اغتيال القادة العلويين.. هل يعزز تقسيم سوريا؟

بينما تتعالى نداءات الإدارة السورية الجديدة للفصائل المسلحة، لنبذ الانتقام المسلح والعنف، والانضمام تحت مظلة الجيش السوري، عبر تسليم السلاح والانضمام لوحداته النظامية، استيقظت سوريا على حادث يملؤه الغموض، حيث اغتال مجهولون أمس الثلاثاء، 3 رجال دين علويين، وذلك بإطلاق النار مباشرة على سيارة كانوا يستقلونها، على طريق طرطوس ـ اللاذقية.
وقد تم الكشف عن هوية رجال الدين الثلاث، بأنهم الشيخ “جابر محمود عيسى”- رئيس لجان المصالحات الشعبية إبان حكم “بشار الأسد”، واثنين من مساعديه هم: الشيخ “هيثم معلا” من قرية بقعو، والشيخ “محمد وطفة”.
ولم ترد أي معلومات رسمية عن أسباب الحادث، ما أضاف هالة من الغموض حوله، فسرها الأستاذ “أسامة حمدي”- الباحث في الشئون الإيرانية وقضايا الشرق الأوسط- في تصريحات خاصة “لليوم”، فقال: “الساحة السورية تشهد حالة من الفوضى والانفلات الأمني وغياب لدور الدولة بشكل ملحوظ، بعد سقوط نظام “الأسد” وانهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية وإحلال حكم المليشيات بدلا منها، بالإضافة إلى حالة السيولة السياسية التي تعيشها سوريا من عدم وجود نقاط أمنية وشرطية لحفظ الأمن والنظام في البلدات السورية، كذلك هرب عدد كبير من رموز نظام الأسد والقيادات العسكرية إلى مناطق جبلية، واتخذوا منها مركزا لتنفيذ عمليات قطع الطرق وتهريب، بعد توقف رواتبهم عقب حل الجيش السوري النظامي”.
الانتقام
جاء الحادث وسط عمليات تمشيط واسعة تجريها عناصر الأمن في المنطقة، بحثًا عن المتورطين في الجرائم من رجال نظام “الأسد”، ومع الغموض الذي اكتنف هوية أولئك المسلحين، ثارت التكهنات والتساؤلات حولهم.
وهو ما فنده “حمدي” في تصريحاته “لليوم”، حيث أشار بأصابع الاتهام للجماعات السلفية، فقال: “لا شك أن من يقف وراء هذه العمليات هي الجماعات الجهادية السلفية، ذات الفكر التكفيري للشيعة، حيث تنتشر في سوريا، وأعضائها من دول وجنسيات عديدة، وقد تحالفت مع هيئة تحرير الشام لإسقاط النظام، بيد أن ذلك لا يعني تحميل المسؤولية مباشرة للإدارة السورية الجديدة، فهي نفسها قد لا تعلم من الجاني المنفذ لتلك العملية، في ظل تعدد وتنوع الجماعات والمليشيات داخل البلاد، وكل منها تحمل أجندتها الخاصة”.
ومن هنا كانت أحد الدوافع المطروحة وراء الحادث هو “الانتقام”، حيث رأى البعض أن انتمائهم للطائفة العلوية، دفع أصحاب الثأر مع النظام الأسدي يقتلونهم بدافع الثأر أو الانتقام، ولكن السلطة الأمنية لم تؤكد ذلك أو تنفيه.
وما دعم ذلك الطرح هي حوادث العنف الطائفي المتفرقة الانتقامية، التي وقعت في البلاد، وراح ضحيتها عشرات السوريين، معظمهم من العلويين وتحديدا الطائفة الكلبية، التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع “بشار الأسد” وعائلته، وهو ما اجتهدت هيئة تحرير الشام في الحد منه داخل القرى التي انتشرت فيها تلك الأعمال- حسب “باسم مروه” لصحيفة “واشنطن بوست”.
