ثلاثة مفاتيح لحياة متزنة.. كيف نطبق الصبر والهجر والصفح الجميل؟
فن التعامل مع الحياة... دروس من القرآن في الصبر والهجر والصفح

في لقاء خاص لجريدة وموقع “اليوم”، تحدث الدكتور علاء الغريزي، العالم الأزهري وأستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، عن معاني الجمال في الأخلاق الإسلامية كما وردت في القرآن الكريم، مسلطًا الضوء على ثلاث فضائل سامية وهي: الصبر، الهجر، والصفح الجميل.
أشار الدكتور الغريزي إلى أن هذه القيم تمثل منهجًا متكاملًا للتعامل مع المواقف الصعبة والآخرين، وتُظهر السمو الأخلاقي الذي ينعكس على حياة الإنسان ومجتمعه.
الصبر: سلاح المؤمن في مواجهة الابتلاء
يبدأ القرآن الكريم بتمجيد الصبر كأحد أعظم الأخلاق التي يتحلى بها الإنسان. يقول الله عز وجل: {فاصبر صبرا جميلا}، وهي دعوة للصبر بلا شكوى أو تذمر، صبرٌ يتسم بالرضا التام بقضاء الله وقدره.
يوضح الدكتور الغريزي أن الصبر الجميل ليس مجرد تحمل للألم، بل هو حالة من الطمأنينة والثبات الداخلي، حيث يواجه المسلم المحن بروح قوية دون أن يُثقل الآخرين بمشكلاته.
وأكد فضيلته أن الصبر الجميل يعكس عمق الإيمان وحسن التوكل على الله، وهو ما يجعل الإنسان قادرًا على تجاوز أصعب المواقف بنقاء نفسي وسلام داخلي.
الهجر: أدب الاختلاف وسلامة القلوب
أما عن الهجر، فقد أوضح الدكتور الغريزي أن القرآن وضع له معيارًا مميزًا بقوله تعالى: {واهجرهم هجرا جميلا}. يشير الهجر الجميل إلى ترك ما يؤذي النفس أو العلاقة، دون كراهية أو عدوان. وبيّن الدكتور الغريزي أن هذا النوع من الهجر يهدف إلى تحقيق التوازن النفسي دون التسبب في أذى للآخرين، وهو تصرف يعكس الحكمة والرقي في التعامل مع الخلافات.
وأضاف أن الهجر الجميل ليس فقط موقفًا سلبيًا، بل هو قرار واعٍ يحترم كرامة الجميع، ويمنع تصعيد الخلافات، مما يحافظ على العلاقات الإنسانية ضمن حدود الأدب والاحترام.
الصفح الجميل: العفو بلا عتاب
انتقل الدكتور الغريزي للحديث عن الصفح الجميل، الذي يُعد أرقى درجات التسامح، كما ورد في قوله تعالى: {فاصفح الصفح الجميل}. وأوضح أن الصفح الجميل يعني العفو دون أن يرافقه عتاب أو تذكير بالخطأ، فهو نابع من قلب صافٍ يتجاوز الإساءة دون أن يحمل غلًا أو حقدًا.
وأشار فضيلته إلى أن الصفح الجميل يجسد سمو الأخلاق الإسلامية، حيث يهدف إلى تحقيق السلام النفسي والاجتماعي، ويعزز الروابط بين الناس. فالصفح بهذا الشكل يُظهر قوة الشخص العافِ وعلو منزلته، ويمنح المجتمع فرصة للتماسك والتعايش بروح المحبة.
الجمال في الأخلاق الإسلامية
اختتم الدكتور الغريزي حديثه بتوضيح أن الجمال الذي وصفته الآيات الكريمة في الصبر، والهجر، والصفح، يتمثل في النقاء الداخلي والهدوء النفسي، وهو انعكاس للأخلاق الرفيعة التي يدعو لها الإسلام.
وأكد أن المسلم مطالب بأن يكون مرآة لهذه الفضائل في حياته اليومية، فهي ليست مجرد سلوكيات، بل هي منهج متكامل لتحقيق السلام الداخلي والتعايش الإنساني.
الخاتمة
تُبرز تعاليم القرآن الكريم كيف يمكن للأخلاق السامية أن تكون مفتاحًا لحياة أفضل. الصبر بلا شكوى، الهجر بلا أذى، والصفح بلا عتاب، هي قيم لا تقتصر على التعامل مع الآخرين فحسب، بل تعيد تشكيل شخصية الإنسان ليكون أكثر نضجًا واتزانًا. تلك هي الرسالة التي أوصلها الدكتور علاء الغريزي، والتي تؤكد أن الإسلام دين يضع الجمال في كل تفاصيل الحياة.