الرئيسيةعرب-وعالم

حسن علي لـ اليوم: الإعلام الغربي متهم بتسهيل الإبادة بغزة

على مدى 15 شهرًا، تحرك الإعلام الغربي كأحد المقاتلين في جيش الاحتلال الأسرائيلي، فكان محارب بمدفع الكلمات التي لا تنقل إلا عن المصادر الإسرائيلية، ونادرا ما شذ فيه أحد عن ذلك، والمصطلحات العاطفية في وصف المستوطنين بأنهم ضحايا للعنف الفلسطيني، الذي هو بالأساس محتل ومحاصر ومقيد وفي كثير من الأحيان أسير لسنوات لا تحصى، وكذلك كانت الصورة المجتزأة أو التعتيم على الصورة الحقيقية أحد القذائف، التي رمى بها ذلك الإعلام شعبًا يباد، وجريمة إبادته ثابتة بحكم المحكمة الجنائية الدولية، عملا على كتم صرخة الموت في حلقه.

ولما كان ذلك الإعلام دائم التغني بقيم المصداقية والموضوعية والحياد، كان لقاء “اليوم” مع الأستاذ الدكتور “حسن على”- أستاذ الإعلام بجامعة السويس، ليجيب على ذلك التساؤل حول حقيقة الوجه الإعلامي الغربي، فقال: “لقد تم كشف حقيقة الإعلام الغربي منذ زمن، ولا يمكنهم خداع أحد إلا السذج، فمثلًا: حقوق الإنسان لديهم كانت مجرد شماعة لتحقيق  مصالحهم التجارية والاقتصادية في الدول العربية، ولا تعني بالنسبة لهم سوى حقوق الإنسان الغربي وليس العربي، مثلها في ذلك مثل المعايير التي طالما تحدثوا عنها من: حرية التعبير والموضوعية في الإعلام، فكل ده أكاذيب لم تتحقق في الإعلام الغربي، حيث أثبت الإعلام أنه متحيز وغير موضوعي بالمرة، خدمة للمصالح الغربية”.

وأضاف: “لكن الرؤية الواقعية تؤكد أن ذلك أمر منتشر في العالم أجمع، وليست الدول الغربية وحدها، فالإعلام دائمًا يخدم مصالح الدولة لاسيما مصالحها العليا، وفي الدول الغربية تتمثل تلك المصالح في استنزاف موارد وخيرات الدول التي تفتقر للوعي، والقدرة العسكرية، وبالتالي الدول العربية بالنسبة لهم فرصة، حيث يحصلون على البترول بأبخث الأثمان (ملاليم)، وكذلك الثروة المعدنية التي يستولوا عليها بمبالغ زهيدة، بسبب عدم امتلاكنا للتكنولوجيا اللازمة لتصنيعها، ومن هنا إعلامهم يخدم مصالحهم، ويكون انتظار أن يكون الإعلام الغربي موضوعيا ويجرم إسرائيل أمر غير صحيح، لإن إسرائيل صنيعة أوروبية أمريكية لتحقيق مصالحهم”.

وعلى طول ما يربو على 15 شهرًا، لم يتحرك الإعلام الغربي بشيء من التعاطف المفروض مع جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان في غزة، مثلما حدث في حروب أخرى مثل الحرب على أوكرانيا، وقد فسر ذلك “على” في حديثه “لليوم”، فقال: “ذلك كله نوعًا من الاتصال السياسي، حيث يخدم الإعلام السياسي المصالح الغربية، بغض النظر عما هو واضح للعيان، لأن ما يهمه في المقام الأول هي مصالحه الأولية، ولكن ظهر بينهم أصحاب ضمائر يقظة، مثل: بعض أساتذة الجامعات، وبعض الصحفيين والمحلليين السياسيين، وغيرهم، وشكلوا أصواتًا أزعجت بايدن، حتى وصلت لسب وزير خارجيته أنتوني بلينكن منذ عدة أيام متهمين إياه بأنه وزير الإبادة الجماعية، حتى لم يستطع إكمال مؤتمره الصحفي”.

واستطرد: “وعلى الرغم من وجود تلك الأصوات المحترمة، توجد أصوات أخرى منغرسة حتى النخاع في الشر، بسبب تركيزهم على المصالح فقط، بصرف النظر عن الأخلاقيات لأن السياسة لا تعرف الأخلاق”.

