ذاكرة اليوم : كيف تحول الشيخ عبد الباسط إلى رمز عالمي للتلاوة؟
ذكريات لا تُنسى: الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسحر التلاوة الخالد

يظل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، بصوته العذب وتلاوته المميزة، أيقونة عالمية في تاريخ التلاوة القرآنية. إنه القارئ الذي تخطت شهرته حدود بلاده ليصبح صوتًا مألوفًا في مشارق الأرض ومغاربها.
في هذا التقرير، تسلط “جريدة وموقع اليوم” الضوء على مسيرة هذا القارئ العبقري، من نشأته في صعيد مصر إلى صعوده كرمز عالمي للتلاوة، مع استعراض أبرز محطاته وإنجازاته التي صنعت منه أسطورة خالدة في ذاكرة الأمة الإسلامية.
أيقونة التلاوة وصوت لا يغيب
في عالم التلاوة القرآنية، يبرز اسم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد كواحد من أعظم قراء القرآن الكريم على مر العصور. صوته العذب وإتقانه الفريد جعل منه رمزًا عالميًا في مجال تلاوة القرآن الكريم، وأيقونة تجمع بين الأصالة والتجديد، ليصبح “صوتًا لا يغيب” عن مسامع المسلمين وغير المسلمين حول العالم.
النشأة والبدايات
ولد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في 1 يناير 1927 بقرية المراعزة، التابعة لمركز أرمنت بمحافظة قنا (محافظة الأقصر حاليًا)، في صعيد مصر. نشأ في أسرة متدينة، حيث كان والده الشيخ محمد عبد الصمد عالمًا بأحكام التجويد، مما جعله ينشأ في بيئة تقدر القرآن الكريم وتعلمه.
أتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، حيث حفظه كاملًا وهو في العاشرة من عمره على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته.
الصعود إلى الشهرة
تميز الشيخ عبد الباسط بصوت قوي وجذاب منذ صغره، ما جعل أهله يشجعونه على تعلم القراءات السبع على يد الشيخ المتخصص محمد سليم حمادة.
في عام 1950، كانت نقطة التحول الكبرى في حياته عندما قرأ لأول مرة في مسجد الإمام الشافعي بالقاهرة، حيث أدهش الحضور بعذوبة صوته ودقة تجويده، لتبدأ رحلته مع الشهرة التي تخطت حدود مصر ووصلت إلى العالم الإسلامي بأسره.
خصائص صوته وأسلوبه الفريد
ما جعل الشيخ عبد الباسط مميزًا عن غيره من القراء هو صوته العذب، الذي يمتاز بنقاء قلّ نظيره وبقدرة فائقة على التحكم في المقامات الصوتية والتنقل بينها بسلاسة.
كان قادرًا على التأثير في مشاعر مستمعيه، وجعلهم يشعرون بجلال الكلمات القرآنية. تميز بأسلوبه الذي يجمع بين الالتزام التام بأحكام التجويد والإبداع الفني في الأداء.
التحاقه بالإذاعة المصرية
في عام 1951، اختير الشيخ عبد الباسط ليكون قارئًا معتمدًا في الإذاعة المصرية، وكانت هذه الخطوة بداية انطلاقه نحو النجومية العالمية. أصبح صوته يذاع يوميًا، لتبدأ موجة جديدة من الإعجاب والتأثير. تسجيلاته الإذاعية أصبحت مرجعًا رئيسيًا للمسلمين حول العالم، ولُقب بـ”صوت مكة”.
رحلاته العالمية: سفير القرآن الكريم
كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد قارئًا عالميًا، حيث زار عشرات الدول وأقام العديد من الحفلات القرآنية في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا. في ماليزيا، إندونيسيا، الهند، وجنوب أفريقيا، كان يُستقبل استقبال الملوك، حيث كانت حشود ضخمة تأتي للاستماع إلى صوته الفريد.
زار أيضًا الولايات المتحدة وفرنسا، حيث جذب إعجاب غير المسلمين الذين تأثروا بروعة تلاوته، وأصبح سفيرًا حقيقيًا للقرآن الكريم في جميع أنحاء العالم.
الأوسمة والتكريمات
خلال مسيرته الطويلة، حصل الشيخ عبد الباسط على العديد من الأوسمة والتكريمات من دول مختلفة. في عام 1956، حصل على وسام من الرئيس السوري شكري القوتلي.
كما منحته إندونيسيا وسام الاستحقاق الذهبي، وحصل على تكريم خاص من ماليزيا، باكستان، ودول الخليج العربي. كان تكريمه تتويجًا لدوره العظيم في نشر رسالة الإسلام عبر صوت القرآن.
أبرز التسجيلات والقراءات
ترك الشيخ عبد الباسط تراثًا كبيرًا من التسجيلات، سواءً للإذاعة المصرية أو الحفلات التي أحياها في مختلف دول العالم. من أشهر التلاوات التي خلدت اسمه:
1. سورة الفاتحة والبقرة: التي أبرزت قدرته الفريدة على الجمع بين القوة والعذوبة.
2. سورة يوسف: التي أظهرت براعته في التعبير عن مشاعر الآيات.
3. سورة الرحمن: التي تعتبر من أبرز تلاواته تأثيرًا في القلوب
وفاته وإرثه الخالد
في 30 نوفمبر 1988، توفي الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عن عمر يناهز 61 عامًا، تاركًا إرثًا لا يُقدر بثمن في خدمة القرآن الكريم. لا تزال تسجيلاته تُسمع في المساجد والمنازل، ويعتبره الكثيرون نموذجًا يُحتذى به في تلاوة القرآن الكريم.
الخاتمة: صوت خالد في ذاكرة الأمة
إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ليس مجرد قارئ للقرآن، بل رمز عالمي يمثل الجمال والإبداع في التلاوة. صوته يعبر الزمان والمكان، ويُعتبر جزءًا من ذاكرة الأمة الإسلامية، وأيقونة خالدة لكل من يريد استشعار عظمة القرآن الكريم.