ذاكرة اليوم.. الأزهر الشريف يقود مقاومة الشعب المصري ضد الحملة الفرنسية

في أواخر القرن الثامن عشر، وتحديدًا في عام 1798، بدأت الحملة الفرنسية على مصر تحت قيادة نابليون بونابرت كان الهدف من هذه الحملة أن تضع فرنسا يدها على مصر كمستعمرة استراتيجية تفتح الطريق إلى الهند وتضمن السيطرة على الممرات التجارية البحرية.
لم يكن الاحتلال الفرنسي للمصريين سهلاً فقد قام الشعب المصري بقيادة الأزهر الشريف بمقاومة شرسة ضد الغزاة وبرز الجامع الأزهر كأحد المراكز الحيوية التي ساهمت في تحفيز الشعب وتنظيم الثورات المسلحة على الرغم من محاولات الاحتلال الفرنسي استمالة العلماء والقيادات الدينية في مصر، إلا أن الأزهر بقي صامدًا في موقفه الرافض للاحتلال الفرنسي، وأصبح منبرًا رئيسيًا للمقاومة الشعبية، وهو ما شكل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث.
الأزهر: مركز المقاومة الفكرية والروحية
على الرغم من أن الحملة الفرنسية على مصر كانت مدعومة من قِبل بعض القوى السياسية في أوروبا التي حاولت إيجاد موطئ قدم في المنطقة، إلا أن الأزهر الشريف كان عقبة كبيرة أمام هذا المشروع الاستعماري فقد رفض علماء الأزهر التعاون مع الفرنسيين بشكل قاطع، وأعلنوا رفضهم أي شكل من أشكال التفاوض أو التفاهم مع المحتلين.
في بداية الحملة، كانت فرنسا تأمل في أن تتمكن من إقامة علاقة مع العلماء في الأزهر، فمحاولة الاحتلال الفرنسي كانت تهدف إلى استمالة بعض رجال الدين في الأزهر على أمل أن يساهموا في تهدئة المشاعر ضد الاحتلال، وهو ما شهدناه من خلال محاولة نابليون بونابرت تقديم نفسه في البداية كـ “حامي الإسلام” عبر خطاباته في القاهرة، حيث ادعى أن مهمته ليست الاستعمار بل “تقديم الحضارة الفرنسية للعالم الإسلامي” ومع ذلك، لم يحقق الفرنسيون أهدافهم مع الأزهر فقد رفض العلماء هذا الخطاب واعتبروه خداعًا، إذ لا يمكن قبول الاحتلال تحت أي مسمى.
علماء الأزهر في مواجهة الاحتلال الفرنسي
من أبرز الشخصيات التي تصدت للاحتلال الفرنسي عبر الأزهر هو الشيخ عبد الله الشرقاوي، أحد كبار علماء الأزهر في تلك الفترة.
الشيخ الشرقاوي كان من أبرز العلماء الذين قاوموا المحاولات الفرنسية للسيطرة على مصر قام الشرقاوي بإلقاء العديد من الخطب في الأزهر التي حثَّ فيها الشعب المصري على مقاومة المحتل كما دعا إلى توحيد الصفوف لمجابهة الاحتلال وعُرف عنه أنه كان من المعارضين البارزين لأي نوع من التعاون مع الاحتلال الفرنسي.
وقد برز أيضًا الشيخ السادات، الذي كان له دور محوري في تعزيز المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين على الرغم من أن نابليون حاول استمالة بعض رجال الدين، إلا أن الشيخ السادات كان من بين أولئك الذين رفضوا كل محاولات التفاوض مع الفرنسيين وقاد السادات العديد من الاحتجاجات الشعبية في القاهرة، حيث كان يحشد الناس حوله ضد الفرنسيين ويحثهم على القيام بالثورات المسلحة ضد الاحتلال.
الأزهر والتنسيق للثورات المسلحة ضد الفرنسيين
لم يقتصر دور الأزهر على التحريض الديني فقط، بل تجاوز ذلك إلى التنسيق والتحفيز للثورات المسلحة ضد القوات الفرنسية ففي الوقت الذي كانت فيه السلطة الفرنسية تمارس الضغوط الاقتصادية والسياسية على الشعب المصري، كان الأزهر نقطة انطلاق للكثير من التحركات الشعبية والاحتجاجات التي تحولت إلى ثورات.