فشل التأثير على الجمهور

وعلى ذكر الحراك الرافض للإبادة الجماعية، تحدث الدكتور “على” عن فشل الإعلام الغربي في التأثير على الرأي العام، فقال: “الانحياز في الإعلام الغربي كان انحياز مفضوح جدًا، ولم يكن انحيازا لإسرائيل باعتبارها كيان مستقل، بل كان انحياز بنسبة 100% لممثلة المصالح الغربية في المنطقة وهي بالطبع إسرائيل، ومن هذا المنطلق يمكن أن نقول أنه ليس بالإعلام الأخلاقي وإنما إعلام يلعب دورا سياسيًا، ويتسق تماما مع العقلية الغربية الانتهازية، وليس كما كان يدرس للطلبة في كليات الإعلام بأنه إعلام مهني وموضوعي، فالغرب كان يروج لمثل تلك الدعاية لخداعنا، وفي الواقع الفعلي هو إعلام يدعم مصالح الدول الغربية المتعارضة تماما مع مصالحنا”.

وبمقارنة حال الإعلام الغربي الذي تحدث أستاذ الإعلام عنه، باحتدام الحراك المناهض للإبادة الجماعية المناصر للقضية الفلسطينية، كان المؤشر الواضح أنه إعلام فقد تأثيره على جمهوره، وقد أوضح “على” ذلك فقال: “الأمر يختلف بين المجتمع المدني الذي يتظاهر ويعبر عن رأيه، دون أن يغير شيئًا في الأمر، لأن هذا أقصى ما يمكنه تقديمه لأنه لا يملك حرية الفعل، وبين العناصر المنتمية للسلطة مثل ما حدث في استقالة عدد من موظفي البيت الابيض، حين لمسوا التعارض بين ما يرونه في مواقع السلطة وبين ضمائرهم، وفي حادثة أخرى لم تقع من قبل في تاريخ وزارة الخارجية الأمريكية، استقال 6 من مساعدي بلينكن بشكل جماعي، احتجاجا على مسار الوزارة وموقفها من الحرب”.

وتابع: “وهنا نجد أناسًا تتحلي بالأخلاق دون أن تملك سلطة التأثير في صناع القرار الغربيين، لأن صانع القرار أمامه مصالح يصر على تحقيقها، سواء: على حساب الدول العربية، على حساب غزة، على حساب الانسانية، أبًا من كان على حسابه، فيجب أن نعلم أن الإعلام علام الغربي عديم الأخلاق، ولنكون صورة أكثر وضوحا، يمكننا النظر للأداء الإعلامي عبر التاريخ، مثل: الإعلام الألماني مع جوبلز في الحرب العالمية، والإعلام الأمريكي في حرب فيتنام واليابان- التي ضربتها الولايات المتحدة بقنبلتين ذريتين- وفي الحرب على العراق، نجده إعلام بدون أخلاق، لأنه إعلام يدعم مصالحهم وحدها”.

إعلام بلا أخلاق

لم يغب عن أستاذ الإعلام مشهد انهيار “النظرية الأخلاقية” في الإعلام الربي على طول تاريخه، فعرج في حديثه “لليوم” على نماذج لرؤيته حول “التاريخ شديد السوء للعالم الغربي في الالتزام بالقواعد الأخلاقية والمهنية”- حسب وصفه، فقال: “هو إعلام مزور، وقد فضح المفكر هيربرت شيلر في كتابه (المتلاعبون بالعقول) ممارساته بالأسماء والوقائع والوثائق، فكان الكتاب بمثابة وثيقة إدانة للإعلام الأمريكي بالكامل، ومن هنا لا يحتاج منا الأمر لكثير من الجهد لنعرف انه إعلام متحيز بلا أخلاق”.

