أخبار

لماذا نتصوف؟ مفهوم التصوف ودوره في بناء الحضارة الإسلامية

أكد الدكتور محمد مهنا، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن التصوف ليس مجرد ممارسات روحية أو طقوس دينية، بل هو جوهر الإسلام الحقيقي وأساس نهضة الأمة الإسلامية.

جاء ذلك خلال مشاركته في برنامج “الطريق إلى الله”، المذاع على قناة “الناس”، حيث أجاب على تساؤل حول سبب الحاجة إلى التصوف وحقيقة ما يقال عنه.

أشار مهنا إلى مقولة الشيخ محمد زكي إبراهيم، الذي وصف التصوف بأنه “دعوة للحب الذي فقده الناس، وبالتالي فقدوا جوهر الإنسان وحقيقته”، موضحًا أن التصوف يقوم على قيم الحب، والإيثار، والتواضع، والسلام، والمساواة بين البشر، مما يجعله أسلوب حياة شاملًا وليس مجرد مجموعة من الطقوس والممارسات.

التصوف.. تربية روحية أسسها النبي صلى الله عليه وسلم

أوضح الدكتور محمد مهنا أن التصوف الذي بدأه النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد تعليم ديني، بل كان تربية عملية تهدف إلى بناء الإيمان في قلوب الصحابة قبل أن يظهر في الواقع. فالنبي، عندما بدأ دعوته في مكة، لم يركز فقط على العبادات الظاهرة، بل كان حريصًا على غرس قيم الإيمان، والصدق، والمحبة، والصبر في نفوس أتباعه، قبل أن ينطلقوا لبناء الدولة الإسلامية على هذه الأسس القوية.

أشار مهنا إلى أن التصوف لعب دورًا رئيسيًا في تأسيس الحضارة الإسلامية، إذ إنه لم يكن مجرد عنصر هامشي، بل كان المحرك الأساسي للنهضة الفكرية والروحية التي شهدتها الأمة الإسلامية عبر العصور.

غياب التصوف وتأثيره على الأمة الإسلامية

وفي سياق حديثه، أكد أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر أن الأمة الإسلامية تعرضت لانتكاسات خطيرة عندما غفلت عن التصوف وتراجعت عن تطبيق مبادئه.

وأشار إلى أن التصوف لم يكن مجرد عامل مساعد في تاريخ الأمة، بل كان الركيزة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية، ومن ثم فإن العودة إلى التصوف الحقيقي هي السبيل الوحيد لاستعادة نهضة الأمة وإحياء القيم الإسلامية الأصيلة.

لماذا يتم تشويه التصوف؟ محاولات الطعن في تراث صوفي أصيل

وتطرق الدكتور مهنا إلى المحاولات المستمرة لتشويه التصوف، مشيرًا إلى أن بعض الجهات تحاول ربطه بالبدع والانحرافات، رغم أن التصوف الأصيل لا علاقة له بهذه الممارسات الخاطئة.
وأوضح أن وجود بعض الانحرافات بين المنتسبين إلى التصوف لا يعني بالضرورة أن نرفض التصوف ككل، مشددًا على أهمية التفريق بين التصوف النقي الذي ينتمي إلى جوهر الإسلام، وبين التصرفات الخاطئة لبعض الأفراد.

أضاف أن التاريخ يشهد بدور الصوفية في نشر الإسلام في مناطق مختلفة من العالم، حيث اعتنقت العديد من الشعوب الإسلام بفضل الجهود الصوفية.

وذكر أن بلدانًا مثل كازاخستان، والشيشان، وبعض مناطق الصين وأوروبا، شهدت انتشار الإسلام بفضل أخلاق المتصوفة وسلوكهم الحسن، دون الحاجة إلى جدال أو خطب مطولة، حيث كان سلوكهم الحسن وتأثيرهم العملي أكثر إقناعًا وتأثيرًا من مجرد الكلمات.

التصوف وتأثيره في نشر القيم الإنسانية السامية

واختتم الدكتور مهنا حديثه بالتأكيد على أن التصوف الحقيقي هو السبيل لإحياء القيم الإنسانية السامية، مثل الرحمة، والتسامح، والإحسان.

مشيرًا إلى المثل القائل: “حال رجل في ألف رجل أبلغ من مقال ألف رجل”، أي أن الأفعال الصادقة والقدوة العملية لها تأثير أقوى وأعمق من الكلمات وحدها.

وأكد أن التصوف ليس غريبًا عن الإسلام، بل هو جوهره الحقيقي، وأن الأمة لن تستعيد مجدها إلا بالعودة إلى روح التصوف النقي الذي يجمع بين الروحانية والعمل، بين الإيمان والأخلاق، وبين العبادة والإصلاح.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights