
قالت غادة طلعت، المستشار المالي وخبيرة الأسواق المالية والبورصة، في حديثها لـ”اليوم”، إن الدورة الـ55 لمؤتمر دافوس، الممتدة حتى 24 يناير الجاري، تشهد مشاركة أكثر من 130 دولة، منها 60 من قادة دول العالم، وحوالي 1600 من قادة الأعمال، بالإضافة إلى مئات من صناع القرار والاقتصاديين وممثلي المنظمات الدولية والقطاع الخاص، إلى جانب آلاف المشاهدين.
وأوضحت طلعت أن دورة هذا العام تتميز عن السنوات السابقة بعكسها للمتغيرات التي حدثت منذ دورة يناير 2024، حيث يعيد المؤتمر هذا العام تصور معدلات النمو في ظل القيود المالية المفروضة في الدول ومستويات الدين العالمية العالية. كما يسلط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي والابتكار في الاقتصاد الرقمي، الذي يمثل الآن 15% من الناتج العالمي، وهي نسبة كبيرة مرشحة للزيادة.
وأضافت أن المؤتمر يناقش هذا العام موضوعات مهمة تتعلق بالاستثمار في البشر والصناعات في ظل استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي موضوعات لم تكن محل نقاش في السنوات الماضية. وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي يستخدم الآن في جميع القطاعات والأنشطة، مما سيؤثر على بعض الوظائف ويعيد توزيع الثروات والخدمات والإنتاج لمواكبة الاقتصاد المستقبلي الذي ستقوده التكنولوجيا.
وأكدت طلعت أن التطور التكنولوجي سيؤدي إلى إعادة توزيع الثروات والخدمات والإنتاج، مشيرة إلى أن الانتخابات الأمريكية الأخيرة واستعانة الرئيس ترامب برجل الأعمال إيلون ماسك، صاحب النظريات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، يعكس أهمية هذه التطورات في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي.
وأضافت طلعت، أن اختلاف طبيعة المناقشات والمواضيع في مؤتمر دافوس هذا العام سيؤدي إلى نتائج مختلفة وملموسة. وأوضحت أن المنتدى هذا العام لم يكن منفصلًا عن الواقع، حيث تناول تباطؤ النمو العالمي والتحديات السياسية والاقتصادية والمتغيرات الجيوسياسية.
وأكدت طلعت أن انعكاسات المؤتمر ستكون واضحة على أرض الواقع من خلال التعاون الدولي لحل قضية الفقر، مشيرة إلى أن التنمية المستدامة هي الحل الأمثل لتحقيق هذا الهدف. وأوضحت أن خطة الأمم المتحدة لعام 2030 تهدف إلى القضاء على الفقر من خلال حشد الموارد الكبيرة من الدول المشاركة وتعزيز التعاون الإنمائي لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه النظيفة والصرف الصحي.
وأضافت أن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 160 مليون طفل سيكونون معرضين للفقر بحلول عام 2030، مما يستدعي تكاتف الدول المشاركة لحل هذه المشكلة. وأكدت أن الدول الكبرى يجب أن تلعب دورًا كبيرًا في هذا السياق، مشيرة إلى أن المصالح الاقتصادية للدول الكبرى غالبًا ما تكون لها الأولوية في العالم متعدد الأقطاب، حيث تلعب الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا. وأشارت إلى أن الانتخابات الأمريكية الأخيرة وتواجد الرئيس ترامب سيغير من الخريطة العالمية.
وأوضحت طلعت، أن السياسات الأمريكية المتعلقة بالتبادل التجاري مع الصين وأوروبا، والرسوم الجمركية التي تسعى لتطبيقها، ستؤثر على التجارة العالمية. وأوضحت أن الدول الكبرى، أو القوى العظمى، تتحكم في اقتصاد الدول الصغرى.
وأضافت طلعت، أن مصر كدولة محورية في الشرق الأوسط، تتأثر بالمتغيرات العالمية ولا يمكنها الانفصال عن تداعيات أي خطوة تتخذها الدول العظمى في مجال التجارة، خاصة مع وجود ممر قناة السويس الذي يربط بين الشرق والغرب.
وأشارت إلى أن مؤتمر دافوس هذا العام لم يكن منفصلًا عن الواقع، حيث تناول الصراعات والحروب وتأثير الأزمات على محركات النمو والتفكك المحتمل في النظام العالمي والمالي. وأكدت أن هذه الصراعات تؤثر على حركة التجارة واقتصاد الدول المجاورة في ظل عدم اليقين والتطور التكنولوجي المتسارع.
وأوضحت طلعت أن المناقشات في المؤتمر ركزت على تحديد المخاطر المحيطة بالصراعات وتأثير الحروب على غزة وإعادة الإعمار في الدول، وتأثير حروب اليمن. وأكدت أن العالم لا يمكن فصله اقتصاديًا أو سياسيًا، وأن أي قرار سياسي أو اقتصادي تتخذه دولة في المنطقة يؤثر على المحيط.