فالأزهر كان يظل مركزًا رئيسيًا يتم فيه تبادل الآراء والتنسيق بين العلماء والمواطنين، وكان بمثابة قاعدة تنظيمية للمجموعات الثورية المسلحة التي نظمت العديد من الهجمات ضد الفرنسيين.
ثورة القاهرة الأولى (1798): بداية الموجة الشعبية
تُعد “ثورة القاهرة الأولى” التي اندلعت في أكتوبر 1798، أول ثورة كبيرة ضد الاحتلال الفرنسي في مصر وقامت هذه الثورة بعد دخول نابليون القاهرة، عندما بدأ الجيش الفرنسي بفرض ضرائب باهظة على الشعب المصري، وأخذ يفرض سيطرته على مفاصل الاقتصاد ورفضًا لهذه السياسة الاستعمارية، اندلعت الثورة في القاهرة، وشارك فيها عامة الشعب من مختلف الطبقات الاجتماعية على الرغم من أن الفرنسيين تمكنوا من قمع هذه الثورة في البداية باستخدام القوة العسكرية، إلا أنها مثلت نقطة انطلاق لموجة من التمردات التي شهدتها القاهرة والمدن الأخرى.
كانت ثورة القاهرة الأولى أيضًا نقطة فاصلة في مسار المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين، حيث أظهر الشعب المصري عزمه على مواجهة الاحتلال وقد كانت المظاهرات التي بدأت من الأزهر نقطة انطلاق للثوار الذين اندفعوا نحو القوات الفرنسية، فكانت حرب عصابات مستمرة في الشوارع، على الرغم من التفوق العسكري الفرنسي هذا كله تم بالتنسيق والتشجيع المستمر من علماء الأزهر الذين كانوا يعتبرون أن هذه الثورة واجبًا دينيًا ووطنيًا.
ثورة القاهرة الثانية (1800): مواجهة شديدة للاحتلال الفرنسي
إذا كانت ثورة القاهرة الأولى قد اندلعت بسبب سياسة الفرنسيين الاستعمارية والضرائب الثقيلة، فإن “ثورة القاهرة الثانية” التي اندلعت في عام 1800 كانت أكثر تنظيماً كانت هذه الثورة بمثابة تصعيد حقيقي ضد الاحتلال الفرنسي في هذه المرة، بدأ التنسيق الثوري بشكل أكبر بين جميع أطياف المجتمع المصري، من العلماء إلى الفلاحين والطبقات الوسطى، الذين اجتمعوا في الأزهر وبقية المساجد لتنظيم المقاومة ضد الفرنسيين وشارك في هذه الثورة مجموعة من أبرز القادة الشعبيين والعلماء الذين دعوا إلى المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
الاحتلال الفرنسي، على الرغم من قوته العسكرية، كان يواجه صعوبة في قمع هذه الثورة، حيث كانت المواجهات شديدة وواسعة النطاق وكان الأزهر مرة أخرى مركزًا حيويًا لإصدار فتاوى الجهاد وتوجيه الحشود، وأصبحت ثورة القاهرة الثانية رمزًا لمقاومة الاحتلال الفرنسي.
الرفض الشعبي للاحتلال الفرنسي
لقد لعب الأزهر دورًا رئيسيًا في تشكيل وعي الشعب المصري ضد الاحتلال الفرنسي من خلال العلماء الداعين للمقاومة والشعب الذي تفاعل مع هذه الدعوات، أصبحت المقاومة ضد الفرنسيين حالة جماهيرية واسعة، لا تقتصر على جماعات معينة كان الأزهر هو العامل الموحد للشعب المصري ضد القوات الفرنسية، وتركزت الجهود الشعبية في مجابهة الغزاة في الشوارع والأحياء، حيث كان الثوار يتخذون من الأزهر مركزًا لتنظيم الهجمات وتوزيع الأسلحة.
الأزهر وتاريخ المقاومة
على الرغم من محاولات الاحتلال الفرنسي لفرض سيطرته على مصر، فإن الأزهر الشريف ظل دائمًا بؤرة للمقاومة الوطنية بفضل علماء الأزهر، الذين تصدوا للاحتلال بالدعوة الدينية والتوجيهات الثورية، أصبحت مصر واحدة من أولى البلدان التي تشهد مقاومة شعبية منظمة ضد الاستعمار الفرنسي لقد كان الأزهر هو نقطة الالتقاء بين العلم والدين والمقاومة الوطنية، وحرص على الحفاظ على روح الوطنية في أوقات الأزمة.