الإمام الطيب: ثمانون عامًا من الحكمة والسلام في مواجهة التحديات

شارك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في “اللقاء الدولي من أجل السلام” بألمانيا، حيث ألقى كلمة استثنائية تناول فيها محطات هامة من حياته التي أوشكت أن تكمل ثمانين عامًا.
الكلمة لم تكن فقط عرضًا لتجربة فردية، بل انعكاسًا لرؤية شخصية عميقة تعكس معاني السلام، التسامح، والحوار الحضاري التي آمن بها طوال حياته.
نشأة متجذرة في القيم الإنسانية
ولد الإمام الطيب في 6 يناير عام 1946 بقرية القرنة في محافظة الأقصر، وسط بيئة صوفية ذات طابع ديني وروحي.
نشأ في عائلة معروفة بالعلم والتقوى، وتربى على يد والده وجده، اللذين زرعا فيه حب الدين والتمسك بالقيم النبيلة.
منذ صغره، كان للبيئة الصعيدية البسيطة تأثير كبير على تشكيل شخصيته، حيث تعلم قيمة الصبر والتحمل، إضافة إلى التواضع والبساطة في التعامل مع الناس.
وفي حديثه عن طفولته، أكد الإمام الطيب أن النشأة في صعيد مصر لم تكن فقط تجربة محلية، بل كانت مدرسة علمته قيمًا عالمية مثل العدل، الإخلاص، والمثابرة، وهي قيم بقيت معه طوال حياته وأثرت على مسيرته الدينية والفكرية.
الأزهر: رحلة العلم والتأثير العالمي
بدأ الإمام الطيب رحلته العلمية في الأزهر الشريف، حيث تدرج في التعليم الأزهري حتى حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة الأزهر لاحقًا، أمضى سنوات في التدريس والبحث العلمي، ثم شغل مناصب متعددة داخل الأزهر وخارجه، وصولًا إلى تعيينه شيخًا للأزهر عام 2010.
في كلمته بألمانيا، تحدث الإمام الطيب عن التحديات التي واجهها الأزهر في العصر الحديث، والتي تتطلب تجديد الفكر الديني لمواكبة المستجدات.
أشار إلى أن تجاربه الحياتية كانت المحرك الأساسي لتطوير المناهج وإطلاق مبادرات الحوار بين الأديان، مؤكدًا أن الأزهر ليس فقط مؤسسة دينية، بل منارة للسلام والحوار العالمي.
التحديات التي واجهها الإمام الطيب
توقف الإمام الطيب خلال كلمته عند اللحظات الصعبة التي مر بها في حياته الشخصية والمهنية تحدث عن تحديات الصراعات الفكرية التي واجهها، خاصة مع انتشار التيارات المتطرفة التي حاولت تشويه صورة الإسلام.
كما أشار إلى أن تجاربه جعلته أكثر إصرارًا على مواجهة هذه الأفكار من خلال الدعوة إلى الاعتدال والوسطية.
أكد أن هذه المواجهة لم تكن سهلة، لكنها كانت ضرورية للحفاظ على رسالة الأزهر كمنبر لنشر الإسلام الحقيقي القائم على الرحمة والتسامح.
رسالة السلام في عالم مضطرب
ركز الإمام الطيب في كلمته على أهمية الحوار بين الثقافات والأديان كطريق لتحقيق السلام العالمي.
وقال إن السلام ليس مجرد هدف نبيل، بل ضرورة وجودية تحتمها التحديات التي يواجهها العالم اليوم.
واستشهد الطيب بمبادراته السابقة مثل وثيقة الأخوة الإنسانية، التي وقَّعها مع البابا فرنسيس عام 2019، كمثال عملي على إمكانية تحقيق التعايش بين الأديان.
وأكد أن هذه الوثيقة، التي أصبحت مرجعًا عالميًا في قضايا السلام، تعبر عن قناعته بأن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاعات وتحقيق الاستقرار.
دروس الحياة: بين الصبر والعمل الجاد
استعرض الإمام الطيب بعضًا من الدروس التي تعلمها خلال مسيرته تحدث عن أهمية الصبر في تجاوز المحن، وعن دور الإيمان في تقوية الإنسان أمام التحديات.
أشار إلى أن الحياة علَّمته أن العمل الجاد والمخلص هو السبيل لتحقيق النجاح، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي.
كما أكد أن التجارب التي عاشها في بيئة متواضعة بصعيد مصر جعلته أكثر قربًا من الناس وأكثر فهمًا لاحتياجاتهم.
وصية للأجيال الشابة
في ختام كلمته، وجه الإمام الطيب رسالة إلى الشباب، داعيًا إياهم إلى التمسك بالقيم الدينية والإنسانية النبيلة، وإلى استغلال طاقتهم في بناء مستقبل مشرق.
قال الإمام: “لقد تعلمت على مدار ثمانين عامًا أن الشباب هم الأمل، وأنهم يستطيعون تغيير العالم إذا تمسكوا بالأخلاق وعملوا بجد من أجل تحقيق السلام”.
تكريم مستحق لمسيرة عريقة
بمناسبة اقتراب ميلاده الثمانين، تُعد مسيرة الإمام الطيب نموذجًا ملهمًا للأجيال القادمة فقد تمكن خلال سنوات قيادته للأزهر من تحويل هذه المؤسسة إلى صوت عالمي يدافع عن القيم الإنسانية المشتركة.
كلمته في ألمانيا لم تكن مجرد سرد لتجارب شخصية، بل كانت شهادة حيَّة على أهمية الإيمان والعمل من أجل بناء عالم يسوده السلام والعدل. وتبقى سيرته مصدر إلهام للملايين حول العالم.