بيد أن المؤسسات الإعلامية الكبرى لدى الغرب عانت من اضطرابات إدارية كبيرة، بسبب احتجاج العاملين بها لى التغطية المنحازة التي تقدمها، حتى استقال موظفون في نيويورك تايمز وبي بي سي، واحتج بعض الصحفيين على تقارير نيويورك تايمز التي اتهمت فيها عناصر المقاومة بالعنف الجنسي ضد الإسرائيليات، التي اعترفت الجريدة نفسها بعد ذلك بكذبها، وتقدم 100 موظف في بي بي سي بمذكرات احتجاج على التغطية المنحازة لإسرائيل، التي تقدمها المؤسسة، ما يطرح السؤال حول تناقض المواقف، فيها، فكيف يحمل الحراك داخل المؤسسات كل ذلك الزحم بينما تصر هي على الانحياز الأعمى؟

وقد أوضح “علي” ذلك في حديثه فقال: “كل ذلك يأتي في إطار حرية التعبير، وليس في إطار صناعة القرار، والأمر الثاني أن جميع المؤسسات الاعلامية العالمية المؤثرة إما ملاكها يهود أو رؤساء تحريرها يهود، وكنت قد طبعت كتابًا نشر سنة 1988 تضمن حصرًا لوكالات الأنباء التي يمتلكها يهود، أو رؤوساء تحريرها يهود على مستوى العالم، وبالمثل القنوات الإخبارية المؤثرة، وعلى سبيل المثال: سي إن إن مالكها أمريكي مسيحي، لكن المسؤول عن التحرير فيها يهودي، و رويترز مالكها ومؤسسها يهودي، وبالمثل الأسوشيتدبرس، كما أن النيويورك تايمز صهيونية بنسبة 100%، وكذلك الجارديان و لوفيجارو الفرنسية، وهو مدون في كتابي بالأسماء، ونجد فيه المديرين والموظفين في الأماكن القيادية فيها جميعهم يهود”.

تسهيل الإبادة إلى الجنائية الدولية

في ظل تحيز إعلامي صارخ، ضرب بمشاهد الدماء والأشلاء والإبادة والدمار الشامل في غزة عرض الحائط، وعقب تجريم الجنائية الدولية لقادة حكومة الاحتلال لارتكابهم جرائم الإبادة، تحدث خبراء عالميون في مجال حقوق الإنسان عن المسؤولية القانونية الواقعة على المؤسسات الإعلامية الغربية، بسبب انحيازها الكامل لإسرائيل، في تسهيل جريمة الإبادة الجماعية، وما يستدعيه ذلك من تحرك بالجنائية الدولية لإدانة تلك المؤسسات.

وقد أيد “علي” ذلك تماما، وأكد على ضرورة اتخاذ قادة العالم العربي إجراءًا في ذلك، وتحدث عن سوابق تاريخية في هذا الصدد فقال: ” هناك إعلاميون تمت محاكمتهم أمام الجنائية الدولية في تلك الاتهامات، مثل ما حدث في رواندا في الحرب الأهلية ورفعت قضية أمام الجنائية الدولية، ضد اثنين من المذيعين كانوا من المتسببين في الحرب الأهلية، وأدينوا أمام المحكمة على الرغم من أنهم مذيعين في الإذاعة الراوندية، في أول سابقة تاريخية من نوعها أن تجرم تلك المحكمة مذيع بتهمة الإبادة، وقد كانت لدي دراسة في هذا الموضوع، فالمحكمة الدولية لا تحكم فقط على الحكومات ومرتكبي الإبادة، إنما كذلك تجرم من سهل عملية الإبادة، وحرض عليها، وبث خطاب كراهية يحرض عليها”.

ولما كان التشريع موجود، والسابقة التاريخية موجودة، يكون السؤال المطروح: لما لا تحاكم تلك المؤسسات المنحازة؟

أجاب أستاذ الإعلام على ذلك السؤال فقال: “نعم كل ذلك موجود، لكننا في العالم العربي نحتاج لأن نملك الجرأة لرفع تلك القضايا، على عدد كبير من الإعلاميين الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين، ونتهمهم بتسهيل الإبادة الجماعية والتحريض عليها”.

وفي نهاية حديثه أعرب “علي” عن مخاوف يحملها على المنطقة العربية، انطلاقا من تلك الأطماع الربية التي يراها واضحة للعيان، وتحدث أمنية يحملها في نفسه: “ألا تنخدع المقاومة بوقف إطلاق النار، ويعتبروها هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس وتلقي المعونات، وإعادة بناء قدرتهم، لأنه من المؤكد أن تستأنف إسرائيل الحرب، لاسيما بعد أن يسوي ترامب القضية الأوكرانية، حيث سيلتفت مباشرة للمنطقة العربية، وهنا لن تكون غزة وحدها، بل إن هناك أيام سيئة قادمة”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights