يعكس التأثير الإيجابي لهذه الجهود.
تأثير جهود الأزهر على المستوى المحلي والدولي
محليًا: ترسيخ ثقافة التسامح
داخل مصر، أسهمت جهود مرصد الأزهر في نشر الوعي بمخاطر التطرف من خلال:
ورش عمل ومؤتمرات: تنظيم لقاءات دورية في الجامعات والمدارس تستهدف فئة الشباب لتعزيز قيم التسامح والاعتدال.
التعاون مع المؤسسات الحكومية: مشاركة المرصد في وضع استراتيجيات وطنية لمكافحة التطرف وتعزيز الأمن الفكري.
الأنشطة المجتمعية: إطلاق مبادرات في الأحياء والمناطق الريفية لنشر الوعي بخطورة الفكر المتطرف.
دوليًا: الأزهر كمنارة للوسطية
على المستوى الدولي، حظيت جهود الأزهر بإشادة واسعة من الحكومات والمنظمات العالمية.
في 2021، شارك الأزهر في منتدى عالمي لمكافحة التطرف في باريس، حيث قدم المرصد تقريرًا شاملًا عن استراتيجيات الجماعات المتطرفة، وكيفية مواجهتها.
يعتمد الاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية أخرى على تقارير المرصد لفهم التوجهات الفكرية للجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط وأفريقيا.
التحديات التي تواجه المرصد
رغم النجاحات المحققة، يواجه مرصد الأزهر عدة تحديات تعيق جهوده، أبرزها:
1. التطور التكنولوجي للجماعات المتطرفة: تطور هذه الجماعات في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتواصل المشفر يتطلب تحديثًا مستمرًا لأدوات المرصد.
2. محدودية الموارد: زيادة التكاليف التقنية والاحتياجات البشرية تمثل عائقًا أمام التوسع في أنشطة المرصد.
3. الصورة النمطية عن الإسلام: استمرار الخطاب الإعلامي السلبي ضد الإسلام في بعض الدول الغربية يعقد مهمة المرصد في توصيل رسالته.
نحو مستقبل أكثر فعالية: خطط توسعية للمرصد
لضمان استمرارية جهوده وفعاليته، يسعى مرصد الأزهر إلى تنفيذ خطط توسعية تشمل:
1. زيادة عدد اللغات: إضافة لغات جديدة مثل الروسية واليابانية للوصول إلى جمهور أكبر.
2. التعاون مع الجامعات العالمية: عقد شراكات مع مؤسسات أكاديمية لتبادل الخبرات وتطوير الأبحاث المتعلقة بمكافحة التطرف.
3. إطلاق تطبيقات ذكية: تطوير تطبيقات تقدم محتوى تعليميًا وتوعويًا عن الإسلام الصحيح وتواجه الفكر المتطرف بشكل مبتكر.
الأزهر نموذج عالمي للوسطية والاعتدال
لا شك أن جهود مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف تمثل نموذجًا فريدًا في الجمع بين العلم والتكنولوجيا لمواجهة واحدة من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمعات من خلال رؤيته المتكاملة، يثبت الأزهر أنه قادر على حماية التراث الإسلامي، ونشر قيم الاعتدال والسلام، ومواجهة خطاب الكراهية على الصعيدين المحلي والدولي.