وأعربت عن أملها في أن يكون هناك فرص لإنهاء الصراعات من خلال الحوار بين القادة في المؤتمر، مشيرة إلى أن التاريخ الإنساني مليء بالحروب والصراعات التي لم يتمكن العالم من إنهائها. وأكدت أن المؤتمر يبرز القضايا والمخاطر ويحاول إيجاد حلول، لكن الأفعال تبقى بيد القادة.
جدير بالذكر تنعقد الدورة الـ55 للمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس 2025” حالياً في دافوس، سويسرا، وتستمر حتى 24 يناير الجاري، وسط آمال وطموحات كبيرة في ظل حالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي بسبب التغيرات الجيوسياسية والأزمات المتلاحقة.
تقام الدورة الحالية تحت شعار “التعاون من أجل العصر الذكي”، وتجمع رؤساء الحكومات وقادة الأعمال والخبراء من مختلف أنحاء العالم. تشكل هذه الدورة منصة مهمة لرسم مستقبل العالم الاقتصادي ومناقشة القضايا الأكثر إلحاحاً من خلال خمس أولويات رئيسية: “إعادة بناء الثقة”، “الاستثمار في البشر”، “إعادة تصور النمو”، “حماية الكوكب”، و”الصناعات في العصر الذكي”. يؤكد المنتدى على أهمية تعزيز التعاون بين الشركات والحكومات والمجتمع المدني لإيجاد حلول مشتركة واتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق تأثير أكبر.
يركز محور “إعادة بناء الثقة” على كيفية إيجاد طرق جديدة للتعاون الدولي في ظل التطورات السريعة في التجارة العالمية. وأشارت منظمة التجارة العالمية إلى أن الاقتصاد الرقمي يلعب دوراً مهماً في إنعاش التجارة، حيث زادت قيمة الخدمات الرقمية أربعة أضعاف خلال العقدين الماضيين، ونمت بمعدل 8.2% سنوياً مقارنة بمتوسط نمو التجارة البالغ 5.8%.
يناقش محور “إعادة تصور النمو” تحديد المصادر الجديدة للنمو في ظل الاقتصاد العالمي الجديد، حيث يلعب الابتكار دوراً مركزياً في تحقيق التعافي الاقتصادي العالمي بشكل كامل. وأكد المنتدى أن الاقتصاد الرقمي يمثل أكثر من 15.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويمكن أن يشكل الأساس لما يصل إلى 70% من إجمالي القيمة الجديدة التي سيتم إنشاؤها في الاقتصاد العالمي خلال العقد المقبل.
يركز محور “الاستثمار في البشر” على أهمية تعاون القطاعين العام والخاص في تنمية رأس المال البشري والوظائف الجديدة التي تسهم في تطوير مجتمع حديث ومستدام. يشير المنتدى إلى تأثير التطورات التكنولوجية في التوظيف وإعادة صقل المهارات لتلبية متطلبات اقتصاد الغد، مما يسهم في خلق فرص عمل قوية في الاقتصادات الرقمية.
يسلط محور “حماية الكوكب” الضوء على كيفية تحفيز العمل المناخي من خلال الشراكات المبتكرة وزيادة التمويل لنشر التكنولوجيات الرائدة. يؤكد المنتدى أن الشراكات والحوار المبتكرين يعدان أمرين مهمين لإحراز تقدم في تحقيق أهداف الحياد المناخي العالمية، فضلاً عن إسهام التكنولوجيا الحالية في تحقيق 66% من خفض الانبعاثات العالمية المطلوبة.
يركز محور “الصناعات في العصر الذكي” على كيفية تحقيق قادة الأعمال التوازن بين الأهداف قصيرة الأجل والضرورات طويلة الأجل في تحويل الصناعات. تقدم التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي والحوسبة والتكنولوجيا الحيوية والأتمتة فرصاً لدعم الصناعات وجعلها أكثر مرونة مع التحولات الجيواقتصادية والتكنولوجية الرئيسية.
يهدف منتدى “دافوس 2025″، الذي يضم أكثر من 100 جلسة حوارية رفيعة المستوى، إلى تشجيع الحوار ونشر الوعي حول القضايا الحرجة من خلال توفير منصة للتعبير عن الأفكار والآراء ومعالجتها في بيئة مفتوحة.
منذ عام 2003، يعقد المنتدى سنوياً في يناير في المدرسة الألبية السويسرية في قلب دافوس، ويجذب المسؤولين الحكوميين والفنانين وقادة المجتمع المدني ورواد الأعمال المبتكرين والرؤساء التنفيذيين للشركات المتعددة الجنسيات.