كما دعم “حمدي” ذلك الطرح، فقال: “في ظل حالة الفوضى والانفلات الأمني- سالفة الذكر- تصبح عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية أمر غير مستبعد، فتطال رموز دينية وسياسية محسوبة على النظام السوري السابق، المرتبط كليا بالطائفة العلوية، حيث صعدت في عهده لأعلى المناصب السياسية والعسكرية، كما حققت امتيازات اقتصادية كبيرة منذ سنة 1970، في بداية حكم عائلة الأسد لسوريا، ومن هنا لا نستبعد دخول سوريا في دوامة جديدة من اغتيالات رجال دين علويين، داخل مناطق تمركزهم بالساحل السوري، في ضوء تمتعهم بموقع مؤثر يرقى لأن يكون “مقدس” وسط تلك الطائفة”.
الخصومة الثأرية
العلويون السوريون هم الفئة الأكبر عدد بين الطائفة العلوية، حيث يقدر عددهم بنحو 3 ملايين نسمة، بما يمثل 12- 15% من مجمل سكان سوريا، ويتركز وجودهم في مناطق شمال غرب سوريا، لاسيما في اللاذقية وطرطوس، بالإضافة لبعض المدن والمناطق الأخرى على الساحل السوري.
وفي أحد حوادث العنف الطائفي، في ديسمبر الماضي عقب الإطاحة بنظام “الأسد”، تظاهر آلاف العلويين في حمص واللاذقية وطرطوس وقرداحة، احتجاجا على حرق مقام أحد رموز الطائفة العلوية وقتل 5 من حراسه، وقد تطور الأمر إلى مواجهات مع عناصر الأمن، أدت لاغتيال بعضهم، وسرعان ما استطاعت الإدارة السورية التحكم في الأمر، معلنة احترامها لكافة الطوائف السورية.
ما ينذر بتحركات محتملة لتفجير العنف في سوريا، وربما يتحرك جمهور رجال الدين الذين تم اغتيالهم أمس للثأر لهم، لاسيما مع إنكار النعي الرسمي “لعيسى” فكرة الاغتيال، مؤكدين أنها “وفاة” ناجمة عن حادث سير جسيم، وعلى ذات المنوال سارت منصات تابعة لهم على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وقد فسر “حمدي” ذلك فقال: “رفض أهل الضحايا الاعتراف بأنه اغتيال، واصفين إياه بأنه (حادث سير جسيم)، يأتي في سياق إتباع الشيعة لمبدأ (التقية)، وهو إظهار عكس ما تخفي واللجوء لسياسة التخفي، منعا لحدوث صدام يؤدي لحالة اضطهاد للطائفة ذات الأقلية الدينية والمذهبية في سوريا، وفي ظل مشهد يسيطر عليه الفكر السلفي الجهادي المكفر للشيعة أصلا”.
وفصل الحديث حول موضوع الثأر للمقتولين، فقال: “فكرة انتقام الطائفة العلوية يجب ألا نهمل فيها ظهور تنظيم (المقاومة السورية)، وهو تنظيم ينتمي للطائفة العلوية في سوريا، ويتركز في مناطق الساحل السوري وبعض المدن في دمشق في أماكن تركز كتلة العلويين، وعددهم قرابة 130 ألف شاب سوري علوي، دربتهم إيران منذ سنوات على يد فيلق القدس، وقائده السابق (قاسم سليماني) ومن أتى بعده من قيادات الفيلق”.
وأضاف: “وقد ألمحت تصريحات كبار المسؤولين في إيران، وبينهم المرشد الأعلى الإيراني، إلى وجود هذا التنظيم، وأطلقت عليهم اسم “الشباب السوري الشريف”، الذي سينتفض ضد النفوذ الصهيوني الأمريكي في سوريا، في إشارة منهم إلى توسع إسرائيل الكبير في البلاد، بمباركة من الإدارة الجديدة، التي جاءت وفق أجندة أمريكية- تركية، لإسقاط (الأسد) حليف إيران في المنطقة، وقطع خطوط الإمدادات عن حزب الله اللبناني عبر سوريا”.
واختتم حديثه حول تلك القضية بالأنباء باحتمالات ازدياد العنف، فقال: “أعتقد أن سوريا أمام فصل جديد من العنف الطائفي والفوضى، الذي لا يكون فيه طرفا رابحا، يعزز سيناريو تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة علوية وسنية وكردية، فيما يشبه سيناريو ليبيا، بحيث نجد جماعات متحاربة تسيطر على مناطق منفصلة عن بعضها، ويوجد أكثر من حكومة وجيش في الدولة الواحدة”.