فلسفة الغايات في فكر محمد عبد الله دراز.. قراءة تأملية بكتاب الدين

يسلط العلامة محمد عبد الله دراز، في كتابه “الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان”، الضوء على حاجة النفس الإنسانية لفهم أعمق للأشياء يتجاوز مجرد البحث عن أسبابها ونشأتها.
ويوضح أن العقل البشري لا يكتفي بالتعرف على المقدمات، بل يسعى إلى فهم الغايات والمقاصد، في محاولة لإدراك الصورة الكاملة للأحداث الكونية.
التساؤل عن الغاية: جوهر التفكير الإنساني
يشير دراز في نصه إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يقتنع فقط بمعرفة كيف بدأت الأشياء، بل يلح عليه السؤال عن “لماذا حدثت؟” هذا التساؤل المتواصل يعكس ما وصفه بـ”المركوز في الجبلة”، أي الطبيعة الإنسانية الفطرية التي تؤمن بأن للأحداث نظامًا مدبرًا وخطة هادفة.
ويقول دراز:
“ليس يكفيك لكي تحيط بالشيء خبرًا أن تعرف نشأته دون أن تعرف مصيره، ولا أن تعرف كيف كان؟ دون أن تعرف لم كان؟”
هذا المنطق يدفع للتفكير بأن الكون ليس مجموعة من المصادفات العشوائية، بل يسير وفق خطة مدروسة ومحكمة، وضعتها قوة مدبرة تتجاوز نطاق الفهم البشري السطحي.
الدليل على وجود النظام الكوني
يؤكد النص أن التساؤل الإنساني المستمر عن الأسباب والمصائر يعكس إيمانًا ضمنيًا بأن الحوادث الكونية ليست عشوائية. يرى دراز أن هذا الاقتناع الفطري بوجود نظام كوني دقيق ومقصود، يبرهن على اعتقاد عميق بأن هناك قوة عليا تدير شؤون الكون وتهدف إلى غايات محددة.
ويتساءل:
“أليست هذه المطالبة النفسية الحثيثة دليلًا على ما هو مركوز في الجبلة من الاقتناع بأن الحوادث الكونية تسير على خطة مرسومة، وأن القوة المدبرة للأشياء تهدف منها إلى غاية معينة، وأنها لا تسير بمحض الصدفة العمياء والاتفاق التحكمي؟”
تأمل فلسفي في تاريخ الأديان
يأتي هذا النص في إطار بحث دراز عن فهم أعمق للدين عبر تحليل تاريخ الأديان ودوافع الإيمان من خلال طرح هذه التساؤلات، يقدم المؤلف أساسًا فلسفيًا لدراسة الأديان، قائمًا على التأمل في طبيعة النفس البشرية وعلاقتها بالكون.
أهمية النص في الفكر الديني والفلسفي
يشكل هذا النص نموذجًا للتفكير الفلسفي العميق الذي يسعى لربط العلم بالدين، والعقل بالوحي. يطرح دراز منهجًا يُلهم القارئ لإعادة النظر في المفاهيم التقليدية، والتأمل في الغايات الكبرى التي تحكم الوجود.
رحلة نحو الإجابة الشاملة
النص يدعو القارئ إلى البحث عن الإجابات الكاملة التي تشمل البداية والنهاية، السبب والغاية. إنه تذكير بأن الدين ليس مجرد شعائر، بل هو رحلة فكرية وروحية نحو فهم شامل للكون والحياة.